تتحرك القوى المدنية والكيانات السياسية الجديدة التي يقودها ناشطون عراقيون، منذ عدة أيام لتنظيم صفوفها والاستعداد لبدء احتجاجات جديدة في بغداد ومدن عدة من البلاد، مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، بالتزامن مع الذكرى الثالثة لانطلاق "انتفاضة تشرين".
وأصدر المتظاهرون الذين شاركوا في احتجاجات ساحة النسور، وسط العاصمة بغداد، الأسبوع الماضي، بياناً، حمل عنوان "مهلتكم إلى ما بعد زيارة الأربعين"، في إشارة إلى مراسم زيارة الأربعين الدينية التي تبدأ في 17 سبتمبر/ أيلول الحالي في كربلاء، وتستنفر قوى الأمن جهوداً كبيرة لتأمينها. وتابع البيان: "طالبناكم بأبسط المطالب فلم تستجيبوا. انتفضنا عليكم فقتلتمونا. رفضنا حكمكم فلم تزدادوا إلا طغياناً وفساداً، والعراق من سيئ إلى أسوأ بسببكم، والكل يعلم أنكم تمسكون بالسلطة من كل جوانبها".
وأيدت معظم القوى السياسية الجديدة هذا البيان، من ضمنها تحالف "قوى التغيير" الذي أسسه الحزب الشيوعي العراقي، ويضم كل القوى السياسية التي تشكلت خلال العامين الماضيين، عدا حركة "امتداد" التي لم تُعارض معاودة الاحتجاجات، مكتفية بالتحذير من "استمرار تماهي السلطة مع الأحزاب".
ووفقاً لثلاثة مصادر في قوى مدنية عراقية، فإن "قوى التغيير في بغداد والناصرية في الجنوب العراقي، عقدت بعد هذا البيان ثلاثة لقاءات غير معلنة، تهدف إلى الوصول لاتفاق موحد حيال التوجه إلى حراك مدني جديد".
عودة الاحتجاجات في أكتوبر
وبحسب المصادر نفسها، فإن "اتحاد القوى المدنية بات ضرورة أكثر من أي وقت سابق، خصوصاً مع محاولات الاستيلاء على شعارات الإصلاح ومحاربة الفساد من أطراف كانت شريكة بهذا الأمر منذ سنين طويلة"، وكشفت عن توجه قوي لاستئناف التظاهرات والاحتجاجات مجدداً وبالمطالب نفسها التي رُفعت في أكتوبر 2019.
من جهته، قال رئيس حركة "امتداد"، النائب علاء الركابي، لـ"العربي الجديد"، إن "الحركات السياسية الجديدة، سواء التي فازت بالانتخابات وحصلت على مقاعد برلمانية، أو تلك التي رفضت المشاركة في الانتخابات الأخيرة (أُجريت في 10 أكتوبر الماضي)، ما هي إلا نتاج انتفاضة تشرين، وإن قولها هو قول المتظاهرين".
وكشف أن "هناك نية للكثير من المحتجين للخروج باحتجاجات في الذكرى الثالثة للتظاهرات التي اندلعت في 1 أكتوبر 2019، لا سيما أن كل الظروف مهيأة لخروجهم، لأن السلطات لم تتعاون مع العراقيين، والأحزاب لا تريد أن تصلح نفسها ولا الواقع العراقي، بالتالي فإننا سنكون جزءاً من أي تصعيد شعبي قد يحصل في الأسابيع المقبلة".
وأشار "الركابي" إلى أن "المتظاهرين في عموم المحافظات نجحوا في تنظيم أنفسهم في سبيل توحيد خطابهم ومطالبهم والاتفاق على الأهداف المشتركة في المستقبل، وبالتالي فإن أي إهمال لتأثيرهم، أو استغفالهم عبر تشكيل حكومات توافقية ضمن منهج المحاصصة، سيؤدي إلى عودة الحراك الشعبي بتنظيم عال وقوة أكبر".
