وصل البابا فرنسيس، رأس الكنيسة الكاثوليكية إلى بغداد، اليوم الجمعة، في زيارة تاريخية سيلتقي بمختلف الطوائف الدينية في هذا البلد، وسيزور عدة كنائس في العاصمة بغداد، كما سيلتقي بعدة زعماء مسلمين في مدينة النجف وفي مدينة الموصل. حاملا رسالة مفادها "نحن جميعا إخوة".
وعانى العراق من توترات طائفية كبيرة، خصوصا بعد غزو القوات الأمريكية للبلد وسقوط نظام صدام حسين، كما تمكنت تنظيمات إرهابية من إيجاد موطئ قدم كتنظيمي القاعدة و"داعش"، ما أثرّ بشكل كبير على التنوع الديني في البلد. وتوجد في العراق 22 طائفة دينية على الأقل.
غير أن زيارة البابا تبقى مهمة للطائفة المسيحية، إذ دائما ما ردد زعماء مسيحيون في العراق أن هذه الأقلية مهددة بـ"الانقراض" وسط أغلبية مسلمة، وهناك مخاوف أن يلاقي أبنائها مصير اليهود الذين غادروا البلاد بكثافة لدرجة أن أعدادهم باتت على رؤوس الأصابع.
تاريخ المسيحيين في العراق
لطالما اعتبر العراق بلدا تاريخيا للكثير من الديانات، ومنها الديانة المسيحية التي تواجد معتقنوها في البلد منذ ألفي سنة، بل يقول الإنجيل إن الموقع الأثري أور، حيث سيصلي البابا يوم السبت، هو مكان مولد إبراهيم، الذي تحمل الديانات السماوية الثلاث اسمه، وهي بالترتيب التاريخي اليهودية والمسيحية والإسلام.
غير أن حضور المسيحيين في البلد ارتبط بمن يوجد على سدة الحكم من المسلمين، إذ توالت على العراق عدة دول وامبراطوريات. غير أنه خلال القرن الماضي، كان لزاما على هذه الأقلية، مثل العديد من الأقليات الدينية الأخرى في البلد، أن تتعايش مع التضييق من طرف سلطات البلد.
وإن كان نظام صدام حسين قد أتاح للمسيحيين، بمختلف طوائفهم الـ 14 داخل البلد أن يمارسوا شعائرهم الدينية تحت نظام ديكتاتوري علماني، فإن فترة ما بعد الغزو الأمريكي، شهدت دخول البلد في عنف طائفي ذهب ضحيته جميع المكونات الدينية في البلد، ومنهم أبناء الأقلية المسيحية، بل تم التشكيك فيهم على أنهم يساعدون القوات الأمريكية، ليتحول الأمر إلى ما يشبه حروبا داخلية على أساس الدين.
فليأت البابا ليعيش معاناتنا!
وأدى توسع التنظيمات الجهادية في شمال البلد، الموطن الرئيسي لمسيحيي العراق، إلى هجرة أعداد كبيرة منهم، خصوصا من الموصل والمناطق المحيطة بها. معاناة المسيحيين في البلد تظهر في تراجع أعدادهم، من 1.4 مليون مسيحي عام 1987 إلى ما بين 200 و 300 ألف حاليا في البلد ككل، إذ أدت الأوضاع إلى خروج عشرات الآلاف من البلد.
"الأكيد زيارة البابا التي ستدوم أربعة أيام لن تساعد البلد كثيرا" يقول ماتي وردة، رئيس أساقفة في مدينة إربيل، لسي سي إن، مضيفا أن المسيحيين في العراق "يعيشون في ظل نظام سياسي واقتصادي فاسد، وأن البابا سيسمع كلمات جميلة، لكن عندما يتعلّق الأمر بالحياة اليومية، فالأمر سيكون مختلفا عن هذه الكلمات".
ريمون يوسف ماتي، مسيحي عراقي يعيش في مخيم في بغداد منذ ان انتقلت أسرته قسريا من نينوى العام الماضي، يدعو البابا إلى أن يعيش مكانه، متحدثا "ليس عليه أن يذهب إلى بغداد، وإلى التجوال في الشوارع النظيفة، أو الذهاب إلى الأماكن المعدة سلفا لزيارته. نريده أن يأتي هنا ويعيش واقعنا وظروفه".
وعادت 8 آلاف أسرة مسيحية إلى منازلها في محافظة نينوى، ولكن لا يزال الوضع الأمني يمثل مشكلة هناك، خاصة مع وجود ميلشيات مرتبطة بإيران.
لم تكن الحياة خطيرة بالنسبة لمسيحيي العراق كما وقع في السنوات الماضية، تقول مريم، مسيحية تعيش في بغداد لـموقع "دي دبليو" الألماني، التي انتقلت رفقة عائلتها إلى إحدى ضواحي بغداد بعد تدمير تنظيم القاعدة لكنيستهم عام 2006. ولا تحس مريم -اسم مستعار- بالأمان، إذ كانت دائما تتوصل بتعليقات إذا ما ارتدت الصليب، وتعطي مثالا جديدا بكون أحد العاملين في محل للطباعة رفض طبع بعض الكلمات من الإنجيل على لافتة مخصصة لإحياء ذكرى وفاة جدتها مبرر أن ذلك حرام وتجذيف.
الأمل يبقى قائما
غير أن هناك من يرى أن زيارة البابا ستكون لها تأثير إيجابي على المدى البعيد، إذ يقول ماتي وردة إنها ستدفع الأغلبية المسلمة إلى التفكير وطرح أسئلة: "صحيح أن عددا منهم سينظرون إليها بسلبية، ويمكن أن لا تعجب آخرين، لكنني أقول إن غالبية المسلمين سينظرون لها بإيجابية، وسيستمعون وسيبدأون في الغوص أكثر في تاريخ البلد لطرح تساؤلات من قبيل: من هم هؤلاء المسيحيين، هل هم غير مؤمنين كما سمعنا على الدوام؟ ما هي مساهماتهم؟ هذه هي الاستفادة على المدى الطويل".
ولهذا السبب سيكون لقاء البابا مع المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني، يقول سعد سلوم، أحد مؤسسي المجلس العراقي لحوار الأديان لـDW، مضيفا "السيستاني يملك قيمة تشبه قيمة البابا، فالفاتيكان الخاصة به هي النجف".
وسبق للبابا أن التقى مع شيخ الأزهر أحمد الطيب، في فبراير/شباط 2019، حيث وقع الطرفان اتفاقا لترويج السلام والتعايش بين الأديان. لا توجد خطة مشابهة في العراق مع السيستاني، لكن مع ذلك يعتقد سلوم أن اللقاء المرتقب سيكون له تأثير كبير على العراقيين، وسيرسل "رسالة قوية للمكون الشيعي في المنطقة العربية والإسلامية".
ويتابع سلوم أن زيارة البابا ستجعل النخب الحاكمة في البلاد تفكر أكثر حول أهمية التنوع بشكل عام، وهو أمر ضروري لعراق المستقبل، فـ"غنى البلد ليس في النفط، بل في هذا التنوع".
إيران إنسايدر