أعلنت إسرائيل الأسبوع الماضي أنها لا تمانع الاتفاق الأمريكي الإيراني الخاص بتصدير النفط الإيراني إلى نظام الأسد، ولا شك أن إسرائيل وبمجرد موافقتها أضحت شريكة ولو بشكل غير مباشر في الاتفاق خاصة مع التحفظات التي طرحتها لجهة التأكد من مسار الشحنات، وضمان ألا ترسل إيران أسلحة ومعدات عسكرية على متن ناقلات النفط المتجهة إلى سوريا الطائفية المتجانسة التي يحكمها الأسد برعاية الغزاة الإيرانيين والروس وحتى الأمريكان والإسرائيليين.
بدا الاتفاق لافتاً جداً وغير مفاجىء بالطبع قياساً للعلاقات الثلاثية أو الرباعية، للدقة باعتبار نظام الأسد طرفاً ولو هامشياً وغير جوهري وأساسي فيه كونه متلقّياً فقط كما العادة، غير أن اللافت والمستهجَن أيضاً أن الاتفاق مرّ مرور الكرام دون جدال أو نقاش واسع وجدّي حوله، والواضح أن الآلة الإعلامية الأمريكية والغربية بشكل عام حرصت على إبقائه بعيداً عن دائرة الاهتمام والأضواء. ولم يكن مفاجئاً، بالطبع أن تفعل الآلة الإعلامية الإيرانية وحشدها الشعبي الناطق بالعربية الأمر نفسه أي التجاهل والصمت، بعدما ضبطت متلبسة بتفاهم إيراني أمريكي إسرائيلي يصب أساساً في خدمة نظام الأسد وبقائه في السلطة رغماً عن الشعب السوري الثائر والمنتفض. علماً أنه -أي الاتفاق- لا ينفصل بالعموم عن التفاهم الذي أبرمته سلطة الحشد الشعبي التابعة لحزب الله في لبنان مع إسرائيل أيضاً بوساطة من المبعوث الأمريكي المواطن الإسرائيلي والضابط السابق في جيش الاحتلال عاموس هوشستين.
بتفصيل أكثر، وضمن التفاهمات التمهيدية للمفاوضات الأمريكية الإيرانية شبه المباشرة الهادفة إلى العودة للاتفاق النووي توافقت واشنطن مع طهران على استمرار تصدير النفط الإيراني إلى نظام بشار الأسد رغم العقوبات المفروضة على إيران نفسها وقطاعها النفطي وتحديداً كما التعاملات مع نظام الأسد نفسه وفق قانون قيصر الذي يفرض عقوبات صارمة على التعاطي مع نظام الأسد أو حتى مساعدته للإفلات من العقوبات التي تفرضها أمريكا والمجتمع الدولي عليه.
ولكن قبل الحديث أو قراءة الاتفاق السياسي الأمني والنفطي الجديد من أجل العودة إلى مفاوضات أمريكية إيرانية مباشرة في الجوهر ولو عبر القناع الأوروبي، لا بد من التذكير بما جرى في التفاهمات التمهيدية بين طهران وواشنطن في العام 2013 بالتزامن مع اندلاع الثورة السورية، والتي سهلت وضع أسس الاتفاق النووي سيّئ الصيت الذي تم توقيعه رسمياً في العام 2015 في فيينا بمشاركة قوى خمسة زائد واحد، ولكن بعد التوصل إلى إطاره ومضمونه العام بحوارات أمريكية إيرانية مباشرة جرت في سلطنة عمان.
وللتذكير كانت واشنطن باراك أوباما قد تراجعت عن وعودها ولحست تهديداتها بعقاب بشار الأسد إثر تجاوزه الخط الأحمر واستخدامه السلاح الكيماوي ضد شعبه. وفي هذا الصدد لا بد من استحضار الجدال الشهير بين أوباما ووزير دفاعه تشاك هيغل عند استقالته –2014 الذي استهجن رسالة أوباما السرية إلى علي خامنئي تمهيداً للعودة للمفاوضات بمسقط والتي مهدت للاتفاق السيّئ الصيت، بينما رد أوباما على وزيره الغاضب في تبرير وعرض حيثيات الرسالة والمفاوضات "حرفياً نُبقي رجلهم في دمشق من أجل التوصل إلى اتفاق نووي مفيد ومهم لنا".