وأكد أن "الاحتجاجات الأخيرة انتهت في اليوم نفسه، بعد مهلة من المحتجين إلى حين انتهاء زيارة الأربعين، التي توافق منتصف الشهر الحالي".
من جانبه، أشار سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي إلى أن "تجدد الاحتجاجات عقب زيارة الأربعين، هو أمر وارد ونتيجة طبيعية لطغمة الفساد المسيطرة على السلطة في البلاد".
واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الأحزاب المتمسكة بنهج المحاصصة، والتي تسعى إلى تشكيل حكومة توافقية بعد انسحاب متظاهري التيار الصدري من المنطقة الخضراء، تظن أن انتفاضة تشرين انتهت، كما أنها تظن أن الشباب العراقي منشغل في قضايا أخرى، لكن الاحتجاجات الأخيرة في ساحة النسور أثبتت تطور فكر الاحتجاجات والتعبير ونمو مستوى الوعي السياسي والتنظيم الجماهيري".
محاولة لتأسيس حراك جماهيري
ولفت "فهمي" إلى أن "قوى التغيير التي تضم مختلف الأطراف الشعبية والأحزاب الناشئة، تعمل على تأسيس حراك جماهيري وسياسي بهدف إبعاد رموز الفساد بأساليب سلمية، ومنها الانتخابات التي من المفترض أن تعكس نتائج مغايرة لتطلعات قوى الفساد والسلاح، فضلاً عن الاعتماد على الانفتاح واستقطاب الجماهير الكبيرة التي لا تزال تريد التغيير، لكنها لم تتعرف لحد الآن إلى مشاريع سياسية بديلة".
وأكد "فهمي" أن "الأحزاب التقليدية المتهمة بالفساد باتت أمام مأزق كبير، بسبب المحتجين السلميين الذين باتوا يستخدمون الأدوات الدستورية والقانونية للرفض، وإن تجدد الاحتجاجات مع اقتراب شهر أكتوبر، سيسرع انهيار قوى السلاح أمام الجماهير".
لكن عضو حركة "وعي" هاتف سهيل أبدى مخاوفه من احتمال "تجدد استهداف رموز الحركة الاحتجاجية حالياً، في محاولات مبكرة لوأد فكرة الاحتجاجات الشعبية عقب انتهاء زيارة الأربعين".
ولفت في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "التيار الصدري والإطار التنسيقي وما يضم من أحزاب كردية وسنية بات في مرمى المحتجين في مناطق وسط وجنوب البلاد، كما أن هناك تنسيقاً مع حركات احتجاجية في مدن أربيل والسلمانية، قد تنطلق في موعد انطلاق الاحتجاجات الكبرى نفسه في بغداد والناصرية والبصرة".
وسبق أن دعا رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في مارس/ آذار الماضي، إلى ضرورة مشاركة القوى الاحتجاجية في مؤتمر يجمع أطرافاً حكومية وأخرى حزبية ومحتجين متضررين من القمع الذي تعرضوا له، سماه "مؤتمر الحوار الوطني".
لكن معظم الناشطين العراقيين لم يشتركوا في هذا المؤتمر، وعدّوه محاولة لامتصاص غضب المتظاهرين وتوريطهم في التزامات سياسية لا تقبل بها معظم ميادين الاحتجاج التي تهدف إلى التغيير السياسي عبر سياسيين وأحزاب جديدة، وليس دعم الأحزاب القديمة بالمتظاهرين والناشطين.
واندلعت التظاهرات العراقية في 1 أكتوبر 2019، عقب دعوات انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تنفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوبي العراق ووسطه.
وشهدت التظاهرات عمليات عنف غير مسبوقة، لا سيما بعد دخول جماعات مسلحة، وُصفت بـ"الطرف الثالث" تتبع لإيران وميليشياتها على خط قتل وقمع واختطاف المحتجين والناشطين. وأدت أعمال العنف إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً، في وقت لم تُحاسَب فيه أي جهة متورطة بهذه الأعمال.
العربي الجديد