تبادل الأمريكيون والإيرانيون الرسائل الحربية في أقصى الشرق السوري، الذي يبدو أنه سيكون ميدان صراع محتمل بين الطرفين، اللذين يبتعدان حتى اللحظة عن المواجهة النارية المباشرة، خصوصا من الجانب الإيراني الذي يحرك وكلاء له في سوريا والعراق لاستهداف قوات أمريكية في كلا البلدين.
وقصفت ميليشيا "أبو الفضل العباس" التابعة لـ"الحشد الشعبي" العراقي والمتمركزة في محيط مدينة الميادين السورية في ريف دير الزور الشرقي، مساء الاثنين، بثمانية صواريخ قاعدة حقل العمر النفطي التي تتمركز داخلها قوات التحالف الدولي، وفق مصادر محلية وشبكات إعلامية محلية.
وبحسب هذه الشبكات، ردّ التحالف الدولي بقصف بالمدفعية الثقيلة على مصادر النيران على الفور، تلته بنصف ساعة غارات جوية مكثفة شنتها طائرات التحالف على مقرات ومواقع هذه المليشيا.
وأكد المتحدث باسم قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، واين ماروتو، الاثنين، تعرض قاعدة أمريكية في سوريا لقصف صاروخي، من دون وقوع إصابات، مشيرا في تغريدة عبر حسابه الرسمي على "تويتر"، إلى أن القوات الأمريكية كانت في حالة "دفاع عن النفس" و"ردّت بقصف مدفعي للمواقع التي أطلقت منها الصواريخ".
وجاءت الرسالة الإيرانية بعد يوم واحد من قصف أمريكي استهدف مقرا لميليشيا "كتائب سيد الشهداء"، أحد أبرز الفصائل العراقية المدعومة من طهران، داخل منطقة الهري السورية الحدودية التي تبعد قرابة 6 كيلومترات من معبر القائم الحدودي شرق مدينة البوكمال، شرق سوريا. وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، ليلة الأحد-الاثنين، أنها شنّت غارات جوية استهدفت منشآت تستخدمها مليشيات مدعومة من إيران على الحدود السورية العراقية، مشيرة إلى أن هذه الضربات أذن بها الرئيس جو بايدن في أعقاب الهجمات المستمرّة على المصالح الأمريكية، فيما أقرّت مليشيا "كتائب سيد الشهداء"، في بيان لها، بمقتل 4 من عناصرها بالهجوم الأمريكي.
وتشير المعطيات الواردة من ريف دير الزور الشرقي إلى أن المليشيات الإيرانية تتحسب من استمرار الضربات الجوية من قبل التحالف الدولي، وهو ما دفعها إلى إعادة انتشار لعناصرها في المنطقة الممتدة من مدينة الميادين غربا إلى مدينة البوكمال شرقا، والتي تعد منطقة نفوذ إيراني بلا منازع منذ أواخر عام 2017 حين خرج تنظيم "داعش" من هذه المنطقة. وتخلو المنطقة من أي وجود مهم لقوات النظام السوري الذي تخلى حتى عن السيطرة الرمزية عن جلّ ريف دير الزور الشرقي الذي يشكّل أهمية لدى الإيرانيين الذي يسيطرون فعليا على شرقي سوريا وغربي العراق من خلال مليشيات تتبع لهم.
ورأى مدير مركز "الشرق نيوز" فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن شرق سوريا "لن يكون ساحة مواجهة مفتوحة بين الإيرانيين والأمريكيين"، مضيفا، "أعتقد أنه سيتحوّل إلى صندوق بريد للرسائل المتبادلة بين الطرفين". وتابع بالقول "الإيرانيون والأمريكيون اختاروا شرق سوريا للرد المتبادل، فطهران تناور في منطقة بعيدة عن حدودها البرية، والأمريكيون لا يريدون العودة مرة أخرى إلى العراق بالشكل الذي حافظوا عليه طيلة السنوات الماضية، لذا سوريا ساحة مفضلة للطرفين لتبادل الرسائل السياسية بشكل عسكري".
