تمثل الضربة العسكرية الأمريكية على المقاتلين المدعومين من إيران في سوريا هذا الأسبوع، اختبارًا أوليًا حاسمًا لمحاولة إدارة بايدن تحقيق التوازن بين الأهداف المتنافسة بشأن إيران، وهي استراتيجية يؤكد خبراء أنها من غير المرجح أن تنهي التاريخ القاتل لعنف الميليشيات ضد الأفراد الأمريكيين.
ووصف محللون، وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست"، الهجوم على موقع بالقرب من الحدود الجنوبية الشرقية لسوريا مع العراق، بأنه "رد محسوب" على إطلاق الصواريخ على المنشآت الأمريكية في العراق المجاور، لكنهم قالوا إنه من المحتمل أن يكون له تأثير عملي ضئيل، جزئياً لأنه تجنب المناطق الأكثر حساسية التي تسيطر عليها الميليشيات المدعومة من إيران.
وقال تشارلز ليستر، في معهد الشرق الأوسط "بالنسبة لإيران، فإن اهتمام إدارة بايدن الواضح بإعادة استكشاف اتفاق نووي، هو بمثابة دعوة لاستخدام الوكلاء كوسيلة لشراء النفوذ والوقت، إذا كان هناك أي شيء تجيده إيران، فهي تتفحص العدو وتختبر خطوطه الحمراء، كل ذلك أثناء سعيها منها لكسب النفوذ".
وقدر المسؤولون الأمريكيون أن الضربة، التي أسقطت فيها طائرتان من طراز F-15E Strike Eagle سبع قنابل دقيقة، قتلت حفنة من المقاتلين التابعين لميليشيات مدعومة من إيران.
وقال المسؤولون إن هجوما صاروخيا يوم 15 فبراير/شباط على قاعدة أمريكية في شمال العراق، أسفر عن مقتل متعاقد يعمل مع الجيش الأمريكي، وإصابة جندي أمريكي.
وردا على سؤال للصحفيين، يوم الجمعة، عن الرسالة التي كان ينوي جو بايدن توجيهها لطهران عقب الضربة، قال بايدن "لا يمكنكم التصرف دون الإفلات من العقاب، احذروا".
كما ألقى مسؤولون باللوم على وكلاء إيران في هجمات صاروخية أخرى على مواقع أمريكية في العراق منذ تولي بايدن منصبه.
ولم يكن هذا هو الحال في ديسمبر/ كانون الثاني 2019، فعندما ضرب وابل من الصواريخ قاعدة أمريكية، وأسفر عن مقتل مقاول أمريكي، أثار هذا الحدث سلسلة من الأحداث التي بلغت ذروتها في قرار إدارة ترامب، بإعطاء الإذن لطائرة دون طيار باستهداف متزعم فيلق القدس السابق قاسم سليماني، عقبه وهجوم صاروخي انتقامي شنته إيران على قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق.
وقال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، إن العملية التي وقعت في وقت مبكر من يوم الجمعة في سوريا (في وقت متأخر من يوم الخميس في واشنطن)، استهدفت مجمعا يضم مساكن وموارد أخرى للميليشيات.
وأضاف خلال حديثه للصحفيين "نحن واثقون من أن هذه كانت أهدافا مشروعة استخدمتها الجماعات المرتبطة بالهجمات الأخيرة، المباني والإسكان والقدرات التي استخدمتها للمساعدة في شن هجمات على قواتنا وشركائنا في التحالف في العراق".
ونفت كتائب حزب الله، إحدى الفصائل التي استهدفها البنتاغون، أي دور لها في الهجوم الصاروخي في 15 شباط/ فبراير على مدينة أربيل العراقية، وقالت الجماعة في بيان لها، إن عنصراً واحداً فقط قتل في ضربة الجمعة.
ويعكس قرار الإدارة بضرب موقع للميليشيات في سوريا، بدلاً من العراق، عزمها على تقليل الاحتكاك مع بغداد، التي انتقدت بشدة الهجمات الأمريكية أحادية الجانب على أهداف الميليشيات خلال إدارة ترامب.
ومع ذلك، أعربت الحكومة العراقية عن عدم ارتياحها للهجوم، وفي بيان لها، رفضت وزارة الدفاع العراقية تصريحات وزير الدفاع لويد أوستن بأن العراق شارك المعلومات الاستخباراتية مع الحكومة الأمريكية قبل الضربة.
وأكدت الوزارة على أن تعاونها مع قوات التحالف الدولي يقتصر على هدف محدد، وهو محاربة داعش وتهديده للعراق، بما يحفظ سيادة العراق.
يلوح في الأفق بعد عملية يوم الجمعة -أول عمل عسكري لإدارة بايدن يستهدف الجماعات المدعومة من إيران- التحدي الذي يواجهه البيت الأبيض في جهوده لتحقيق التوازن بين الأهداف المتنافسة بشأن إيران.
ويأمل مستشارو بايدن، الذين ساعد بعضهم في التفاوض على الاتفاق النووي لعام 2015، في استعادة الاتفاق الذي انسحب منه ترامب في 2018، وبعد الانسحاب، أذن ترامب بفرض عقوبات على إيران، التي بدأت منذ ذلك الحين في تخصيب اليورانيوم على مستويات أعلى.
ويعتبر المسؤولون دعم إيران للجماعات القوية بالوكالة، من العراق إلى لبنان إلى اليمن، عنصرًا رئيسيًا لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، وقد يحاولون دمج أنشطة إيران بالوكالة وبرنامجها الهائل للصواريخ الباليستية في الصفقة، وهي خطوة يقول محللون إن إيران من المرجح أن تقاومها، كما فعلت في الماضي.
وقال نورمان رول، الذي شغل منصب مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية لإيران حتى عام 2017، إن قرارات طهران المتعلقة بأعمال الوكالة ربما تكون متأثرة بتعليقات قادة الإدارة الحالية حول رغبة بايدن في تقليص الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط.
وأضاف رول "تصرفات الإدارة ودعم أوروبا لقرارات الولايات المتحدة ردا على اختبارات إيران الإقليمية ستحدد ما إذا كانت طهران تعتقد أنها يمكن أن تكون أكثر عدوانية على الصعيد الإقليمي في ظل حكم بايدن".
وتابع "لكن إذا صعد الإيرانيون السلم التصاعدي، فلن يكون لدينا خيار سوى فعل الشيء نفسه من أجل حماية قواتنا وشركائنا".
ولم يتضح على الفور كيف تؤثر العملية على آفاق إحياء الاتفاق النووي، وفي حديثه يوم الجمعة، قال السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، جين بساكي، إن الولايات المتحدة لا تزال "منفتحة على إجراء هذه المحادثات الدبلوماسية".
وقال مسؤولو إدارة بايدن إنهم مستعدون لحضور المحادثات التي اقترحها الاتحاد الأوروبي والمتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.
إيران انسايدر - (ترجمة هشام حسين)