بدأت القوى المدعومة من إيران بالعراق بتصعيد لهجتها تجاه نتائج الانتخابات، فبعد بيان "مجلس الإطار التنسيقي"، الذي طعن بالنتائج ورفض قبولها، تعهدت مليشيات "حزب الله" العراقي و"بدر" بإعادة الأمور إلى نصابها "بكل قوة ومهما كان الثمن".
وعلى وقع هذه التطورات، توقع سياسيون، في حديث لـ"عربي21"، أن يقبل العراق على سيناريوهات عدة، لكنها لن تصل إلى الصدام المسلح، مؤكدين في الوقت ذاته وجود محاولات إيرانية لتغيير النتائج، بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها الأطراف القريبة منها في الانتخابات الحالية.
"تطورات خطيرة"
ولعل آخر ما صدر عن القوى القريبة من إيران هو بيان ما تعرف بتنسيقية "المقاومة العراقية" التي تضم فصائل عسكرية ممولة من إيران، الثلاثاء، الذي أكدت فيه على أنها "على أتم جهوزيتها للدفاع عن الدولة والعملية السياسية من أجل حفظ كرامة الشعب وسيادة العراق".
وأضافت "على ضوء ما حصل من تطورات خطيرة، تمثلت بالتلاعب في نتائج الانتخابات، وظهور الأدلة المتظافرة بـ(فبركتها)، يوضح بجلاء فشل وعدم أهلية عمل مفوضية الانتخابات الحالية، وبطلان ما تم إصداره من نتائج".
وأشارت "التنسيقية" إلى أن "المقاومة، التي نذرت نفسها للعراق وسيادته، لا يمكن أن تتهاون مع المشاريع الخبيثة التي تسعى إلى دمج أو إلغاء الحشد الشعبي، والتي لا تصب إلا في خدمة الاحتلال الأمريكي"، حسب تعبيرها.
وشددت على أن "مواجهة تلك المشاريع، بما تحمله من مصادرة للحريات الشخصية، وقمع لحرية التعبير عن الرأي، وإبدالها بالقضاء ما يسمى "المحاكم الشرعية" سّيئة الصيت، يستوجب وقوف الأحرار من أبناء شعبنا الأبي للحيلولة دون تحقيق تلك المآرب الخبيثة".
وقبل ذلك، قال زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري في تصريحات، الثلاثاء، "لا نقبل بهذه النتائج المفبركة مهما كان الثمن"، مضيفا "سندافع عن أصوات مرشحينا وناخبينا بكل قوة".
وفي السياق ذاته، أصدر المسؤول الأمني لكتائب حزب الله في العراق، المعروف إعلاميا بـ"أبو علي العسكري"، بيانا شديد اللهجة، دعا فيه من أسماهم "فصائل المقاومة" إلى الاستعداد لمرحلة حساسة، واصفا الانتخابات بأنها "أكبر عملية احتيال والتفاف".
وتابع العسكري في تغريدته، الاثنين، بأنه "ومن منطلق العهد الذي قطعناه لأبناء شعبنا وأمتنا، نقول بأننا سنقف بكل حزم وإصرار لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، ولن نسمح لأي كان أن يستفيد أو يحاول إذلال أبناء العراق".
تدخلات إيرانية
وفي المقابل، قال محمود الزجراوي، النائب السابق عن كتلة "سائرون" التابعة للتيار الصدري الفائز الأول بالانتخابات الحالية بـ73 مقعدا، إن "الانتخابات كانت نزيهة، وتختلف عن جميع الانتخابات السابقة، فهي الأقرب إلى الواقع الحقيقي وإرادة الناخب".
وأضاف الزجراوي، في حديث لـ"عربي21"، أنه "اليوم وضحت إرادة الناخب العراقي وقيمتها الحقيقية على أرض الواقع، وهذا الموضوع كشف الكثير من الأمور، لا سيما لدى القوى الشيعية، وحجم التزوير، وما كان يفعله قانون سانت ليغو المعتمد في السابق، وانتخابات الخارج الملغاة".
ولفت إلى أن "نزاهة الانتخابات، التي جرت تحت رقابة دولية وعربية، أثارت حفيظة المزورين والمشككين الذين كان بقاؤهم على الساحة سببه التزوير، لذلك هناك أحزاب سوف تنقرض بعد هذه الانتخابات".
وأكد الزجراوي، أن "جهات خارجية تتدخل جهارا نهارا في العملية السياسية بالعراق، خصوصا في قضية الانتخابات، وتحاول كل دورة انتخابية وضع حجر الأساس لمآربهم وأطماعهم في العراق، لكن هذه الانتخابات وضعت حدا لها".
وأوضح النائب السابق أنه "جاءت من الخارج العديد من الشخصيات، لا سيما من الجانب الإيراني، للتدخل في الشأن العراقي، ونحن نرفض أي جهة تتدخل في شأننا، كما أنهم يرفضون أن يتدخل العراق في شؤونهم الخاصة".
