أظهر قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن، يوم الأحد الفائت، بشن غارات جوية ضد الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا، كيف تخطط الإدارة للتعامل مع الهجمات على القوات والمنشآت الأمريكية في المنطقة، كما أظهر أن الولايات المتحدة سترد بقوة حتى لو لم يُقتل أو يُصاب أي عسكري أمريكي.
وقال مسؤول كبير في الإدارة، لم يكشف عن هويته، لصحيفة "واشنطن بوست"، "تقع على عاتقنا مسؤولية إثبات أن مهاجمة الأمريكيين لها عواقب، وهذا صحيح سواء تسببت تلك الهجمات في وقوع إصابات أم لا.. إذا هوجمنا، فسوف نرد".
تمثل هذه الرسالة ، التي تم نقلها إلى إيران عبر القنوات الدبلوماسية، تحولا في السياسة من عهد ترامب.
في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي كان يأمل في سحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط، وضعت واشنطن خطا أحمر مختلفا، مفاده أن "قتل الأفراد الأمريكيين من شأنه أن يؤدي إلى رد عسكري أمريكي".
يعتقد كبار المسؤولين في إدارة بايدن أن السياسة لم تفعل شيئا يذكر لردع موجة الهجمات الصاروخية غير المميتة على المنشآت الأمريكية في العراق التي زادت بشكل كبير في عامي 2019 و2020، بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، وبدء فرض العديد من العقوبات على اقتصاد طهران.
تثير السياسة الجديدة، المصممة لردع الهجمات المميتة وغير المميتة، تساؤلات حول ما الذي سيوقف الضربات المتبادلة من الخروج عن نطاق السيطرة، وكيف تعمل مثل هذه المناوشات على تعزيز هدف إدارة بايدن النهائي المتمثل في سحب القوات الأمريكية في الشرق الأوسط.
بايدن يدافع عن سلطته
واستهدفت الضربات الأمريكية الثلاث التي نفذتها طائرات سلاح الجو، الأحد، مخازن أسلحة تستخدمها كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء، بحسب البنتاغون، ورد المتشددون، يوم الاثنين، بهجمات صاروخية على القوات الأمريكية لكنها لم تسفر عن قتلى أو جرحى.
منذ أبريل/ نيسان، نفذت الميليشيات خمس هجمات بطائرات بدون طيار على منشآت أمريكية، بما في ذلك على حظيرة للسي آي إيه في مدينة أربيل الشمالية في الربيع.
وأظهرت الهجمات تطورا تكنولوجيا متزايدا أثار قلق البيت الأبيض، وأثارت سلسلة من المناقشات بين الوكالات حول الرد الأمريكي المناسب، الذي بلغ ذروته بضربات نهاية الأسبوع الماضي، حسبما قال مسؤولون أمريكيون مطلعون على الأمر.
منذ الربيع، تم إطلاع بايدن على الهجمات من قبل كبار مسؤولي مخابراته عدة مرات في مؤتمره الرئاسي اليومي الصباحي، حسبما قال شخص مطلع على الأمر.
على عكس الطائرات بدون طيار البسيطة التي يتم التحكم فيها عن بعد والتي استخدمتها الميليشيات في الماضي، تضمنت سلسلة الهجمات الأخيرة طائرات بدون طيار موجهة، ويتم تشغيلها باستخدام نقاط طريق GPS مبرمجة مسبقا.
وقال مسؤولون غربيون ومساعدو الكونجرس المطلعون على الهجمات، إن الطائرات بدون طيار المحملة بالمتفجرات، اتبعت مسارا محددا مسبقا لإحداثيات محددة، مما يسمح لها بالغوص في أهداف محمية بشدة.
إن سياسة عدم التسامح المطلق التي تنتهجها إدارة بايدن بشأن هجمات الميليشيات تخاطر بإثارة المزيد من العمليات القتالية، يقول المسؤولون الأمريكيون إنهم يحاولون تقليل هذه الاحتمالية، من خلال الأهداف التي يختارونها والتواصل الدبلوماسي بعد وقوعها.
