عادت قضية التقارب بين السعودية ونظام الأسد، إلى طاولة التقارير الإعلامية مؤخرًا، بعد نشر وكالة "رويترز" أنباء نقلا عن مصادر -لم تسمها- أن الرياض ستعيد فتح سفارتها في دمشق بعد عيد الفطر.
ولم تكن هذه التطورات خارج سياق الأحداث لإعادة تطبيع العلاقات بين السعودية ونظام بشار الأسد، حيث صرح وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في "دافوس" بسويسرا في 19 من كانون الثاني الماضي، قائلا "نعمل مع شركائنا لإيجاد طريقة للتواصل مع الحكومة في دمشق، على نحو يؤدي لتحركات ملموسة باتجاه حل سياسي".
وفي السياق، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن زيارة محتملة لوزير الخارجية السعودي إلى دمشق بعد عطلة عيد الفطر.
وأضافت أنه إذا تمّ التوصل إلى اتفاق رسمي بين دمشق والرياض فسيكون دمج سوريا في المحيط العربي وإعادة إعمارها في جدول أعمال القمة العربية.
ونوهت "وول ستريت جورنال" أن الحكومة الروسية توسطت في اتفاق مبدئي عندما زار الأسد موسكو الأسبوع الماضي، مضيفة أن إيران شجعت نظام حليفها بشار الأسد على إبرام اتفاق مع السعودية بعد أن وافقت الرياض وطهران على استئناف العلاقات الدبلوماسية .
ونقلت "وكالة رويترز" عن ثلاثة مصادر مطلعة، اليوم الخميس، إن المملكة العربية السعودية والنظام السوري اتفقتا على إعادة فتح سفارتي البلدين بعد قطع العلاقات الدبلوماسية قبل أكثر من عقد.
يأتي ذلك بعد نحو أسبوعين من قرار السعودية وإيران استئناف العلاقات فيما بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما بعد 7 سنوات من التوتر بين البلدين، وذلك بوساطة صينية.
وقالت المصادر للوكالة، "إن سوريا والسعودية اتفقتا على معاودة فتح سفارتيهما بعد قطع العلاقات الدبلوماسية قبل أكثر من عقد، في خطوة من شأنها أن تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام في عودة دمشق إلى الصف العربي".
وبحسب المصادر، فإن رئيس شعبة المخابرات لدى النظام زار السعودية قبل التوصل إلى اتفاق لإعادة فتح السفارات، وقال مصدر إقليمي مقرب من النظام إن الاتصالات بين الرياض والنظام اكتسبت زخما بعد اتفاق تاريخي لإعادة العلاقات بين السعودية وإيران، وهي الحليف الرئيسي لـ "بشار الأسد"، وأضاف مصدر آخر لرويترز، إن السعودية والنظام تستعدان لإعادة فتح السفارتين بعد عيد الفطر.
وفي السياق، نقلت "قناة الإخبارية السعودية" عن مصدر في وزارة الخارجية قوله: "هناك مباحثات بدأت مع سوريا ويأتي ذلك إطار حرص المملكة على تسهيل تقديم الخدمات القنصلية الضرورية للشعبين"، وأضاف أن "البحث جارٍ مع المسؤولين في سوريا حول استئناف تقديم الخدمات القنصلية".
مقدمات التطبيع
التقارب السعودي مع نظام الأسد لم يكن وليد الساعة، وإنما يعود إلى عدة سنوات مضت، وكانت البداية عام 2017 عندما فكت السلطات السعودية ارتباطها كليا مع المعارضة السورية، وأغلقت مكتبها، وطلبت من كل العاملين فيه، بما في ذلك رئيسه مغادرة البلاد، وتلى هذه الخطوة سماح الرياض في أيلول (سبتمبر) 2020 بمرور شاحنات البضائع السورية عبر أراضيها الى الخليج، وبعد ذلك فتح خط جوي عبر خطوط "أجنحة الشام" السورية بين الرياض ودمشق في كانون الأول (ديسمبر) عام 2020، وجاءت زيارة محمد مرتيني وزير السياحة السوري إلى الرياض على رأس وفد كبير للمشاركة في اجتماع لمنظمة السياحة العالمية، أحد أبرز مؤشرات الانفتاح المتدرج، لكن الاختراق الأكبر جاء في شهر آيار (مايو) عام 2021 من خلال مباحثات أمنية سعودية إيرانية في دمشق، مثل الجانب السعودي فيها الجنرال خالد الحميدان رئيس المخابرات، والسوري اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن السوري، وتكللت هذه اللقاءات السرية باستقبال الرئيس السوري بشار الأسد للجنرال الحميدان والوفد المرافق له.
من المفارقة أن هذا التطور الجديد في العلاقات السعودية مع نظام اللأسد جاء هذه المرة من الرياض، وبعد محادثات جرت لعدة أيام بين مسؤول استخباراتي سوري كبير يُعتقد أنه الجنرال حسام لوقا ونظيره السعودي الحميدان، ومن المتوقع أن يتم إعلان إعادة فتح سفارتي البلدين ءثناء الزيارة المتوقعة لدمشق للأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي في الأيام القليلة المقبلة.
ومهدت السلطات السعودية لهذا التقارب بإقامة جسر جوي لإيصال المساعدات إلى ضحايا الزلزال الأخير، وكان منظر طائرات الشحن السعودي في مطارات دمشق وحلب واللاذقية المحملة بالأغذية المعدات الطبية والأدوية لافتا إلى حدوث تطورات سياسية.
وعبّر "بن فرحان" عن هذه السياسات الجديدة التطبيعية تجاه نظام الأسد في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو، عندما قال "المملكة تؤكد على أهمية استمرار جهودها الرامية لحل الازمة السورية بما يكفل أمن الشعب السوري وحمايته من المنظمات الإرهابية، والميليشيات الطائفية التي تعرقل الوصول الى حلول حقيقية تخدم الشعب السوري الشقيق".