أثارت عملية اختلاس مليارين ونصف مليار دولار من أموال الضريبة العامة ضجة واسعة في العراق، ما يسلط الضوء مجددا على منظومة الفساد الكبرى المتغلغلة في مفاصل الدولة والمتحكّمة بمؤسّساتها.
وتعهد رئيس الحكومة العراقية المكلف محمد شياع السوداني، الأحد، باتخاذ الإجراءات بحق خمس شركات عراقية متورطة باختلاس المبلغ الضخم من أمانات الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين الحكومي.
وقال "السوداني"، عبر حسابه على تويتر، "لن نتوانى أبدا في اتخاذ إجراءات حقيقية لكبح جماح الفساد، الذي استشرى بكل وقاحة في مفاصل الدولة ومؤسساتها".
وأضاف "لقد وضعنا ملف الفساد في أول أولويات برنامجنا الحكومي"، مؤكدا أنه لن يسمح باستباحة أموال العراقيين كما حصل مع أموال أمانات الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين.
وفي بيان استقالته الذي نشره الأحد، أكد وزير النفط العراقي وزير المالية بالوكالة إحسان عبدالجبار تعرض وزارة المالية لأكبر عملية اختلاس مالي في تاريخ العراق، بمبلغ يتجاوز مليارين و500 مليون دولار من قبل مجموعة شركات عراقية.
وقال "عبدالجبار"، إن "عملية الاختلاس تظهر فداحة الانهيار في المؤسسة المالية، التي تتمثل بانعدام الشفافية والإصرار على العمل بالنظم المتخلفة في الإدارة والتهرب من توفير البيانات المتكاملة".
وأضاف أن "المبلغ الذي تم التوصل إليه خلال مراحل التحقيق الأولية بلغ 800 مليون دولار، لكن الإجراءات التي اتخذت أثبتت سرقة واختلاس مليارين و500 مليون دولار وتحويل المبلغ إلى شركات مؤسسة حديثا ليس لها أي حق أو استحقاق في هذه الأموال، وأن السرقة كانت واضحة بصورة مطلقة".
وذكر "عبدالجبار"، أن "هذه الجريمة الاقتصادية هي امتداد لمخالفات أصغر حجما، لكنها أكثر عددا منتشرة في عدد من دوائر وزارة المالية ومستمرة منذ سنوات، وهو ما يكشف عن أحد أسباب الانهيار الاقتصادي في العراق وضياع وفقدان الجزء الأكبر من إيرادات الدولة، عبر السيطرة عليها من قبل مجموعات متمرسة، مما يشكل انحرفا شديدا عن ركائز الاقتصاد السليم".
وقال الوزير العراقي، إن "هذا المبلغ كان يُفترض أن يذهب إلى الخزينة العامة للدولة، ولكن تم الاستيلاء عليه من قبل عصابة محددة، وهي عملية تعد الأغرب من نوعها في تاريخ العراق تقف وراءها جهات محددة".
وأضاف "لقد قدمت استقالتي من مهام إدارة وزارة المالية وكالة إلى رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، وأترك لمن يأتي بعدي خيار الاستمرار في متابعة هذا الموضوع، مع قيام الجهات المختصة باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة".
واتهم الوزير جهات في البرلمان بـ"التواطؤ" مع الأطراف التي نفذت عملية السرقة، قائلا "في بداية عملي في وزارة المالية تزامن مع حرب شرسة استخدمت فيها كل الأدوات غير النزيهة، من بعض القنوات الإعلامية المدفوعة من أموال الضرائب، ومعها احتراب وتأليب سياسي واضح، تمثل بمجموعة من التصرفات والتصريحات المتشنجة، والسباق مع الوقت من قبل بعض المتحمسين في مجلس النواب للإسراع في إزاحتي من إدارة الوزارة".
وتابع "وعلى الرغم من أنني كاشفت أعلى الشخصيات في العملية السياسية عن حجم السرقة الحادثة في الأموال العامة، إلاّ أنّ الحرب كانت تزداد بشدة وبكل الوسائل، وكانت العصابات التي سرقت المال العام تشيع في كافة الأوساط مبكرا، ما سيتم اتخاذه ضدي من إجراءات".