وحول تصعيد اللهجة، علق الزجراوي قائلا: "لا تهمنا التهديدات، ولا قيمة لها بالنسبة لنا، ونحن ماضون في التغيير والتمثيل الحقيقي لإرادة الناخب العراقي"، مشيرا إلى أن "قوى فائزة ومستقلين قريبة من مشروع الوطني للتيار الصدري، وأبدوا استعدادهم للدخول في تحالف معنا في القريب العاجل".
وتابع: "الخط الصدري لا يعرف شيء اسمه لغة السلاح، فهو خط وطني وجماهيري، نعم شهر السلاح في وجه المحتل، وقاتل تنظيم الدولة بإشراف الحكومة، لكن زعيم التيار الصدري يريد حصر السلاح بيد الدولة".
وأردف الزجراوي قائلا "نسمع تهديدات من بعض القوى، وأنهم يريدون الخروج بالسلاح، لكنهم بالتالي سيرضخون إلى الواقع الحقيقي للانتخابات، ونحن جاهزون لكل الخيارات الدبلوماسية، ولن نلجأ إلى الصدام المسلح".
ورأى النائب الصدري السابق، أن "من يشهر السلاح في العملية الانتخابية سيسقط أمام الشارع العراقي، ونقبل باللجوء إلى القانون، وتقديم الطعون إلى المفوضية العليا، والقبول بأي نتائج تخرج عنها".
خيارات محتملة
وتعليقا على السيناريوهات المحتملة في حال لم يتغير شيء بالنسبة للقوى المقربة من إيران، قال المحلل السياسي العراقي، وائل الركابي، لـ"عربي21"، إن "هذه القوى تحدثت عن تقصير واضح للعمل الفني بالنسبة للمفوضية، والذي تسبب بحصول تلاعب لا تزوير".
وأضاف الركابي، أن "القوى هذه رأت أنها قد ظلمت أمام هذه الأخطاء الفادحة، لكنها ستلجأ من خلال الطرق القانونية إلى تقديم الطعون على هذه النتائج، لما تمتلكه من أدلة، وذلك قد يجبر المفوضية على النظر في إعادة الفرز اليدوي لبعض المراكز".
وبخصوص تهديدات "العسكري"، رأى الركابي أنه "ربما قرأ النتائج من زاوية أنه قد تكون ثمة أيادٍ خارجية تستطيع التلاعب بالأرقام والتصويتات، لأن عملية مرور الوسط الناقل يمر عبر أراضي ليست عراقية، بهدف إبعاد الحشد الشعبي والأطراف المؤيدة لهم المشاركة في الانتخابات".
ورجح الركابي أن تكون "دعوته للاستعداد عملية استباقية؛ حتى لا يمر عليهم الوقت دون فعل شيء، وربما تأتي أيضا من باب الضغط؛ حتى تعاد بعض الأمور والنقاط التي تصب في مصلحة الوطن، لأن الكل يريد نتائج نزيهة وبعيدة عن التلاعب".
واستبعد المحلل السياسي الصدام المسلح والنزول إلى الشارع، لافتا إلى أن "هذه الكتل رغم شعورها بالغبن والخسارة، لكنها ستلجأ إلى الطرق السياسية والتحالف مع كتل أخرى قد تغير المعادلة، وتشكل كتلة أكبر أمام هذه النتائج التي صدمت البعض وشكّكت آخرين".
وأشار إلى أن "المفوضية تحدثت عن أكثر من 3177 محطة لم تفرز أصواتها بعد، وبالتالي لو أن كل محطة تحوي 300 صوتا، فهذا يعني أنها بالمجمل تصل إلى نحو مليون صوت، وهذا رقم لا يستهان به، وربما المقاعد الناتجة عنها تغير الكثير من المعادلات خلال اليومين المقبلين".
من جهته، قال المرشح الخاسر والنائب السابق عن تحالف "الفتح"، حسن سالم، خلال مقابلة تلفزيونية، الثلاثاء، إنهم "سيقاطعون العملية السياسية في حال عدم إقرار المفوضية بوجود التزوير. لن نفرط بأصوات ناخبينا، ولن نقبل بهذه النتائج الظالمة".
وخلص سالم إلى أن "تحالف الفتح هو الأب الراعي للحشد الشعبي والعراق، ولذلك لن نتهاون في اتخاذ أي إجراءات تخص تزوير نتائج الانتخابات"، مشيرا إلى أنهم سيتوجهون إلى "التحالفات وتشكيل الكتلة الأكبر بعد إعادة الأصوات المسروقة".
وأفرزت الانتخابات التي جرت، الأحد، بنسبة مشاركة بلغت 41 بالمئة من 25 مليون يحق لهم الانتخاب، حصول تحالف "الفتح"، الذي يعدّ الجناح السياسي لفصائل الحشد الشعبي، على 14 مقعدا فقط، بعدما كان في الدورة السابقة للبرلمان لعام 2018 يمتلك 43 مقعدا.
إيران إنسايدر