والآن يبدو أن الرئيس جو بايدن "الذي خدم وفريقه في إدارة أوباما" يتبنى عموماً نفس القناعات ويكرر ذات الأمر مع تحديث ما. لجهة إبقاء رجل إيران المأزوم والساقط أصلاً للعودة إلى الاتفاق النووي، ما يكفل أيضاً عودة النفط الإيراني إلى السوق وتخفيض الأسعار المرتفعة على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا وحزمة العقوبات الأمريكية والدولية الواسعة ضد موسكو. علماً أن إرسال نفط إيراني ينقذ الأسد أو للدقة يخفّف جزئياً من أزماته البنيوية المتعددة ويوفّر من جهة أخرى دخلاً ما لإيران لمساعدة النظام وتشجيعه على العودة للاتفاق النووي بشكل عام.
إلى ذلك يبدو موقف إسرائيل من الاتفاق لافتاً أيضاً وهي من أخرجته إلى العلن بعدما ظل سرياً وغير معروف، حيث قالت صراحةً إنها لا تمانع تصدير شحنات النفط الإيراني إلى بشار الأسد وكانت تغاضت أصلاً عن ذلك في الماضي وتحفظت فقط عن بيعه في سوريا ولبنان والمنطقة لصالح حزب الله والميليشيات الطائفية التابعة لطهران.
ولهذا السبب كانت فجرت وأعطبت عدة ناقلات نفط إيرانية حتى دون أن تحمل أسلحة داخلها، متسببة بخسائر لإيران تُقدر بمليارات الدولارات كون الناقلات لم تكن مرسلة للنظام وإنما لبيعها لصالح الحرس وأذرعه الطائفية تحديداً ذراعه الإقليمية حزب الله.
وحسب الاتفاق الجديد الذي نحن بصدده الآن، فسيجري اتباع المسار نفسه الذي كان يُستخدم في التهريب ولكن مع قوننته أو شرعنته بينما تتحفظ إسرائيل فقط على احتمال تهريب أسلحة على متن ناقلات النفط وكانت قد قامت قبل ذلك أيضاً بتفجير سفن إيرانية في ميناءي بيروت واللاذقية ليس لمنع تصدير النفط إلى نظام الأسد بحد ذاته، وإنما لمنع تهريبه وبيعه لصالح الحرس وأذرعه. مع الانتباه الى وصول أربع سفن محمّلة بالنفط الإيراني إلى بانياس خلال شهر حزيران يونيو الماضي لخدمة نظام الأسد وسوريا الطائفية المتجانسة والمفيدة لإيران والغزاة بما فيهم إسرائيل، خاصة مع عودة الأسد للعمل كحرس حدود لإسرائيل وأمنها وفق قاعدة رامي مخلوف الشهيرة: أمن النظام من أمن إسرائيل.
وبالعموم لا شك أننا أمام تأكيد إضافي على أن النظام كان ولا يزال نقطة توافق بين أمريكا وإيران وإسرائيل رغم سقوطه وفقدانه الشرعية أمام الشعب السوري.
كما إن روسيا شريكة أيضاً في هذا الاتفاق، كونها القوة الكبرى القائمة بالاحتلال في مناطق النظام، بينما أمريكا القوة الكبرى القائمة بالاحتلال في سوريا المفيدة فعلاً شرق الفرات الغنية بالنفط والغاز والقمح والثروات الطبيعية، وهي أي روسيا سعت دوماً إلى بقاء نظام الأسد بالتفاهم مع أمريكا وإسرائيل. أما إيران فهامشية والتوافق على بقاء رجلها الأسد لا يعني قبول تموضعها الإستراتيجي بسوريا، ووجودها هناك وحتى في العراق وعموم المنطقة يخدم الإستراتيجيات الأمريكية والروسية الإسرائيلية التي تساوقت معها الذهنية الاستعمارية الموتورة لإمبراطورية الدم والوهم الفارسية الخاضعة عملياً للغزاة حتى في الحواضر العربية التي تتوهم طهران احتلالها.
في الأخير لا بد من الإشارة إلى التفاهم الأخير بين حزب الله وإسرائيل الذي يستحق بالطبع قراءة منفصلة ولكن مبدئياً يمكن إدراجه ضمن نفس الأسس والقواعد والمفاهيم السابقة. كوننا نتحدث عن تفاهم إسرائيلي لبناني غير ممانَع من قبل أمريكا التي توسطت أصلاً من أجله، وبالطبع عن قبول إيراني عبر سلطة ذراعها الإقليمية في لبنان حتى لو كان ذلك تحت الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية.
أورينت نت