وأوضح علاوي، وهو من أبناء ريف دير الزور الشرقي، أن "نقاط الاشتباك بين الطرفين قريبة جدا في شرقي سوريا، ولا يفصل بينهما سوى نهر الفرات على مسافة لا تتعدى 1500 متر وهي أقرب نقطة بين الإيرانيين والأمريكيين في منطقة الشرق الأوسط". وأعرب عن اعتقاده أن المواجهة "لن تتطور على الأقل في المدى المنظور بين الطرفين في شرق سوريا"، مضيفا أن ما يجري تسخين للملفات على طاولة المفاوضات في فيينا حول البرنامج النووي الإيراني بين طهران والغرب.
ويتشاطر الأمريكيون والإيرانيون السيطرة على ريف دير الزور الشرقي، إذ تسيطر المليشيات الإيرانية على المنطقة الواقعة جنوب نهر الفرات والمعروفة محليا بـ"الشامية"، بينما يسيطر الأمريكيون عن طريق "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) على شمال النهر أو ما يُعرف محليا بـ"الجزيرة". ويحتفظ الأمريكيون ودول التحالف الدولي بوجود عسكري كبير في شرقي سوريا، وأقام هذا التحالف قاعدة كبرى في حقل العمر النفطي الذي يعد الأكبر بين الحقول السورية. كما تنتشر قواعد ونقاط تمركز أمريكية في ريف الحسكة الجنوبي خصوصا في بلدة الشدادي الغنية بالغاز، وفي ريف الحسكة الشرقي حيث حقول رميلان الشهيرة للنفط والغاز.
ولفت رئيس تحرير موقع "إيران انسايدر" أيمن محمد، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "أبرز المليشيات التابعة لإيران في محافظة دير الزور، هي: فاطميون الأفغانية، وكتائب سيد الشهداء، وكتائب حزب الله، وحزب الله اللبناني، إضافة للحرس الثوري الإيراني الذي يشرف على انتشار ودعم المليشيات عبر مستشارين وقادة عسكريين، قتل اثنان منهم قبل أيام على طريق حمص ـ تدمر". وأشار إلى أن هذه المليشيات "تنتشر في مدن دير الزور والميادين والبوكمال"، مضيفا "لإيران في شرق سوريا قاعدة "الإمام علي" العسكرية الاستراتيجية التي تخزن فيها صواريخ متوسطة وبعيدة المدى، وتعرضت لقصف جوي إسرائيلي أكثر من مرة منذ بدء تشييد القاعدة بريف البوكمال. وبيّن محمد أن لمحافظة دير الزور أهمية لدى الإيرانيين، مشيرا إلى أنهم "يخططون لوجود طويل الأمد"، مضيفا "تحاول إيران خلق بدائل محلية، ولهذا عملت على تأسيس مليشيات من العشائر الموالية لها في المنطقة آخرها كان "الهاشميون". وتابع بالقول "ومن المهم التذكير أنه بتاريخ 13 مارس/آذار الماضي، نشرت المليشيات الإيرانية مجموعة من الصواريخ، في مدينة الميادين وريفها، ووجهتها نحو قاعدة التحالف الدولي في حقل العمر".
وفي السياق، أوضح أن إيران تضع يدها على معبر البوكمال الحدودي الذي يربط بين سوريا والعراق، والذي افتتح في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2019، بعد أكثر من 7 سنوات على إغلاقه. ورأى محمد أن "المليشيات الإيرانية قادرة على إزعاج القوات الأمريكية في حقل العمر، بحكم سيطرتها على مناطق متاخمة وقريبة من القاعدة"، مشيرا إلى أن إيران "تمتلك ترسانة صاروخية قادرة على ضرب القاعدة".
المصدر: العربي الجديد