تواجه الولايات المتحدة والدول العربية وإسرائيل مفترقاً جديداً في الأيام والأسابيع المقبلة، فالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران تحتّم سياسات من هذه الأطراف، كما أن عدم العودة إليه يحتّم مقاربات جديدة.
السيناريو الأميركي الأول
تعتبر إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، أن الولايات المتحدة وإيران معاً خارج الاتفاق النووي، فالرئيس السابق دونالد ترمب سحب مشاركة الولايات المتحدة في الاتفاق منذ سنوات، ومنذ سنوات عادت إيران إلى تخصيب اليورانيوم بما يخالف الاتفاق النووي.
تعتبر دوائر الإدارة الأميركية أن العودة إلى الاتفاق ستضع البرنامج النووي الإيراني تحت السيطرة، وتضع واشنطن أهمية فائقة على سحب كميات اليورانيوم المخصّب من الأراضي الإيرانية، كما تريد أن تتابع الوكالة الدولية للطاقة الذرية مهماتها في مراقبة النشاطات الإيرانية.
التحدّي الدائم كما تصوّره إدارة بايدن، ومصادرها التي تحدثت إلى "العربية" و"الحدث"، هو التأكد من أن البرنامج النووي الإيراني لن يتحوّل إلى برنامج عسكري، وأن لا تتمكن إيران من القيام بنشاطات سرّية تجعلها تصنّع قنبلة حتى في ظل المراقبة.
التحدي الثاني أمام إدارة بايدن يقوم على تلبية شروط العودة الأميركية إلى الاتفاق من دون أن تبدو هذه العودة استفادة مالية لإيران، حيث تحوّل طهران ملايين الدولارات إلى الميليشيات التابعة لها، والميلشيات تقوم بدورها بزعزعة أمن واستقرار الدول العربية.
وتشير بعض المعلومات من الإدارة الأميركية إلى أن واشنطن ستعمل على إبطاء دفع أية أموال مستحقة لإيران، وتربطها بشروط على طهران تلبيتها، حتى تبدو أنها تلبّي حاجات الاقتصاد والشعب في إيران، ولا تتمتع بفائض يكسبه الحرس الثوري والميليشيات التابعة له.
السيناريو الأميركي الثاني
وتتحدث مصادر الإدارة الأميركية عن عدم العودة إلى الاتفاق النووي وبدون قلق، حيث يصف أكثر من مصدر أميركي الوضع الحالي، ويعتبره سيئاً ويتوقّع أن لا تتغيّر الأمور كثيراً لو قررت طهران وواشنطن عدم العودة إلى الاتفاق النووي. هذا يعني أن التخصيب سيستمرّ وعلى مستويات ما بين 30 إلى 60 في المئة، ويعني أن تراكم إيران كميات من اليورانيوم تصل إلى أطنان.
ويرى الأميركيون خطورة كبيرة في "تصعيد إيران للتخصيب" أي إلى مستوى 90 في المئة، وهو المستوى العسكري للبرنامج النووي، ومعه يصبح "الخطر داهماً" وهذا ما لا تراه واشنطن الآن، وتقول مصادرها إن على الرئيس الأميركي أن "يتّخذ قراراً بهذا الشأن عندما يحصل" وليس بالضرورة أن تلجأ الأطراف إلى خيارات جذرية لو انتهت المفاوضات بدون اتفاق.
السيناريو الإسرائيلي
هناك خلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول التعاطي مع المرحلة المقبلة، فإسرائيل أبلغت واشنطن تكراراً خلال الأسابيع الماضية أنها تعارض العودة إلى الاتفاق النووي، لكن الأهم أنها أبلغت الرئيس الأميركي وفريقه المفاوض بأنها تتمسك برفض إسرائيل أن تحتفظ إيران بـ"إمكانية" تصنيع قنبلة نووية.
ما تعنيه حكومة يائير لابيد يتطابق مع ما قالته قبلها حكومة بنيامين نتنياهو في العام 2015 عندما أصرّت على رفض الاتفاق النووي، وطلبت نزع كل "الإمكانيات" الإيرانية، وبالتالي لا تعود في أي يوم إلى التخصيب أو التهديد ببناء سلاح نووي.
