قطع عدد من المحتجين، اليوم الجمعة، الطريق عند تقاطع إيليا في صيدا، وأضرموا النيران بحاويات النفايات وسط الطريق، للتنديد بالأوضاع المعيشية والاقتصادية.
وتستمر التحركات المحدودة في الشارع اللبناني بالتزامن مع أسوأ أزمة مالية ومعيشية تعصف بالبلد منذ عقود.
وأفادت "الوكالة الوطنية للإعلام"، أن عددا من المحتجين قطعوا الطريق عند تقاطع إيليا في صيدا، وأضرموا النيران بمستوعبات النفايات في وسط الطريق، وكذلك عند طريق حسام الدين الحريري المؤدي إلى التقاطع، وذلك تنديدا بارتفاع سعر الدولار وتردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد.
انهيار اقتصادي وانسداد سياسي
يعرف المشهد الاقتصادي في لبنان انهيارا غير مسبوق نتيجة تراكمات اقتصادية وسياسية حادة عاشتها بلاد الأرز في السنوات الأخيرة.
وكان للتراجع الخطير في سعر صرف الليرة اللبنانية منذ الربع الأخير من 2019 دور في مزيد تدهور المشهد اللبناني الذي بات -وفق مراقبين- يقف على حافة الهاوية .
وبدأت بوادر الأزمة اللبنانية الحالية منذ العام 2019 لتتزايد حدتها نتيجة المشهد السياسي القاتم وصعوبة تحقيق استقرار حكومي من شأنه العمل على ضمان عمل مؤسسات الدولة وإنقاذ البلاد من الغرق خاصة وأن التدهور الاقتصادي وتراجع المقدرة الشرائية للبنانيين وارتفاع نسبة البطالة والفقر عوامل ساهمت في خروج مظاهرات شعبية منددة بالوضع المتردي.
وفي آخر تقرير قدمه البنك الدولي حول لبنان الثلاثاء المنقضي، جاءت التحذيرات حول وضع لبنان حيث اعتبر التقرير أن أزمة لبنان "ضمن أشد ثلاث أزمات على مستوى العالم منذ القرن التاسع عشر". وأيضا في تقرير حديث صدر خلال وقت سابق من العام الجاري، عن وزارة العمل اللبنانية ومنظمة العمل الدولية، يتوقع أن تبلغ نسبة البطالة في 2021، نحو 41.4%.
وسجل الاقتصاد اللبناني انكماشا بنسبة 20.7 % وفق تقديرات حديثة للبنك الدولي، مقارنة بنمو 6.7% في 2019، بينما تشير تقديرات 2021 إلى انكماش بنسبة 9.5% وفق تقارير إعلامية لبنانية.
وبسبب انهيار الليرة إلى متوسط 12.9 ألفا مقابل الدولار في السوق الموازية (السوداء)، مقارنة بـ1510 ليرات لدى البنك المركزي، قفزت أسعار الاستهلاك الى مستويات غير مسبوقة.
وبلغ إجمالي الدين العام حتى نهاية 2020، نحو 85.4 مليار دولار، تشكل نسبته 174 % من الناتج المحلي الإجمالي، بزيادة 5.3 % مقارنة بـ 2019، بحسب مصرف لبنان.بينما بلغ إجمالي احتياطي لبنان من النقد الأجنبي حتى نهاية 2020، نحو 16.25 مليار دولار، بتراجع بلغت نسبته 35 % مقارنة بـ 2019.
مشهد قاتم
ويرى مراقبون أن خطورة المشهد الراهن ستكون سببا في تجدد الاحتجاجات الشعبية، وسط تحذيرات من إفلاس لبنان وسقوطه في الهاوية في ظل هذه الأزمات الاقتصادية الخانقة وما خلّفته من أوضاع اجتماعية واقتصادية صعبة زادت من حدتها خطورة الوضع الصحي الذي أفرزته جائحة كورونا، بالإضافة إلى التأثيرات المأساوية التي خلفها انفجار مرفأ بيروت وتداعياته على الإقتصاد اللبناني.
هذه التراكمات تأتي في وقت عجز فيه رئيس الحكومة سعد الحريري المكلف بتشكيل حكومة كفاءات عن الإعلان عن تركيبته الحكومية وسط عراقيل كبرى تواجهه أهمها فرضية الإفلاس والانهيار المالي في حال عدم التوصل إلى اتفاقيات تضمن دعما خارجيا ينتشل بلد الأرز من محنته.
ويرى البعض أن المشهد الداخلي المضطرب بطبعه زادت حدته نتيجة التدخلات الخارجية المتزايدة، علاوة على الصراعات المذهبية التي يعانيها لبنان منذ عقود طويلة، وهو ما أثرّ على استقراره الداخلي بشكل كبير.
كما أظهر عجز الحريري عن تشكيل حكومة خلافا كبير بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون الذي هاجم الحريري مرارا متهما إياه بـ"الفشل في تشكيل حكومة تنقذ البلاد من الغرق".
وكان لتصاعد الخلافات بين الرئيس اللبناني ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري تأثير على المشهد الداخلي، وعلى المشهد الدولي إذ صدرت عن بعض الدول دعوات طارئة لحل هذه الخلافات ووصلت حدّ اشتراط فرنسا ضرورة تجاوز الخلافات الداخلية لتقديم الدعم لبيروت.
إلى جانب الوضع المالي الصعب، يواجه لبنان أيضا تداعيات انتشار وباء ‘"كورونا" على غرار باقي دول العالم كما يواجه تشنجا شعبيا رافقته احتجاجات اجتماعية غاضبة زادت من تفجر المشهد الداخلي وسط اتهامات من الشارع الغاضب للطبقة السياسية بالفساد والمحسوبية وسط مطالب بضرورة إرساء حكومة تلبي احتياجات الشعب دون خلفيات طائفية ولا دينية وهو ما يعتبر صعبا في ظل طبيعة التعدد السياسي الغالب في لبنان من مختلف الطوائف والديانات وأيضا في ظل واقع إقليمي تحكمه الاستقطابات السياسية الحادة ما يجعل بقاء لبنان محايدا أمرا صعب الحدوث.
إيران إنسايدر