يعتزم العراق عقد مؤتمر لدول الجوار ودول عربية وأجنبية أخرى، نهاية أغسطس/ آب الجاري.
لكن ثمة شكوك في قدرة البلد، الذي يعاني من تدخلات خارجية وأزمات داخلية، على جمع الأضداد والخصوم، وأحيانا الأعداء، إلى طاولة حوار لمناقشة الخلافات أو تسويتها.
باستثناء سوريا، وجهت الحكومة العراقية دعوات لدول جوار العراق، إيران والسعودية والأردن والكويت وتركيا، ودول أخرى، مثل مصر وقطر والإمارات، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا.
وسلم متزعم ميليشيات "الحشد الشعبي" العراقية، فالح الفياض، لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، رسالة من الكاظمي يوضح فيها أن عدم دعوة دمشق إلى المؤتمر لا تعبر عن تجاهل من العراق، وإنما هو تعبير عن الحرص على إنجاح المؤتمر.
وما يزال مستوى تمثيل الوفود يسوده بعض الغموض، باستثناء الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي نقلت وسائل إعلام عنه اعتزامه الحضور شخصيا.
ويرى مراقبون أن نجاح المؤتمر يرتبط بمستوى تمثيل الدول التي ستشارك فيه.
وتتجه الأنظار نحو مشاركة وفدي إيران والسعودية ومستوى تمثيليهما، في ظل تقارير إعلامية ذهب بعضها إلى احتمال حضور ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، فيما تحدثت أخرى عن أن السعودية، في حال مشاركتها، ستحدد مستوى تمثيلها في ضوء مستوى تمثيل الوفود الأخرى، وتحديدا إيران.
ورحب الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بالدعوة العراقية، وقال إن طهران تعتبر المؤتمر "خطوة مباركة، وتتطلع لحوار بين دول المنطقة لمعالجة القضايا الخلافية وتحسين العلاقات بينها، لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين"، بحسب بيان للخارجية العراقية.
ولم تحقق جولات الحوار غير المعلنة بين السعودية وإيران، بوساطة الحكومة العراقية، أي تقدم في مسار تطبيع علاقات البلدين، باستثناء تخفيف حدة الخطاب العدائي بينهما.
وتشوب العلاقات البينية لمعظم الدول المدعوة إلى المؤتمر أشكالا متعددة من الخلافات والخصومة والصراع.
كانت فكرة عقد المؤتمر تقتصر على دعوة دول جوار العراق، لمناقشة قضايا تتعلق بالتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية العراقية، وقضايا الأمن والاستقرار والاستثمار والتحديات الإقليمية المشتركة والعلاقات بين دول الجوار.
لكنه تحول إلى مؤتمر دولي، بعد دعوة دول عربية وأجنبية من غير دول جوار العراق، بالإضافة إلى مؤسسات دولية، مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
وقد تكون هذه هي المرة الأولى التي تستضيف فيها بغداد مؤتمرا لقادة دول عربية وأجنبية، منذ غزو العراق (عام 2003 عبر تحالف عسكري دولي بقيادة واشنطن)، في محاولة من حكومة الكاظمي لاستعادة الدور العربي والإقليمي لبغداد.
ويُعتقد أن أهداف المؤتمر تتعدى حدود مناقشة قضايا اقتصادية وأمنية إلى محاولة تخفيف التوترات بين الدول المشاركة، إيران من جهة وكل من الولايات المتحدة والسعودية من جهة أخرى، من دون الحاجة إلى وساطة دبلوماسية من العراق.
وتسعى حكومة الكاظمي إلى تقليل مستوى التوترات بين دول الجوار والمنطقة والتوسط لحل الخلافات وعقد تفاهمات إقليمية تقلل من مساحة التدخلات الخارجية في العراق.
وسبق للعراق أن استضاف قمة ثلاثية جمعته مع مصر والأردن، في يونيو/ حزيران الماضي، وناقشت مواضيع اقتصادية تتعلق بالربط الكهربائي والسككي والتعاون التجاري والزراعي، بالإضافة إلى التعاون الثقافي والتعليمي، وجوانب أخرى.
ويعتقد محللون، أن الأمر يتعدى قدرات الدول الثلاث على مواجهة تحديات تنفيذ الاتفاقيات الثلاثية، حيث تسيطر الجماعات الشيعية المسلحة، الحليفة لإيران، على الملف الأمني في مناطق يُفترض أن تكون ممرا للتبادل التجاري وإقامة المشاريع المشتركة.