ولم تتمكّن الولايات المتحدة من إقناع حكومة لابيد بموقفها، كما أن الحكومة الإسرائيلية لم تتمكن من إقناع الرئيس الأميركي الحالي بوجهة نظرها، وتعمل حكومتا الدولتين الآن على وضع تصوّر للمرحلة المقبلة، لكن الهوّة بين الطرفين ضخمة.
مواجهة إيران
وزير الدفاع الاسرائيلي، بيني غانتس، تحدّث إلى نظيره الأميركي لويد أوستن خلال الأيام الماضية، ومن المنتظر أن يزور مستشار الأمن القومي الإسرائيلي واشنطن هذا الاسبوع، وتريد الحكومة الإسرائيلية إقناع واشنطن بأنه من الضروري أن تكون الأطراف المعنية "نشطة" في مواجهة البرنامج النووي الإيراني والنشاطات الإيرانية، خصوصاً برنامج الصواريخ والتمدّد الإيراني في العراق وسوريا ولبنان.
ويرى الإسرائيليون في هذا الوقت أن الفارق بين العاصمتين يقوم على أن إسرائيل ترى الخطر النووي الإيراني "خطراً وجودياً"، فيما ترى الولايات المتحدة أن الخطر الإيراني "خطر جدّي وليس داهماً"، ويجب التعامل معه بواقعية، وأن الوقت لم يحن بعد للجوء إلى إجراءات عسكرية.
مشاكل أخرى
تعتبر الأطراف، أي الإدارة الأميركية والدول العربية التي شاركت في قمة جدة وأيضاً إسرائيل، أن جزءاً مهماً من المشاكل قد تمّ التعامل معها خلال زيارة الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، فالرئيس بايدن وقّع على تعهدات تجاه دول المنطقة، كما التزمت الولايات المتحدة ولعقود بمنطقة الشرق الأوسط كشريك أمني واقتصادي.
تبدأ الاختلافات بين هذه الأطراف مرة أخرى بسبب إيران، التي مدّت نفوذها إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن خلال عقدين، وفيما يشهد الملف اليمني بعض الهدوء ويعيش هدنة نسبية، فإن الاوضاع في العراق وسوريا ولبنان تشكّل تحديات متسارعة.
الخلاف الحقيقي بين الأطراف يدور حول غياب أية نية لدى واشنطن للتعاطي مع "الطريق السريع"، أي تمويل إيران للميليشيات في العراق وسوريا ولبنان وشحنها اطناناً من الاسلحة والصواريخ لهذه الميليشيات.
فشل الوضع الحالي
وصلت الحكومة الإسرائيلية منذ أشهر إلى قناعة أن عملياتها الجوية ضد شحنات الأسلحة الإيرانية إلى سوريا غير مجدية، أو أنها غير مجدية بما فيه الكفاية، وتريد تل أبيب من واشنطن استعمال قدراتها الموجودة في العراق وسوريا، وأن تكون اكثر نشاطاً في مواجهة هذه الشحنات.
مصادر الحكومة الأميركية ما زالت تصرّ لدى التحدّث إلى "العربية" و"الحدث" على أن الولايات المتحدة لديها تعاون لصيق مع إسرئيل لمواجهة المخاطر، "لكن علينا ألا نتوقّع تغييراً جذرياً في تعاطي الولايات المتحدة مع هذه القضية" حتى إن أحد المصادر قال إنه "لو حصل تغيير في الواقع السياسي في العراق، فلن يكون هذا التغيير الأول من نوعه ويجب التعاطي معه في حينه"، وأشار بأسلوب غير مباشر إلى أنه من الممكن التعايش مع هذا التغيير.
ومن المثير جداً للانتباه أن التقديرات الإسرائيلية وربما للمرة الأولى منذ سنوات طويلة بدأت تشير إلى أن خروج العراق من المدار الإيراني أمر ضروري، وأن جزءاً كبيراً من المشاكل يمكن التعاطي معه لو حصل ذلك.
المصدر: العربية