أبلغت وزارة الخارجية إيران عبر "قنوات متعددة" بمخاطر دعمها للميليشيات المسلحة في العراق، وقال متحدث باسم وزارة الخارجية "كنا واضحين أن هذه العملية أجريت لتعطيل وردع وليس للتصعيد".
يهتم المسؤولون الأمريكيون بشكل خاص بالأحداث التي وقعت في آذار/ مارس 2019، عندما قصفت إدارة ترامب ما وصفته بمواقع الميليشيات في العراق، في أعقاب هجوم صاروخي أدى إلى مقتل جندي بريطاني واثنين من أفراد الخدمة الأمريكية.
وردت السلطات العراقية، بالقول إن الضربة أصابت مستودعا خاليا في مطار مدني في كربلاء وقتلت مدنيا، وقال مسؤولون بريطانيون إنهم رفضوا الانضمام إلى العملية العسكرية، مشيرين إلى عدم وجود دليل ملموس على المسؤول.
وقال مسؤول أمريكي كبير، "سنرد، وفي هذا الرد، نريد أن نتأكد، قدر الإمكان، من أننا نضرب أهدافا مرتبطة بالهجمات ضدنا"، لا تعمل إدارة بايدن على أساس قانوني مختلف لاستخدام العمل العسكري في العراق أو سوريا.
وأثارت مثل هذه العمليات الأمريكية غضب العراقيين، وزادت من الضغط على الحكومة في بغداد، للمطالبة بانسحاب القوات الأمريكية.
وأثارت الضربات الجوية يوم الأحد، وهي الضربات العسكرية الثانية لبايدن في سوريا منذ شباط/ فبراير، عندما أصابت القنابل الأمريكية مبان قال البنتاغون إنها تخص جماعات مدعومة من إيران، مخاوف بعض الديمقراطيين في الكونجرس بشأن نهاية اللعبة في العراق وسوريا.
بعد الضربات، أشار السناتور كريس مورفي من ولاية كونيتيكت إلى أنه يثق بـ "غرائز" البيت الأبيض، لكنه قلق من أن وتيرة الهجمات والهجمات المضادة بين القوات الأمريكية والقوات التي تعمل بالوكالة الإيرانية "بدأت تبدو" من نوع القتال الذي تتطلب من الرئيس الذهاب إلى الكونجرس لإعلان الحرب.
وأثارت هجمات الميليشيات الانتقامية، يوم الاثنين، على قاعدة تضم القوات الأمريكية التي تقوم بدوريات بالقرب من حقل نفط سوري، تساؤلات من الديمقراطيين حول ما إذا كانت إدارة بايدن تواصل سياسة حماية حقول النفط السورية التي كانت تتبع عهد ترامب.
تضم المنطقة مخيم الهول المزري الذي يسهل اختراقه، والذي يسيطر عليه الأكراد، ويضم عوائل تنظيم داعش، يقول مسؤولون غربيون وأكراد إنه تتم عمليات تهريب بطيء من أكثر أنصار الدولة الإسلامية المتشددون للانضمام إلى التنظيم، أو مغادرة البلاد بهدوء.
وقعت الإصابات الأربع الناجمة عن الضربة الأمريكية، يوم الأحد، على الجانب السوري من الحدود السورية العراقية، لكن الجماعات المسلحة العراقية حاولت حشد الشعور القومي بأن الهجوم الأمريكي استهدف أولئك الذين يحمون العراق من الخارج.
ويتعرض رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لضغوط من جميع الأطراف: إيران، التي لها تأثير كبير على السياسة العراقية، تريد إخراج القوات الأمريكية من العراق، وتطالب إدارة بايدن الكاظمي بكبح جماح هجمات الميليشيات بالصواريخ والطائرات بدون طيار على المصالح الأمريكية في البلاد.
تقول قوات الأمن العراقية إنها زادت الدوريات العشوائية لمحاولة استباق الهجمات الصاروخية، وحاولت حكومة الكاظمي تقليل عمليات الميليشيات. يقول محللون إن قوات الحشد الشعبي، وهي شبكة من الميليشيات العراقية، تمتلك في الغالب نفوذاً أكبر مما يمتلكه رئيس الوزراء، مما يزيد من مخاطر أي مواجهة معها.
إيران إنسايدر - (ترجمة فتحية عبدالله)