بالإضافة إلى محاولة تلك الجماعات، الممثلة في مجلس النواب، عرقلة أي توجه للعراق نحو محيطه العربي، لاعتقادها أنه يمكن أن يلحق ضررا بمصالح إيران في العراق، خاصة بالنسبة للربط الكهربائي، سواء مع دول الخليج العربية أو مع مصر عبر الأردن، إذ يعتمد العراق على شراء الغاز الإيراني، لتغذية محطات توليد الطاقة، كما يشتري كميات من الكهرباء عبر الشبكات الناقلة من إيران.
ووفقا لتصريحات مسؤولين وأعضاء في مجلس النواب، يسعى العراق، من خلال مؤتمر يجمع أطرافا إقليمية ودولية، إلى مزيد من التواصل مع دول الجوار والمنطقة والعالم، لمناقشة قضايا تتعلق بالأمن ومكافحة الإرهاب والفساد والبنية التحتية وغيرها من الملفات ذات الصلة بالعراق وتلك الدول.
كما يسعى إلى حل الخلافات بين دول الجوار، لتفادي تداعياتها على الأوضاع الداخلية، خاصة بين إيران والقوى العراقية الحليفة لها من جهة والولايات المتحدة والسعودية من جهة أخرى.
كان يُفترض أن يقتصر المؤتمر على دول جوار العراق، لكن حكومة الكاظمي رأت، وفق مسؤولين، أن تشارك فيه دول عربية وأخرى أجنبية، بما يمثل انفتاحا على محيط إقليمي ودولي أوسع.
لكن ربما كان من الأفضل أن يحصر العراق المشاركة بدول الجوار، التي تؤثر بالمشهد العراقي وتتأثر به، وأن يكون هذا المؤتمر، في حال خرج بنتائج جيدة، منطلقا لمؤتمر دولي أوسع، يضم دول الجوار ودول عربية وأجنبية.
وما يزال العراق ساحة لصراعات الدول الأخرى، مثل الولايات المتحدة وإيران أو إيران والسعودية، التي هوجمت أكثر من مرة انطلاقا من الأراضي العراقية.
كما أن دولا مجاورة، مثل سوريا، تعيش حالة حرب أهلية منذ عشر سنوات، إلى جانب انخراط السعودية، الجارة الأخرى للعراق، في الحرب باليمن (منذ 2015)، فيما تلعب إيران دورا فاعلا ومؤثرا في البلدين.
يمكن لمزيد من انفتاح العراق على محيطه العربي، وبوجود رغبة من دول عربية مثل مصر والأردن والإمارات والسعودية، أن يشجع الكاظمي على اتخاذ إجراءات لاستعادة سلطة الدولة والحد من نفوذ القوى الحليفة لإيران، والتي يرى متابعون أنها تقف في وجه توجهات الكاظمي بالانفتاح على محيطه العربي.
ومع الفارق الزمني القصير بين انعقاد المؤتمر نهاية أغسطس الجاري وموعد الانتخابات البرلمانية المبكرة، في 10 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، فإن الكاظمي قد يسعى إلى ترسيخ أسس علاقات العراق مع دول جواره ودول المنطقة قبل مغادرته منصبه.
ولا يمتلك الكاظمي كتلة أو حزبا سياسيا، ولم يرشح نفسه للانتخابات القادمة، لكن ثمة احتمالات لاستمراره في رئاسة السلطة التنفيذية، مع توقعات بفشل الكتل الفائزة في التوافق على مرشح لرئاسة حكومة ما بعد الانتخابات، في ظل غياب "التيار الصدري"، المتمسك بمقاطعة الانتخابات.
من غير المتوقع أن يخرج المؤتمر بتوافقات وتفاهمات بين الدول المشاركة، التي تسود علاقاتها البينية توترات وخلافات جوهرية على ملفات وقضايا حساسة.
لكنه يمكن أن يشكل خطوة على طريق حوار مستقبلي واجتماعات ثنائية بين دولة أو أكثر من دول جوار العراق، وخلق رؤية مشتركة لحل الصراعات في سوريا وليبيا واليمن، خاصة وأن دولا عدة من المشاركة في المؤتمر تعد أطرافا فاعلة في هذه الصراعات.
وفي ظل واقع ضعف الدولة العراقية، وسطوة السلاح المنفلت خارج سلطة الدولة وتحكمه بالملف الأمني، فإن الدول المشاركة، والتي ستناقش ملف الاستثمار في العراق وبناء شراكات اقتصادية واستثمارية، ستظل مترددة في الدخول بشراكات مع حكومة بغداد.
المصدر: الأناضول