وكان "مجلس النواب العراقي" صوت الثلاثاء الماضي على قرار بإنهاء تكليف وزير النفط من منصب وزير المالية بالوكالة.
وكشفت وكيل وزارة المالية العراقية طيف سامي محمد، في سلسلة وثائق وزعتها الليلة الماضية، أن خمس شركات عراقية متورطة في اختلاس وسرقة مليارين و500 مليون دولار من حساب الأمانات التابع للهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين.
وذكرت أن الشركات هي كل من "شركة القانت للمقاولات العامة والحوت الأحدب للتجارة العامة ورياح بغداد للتجارة العامة والمبدعون للخدمات النفطية وبادية المساء للتجارة العامة".
وأوضحت أن "المبلغ الذي جرى سحبه من قبل الشركات تم خلال الفترة بين التاسع من سبتمبر 2021 وحتى الحادي عشر من أغسطس الماضي، بموجب 247 صكا حررت جميعا إلى الشركات الخمس، وقد تم سحب المبلغ نقدا من قبل مخولين لحساب الشركات وفق صكوك نُظمت خلافا للقانون".
وتوعد محسن المندلاوي، النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي، الأحد، بمحاسبة المتورطين، قائلا عبر حسابه على تويتر "إن ما حصل من "نهب" لأموال الهيئة العامة للضرائب، وسحب مبلغ 2.5 مليار دولار من مصرف الرافدين، لن يمر بسهولة".
وأشار إلى أن هناك حسابا قادما لجميع المتورطين في العملية التي يراد منها هدم الدولة وتدمير اقتصادها ونشر الفوضى، مشددا على أن مجلس النواب سيكون له موقف صارم في الأيام المقبلة.
وطالب النائب ماجد شنكالي من كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في البرلمان العراقي، السلطة القضائية بإصدار قرار بمنع سفر رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي ووزراء المالية السابقين ومسؤولين في وزارة المالية، على خلفية سرقة مبلغ مليارين و500 مليون دولار من أموال الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين.
وقال "شنكالي"، في بيان صحافي، إن البرلمان العراقي "مطالب بالدعوة إلى عقد جلسة طارئة هذا الأسبوع، يستدعي فيها رئيس الوزراء والمسؤولين في وزارة المالية لكشف ملابسات سرقة مليارين و500 مليون دولار عراقي من مصرف الرافدين".
وفي وقت سابق السبت، وجه "الكاظمي"، "بفتح تحقيق بشأن وجود مخالفات في عملية صرف الأمانات الضريبية في وزارة المالية"، وفق وكالة الأنباء العراقية "واع".
ونشرت الوكالة كتابا جاء فيه "وجه رئيس مجلس الوزراء بإجراء التحقيق بالمعلومات والتصريحات المتضمنة وجود مخالفات في عملية صرف الأمانات الضريبية والجمركية في وزارة المالية/ الهيئة العامة للضرائب".
وتبدأ اللجنة المالية النيابية، الأحد، التحقيق بهذه القضية من خلال استضافة وزير المالية بالوكالة إحسان عبدالجبار ووكلاء الوزارة وكبار المسؤولين فيها.
وقالت عضو اللجنة فيان دخيل، في بيان، الأحد، إن اللجنة ستعقد اجتماعا استثنائيا وعاجلا، تستدعي فيه وزير المالية بالوكالة، المعفى إحسان عبدالجبار ووكيل وزير المالية والمدير العام لهيئة الضرائب، السابق والحالي، ومدير عام مصرف الرافدين، فضلا عن استضافة رئيس هيئة النزاهة والجهات المعنية والمسؤولة كافة، وذلك للتحقق من حيثيات ضياع هذا المبلغ الضخم.
ولفتت إلى أن اللجنة ستعلن عن نتائج الاستدعاء والاستضافة إلى الرأي العام بعد الاجتماع مباشرة، وستستمر في مراقبة إجراءات التحقيق كافة.
ورغم إطلاق الحكومة العراقية برئاسة الكاظمي، منذ مجيئها عام 2020، إجراءات صارمة لمكافحة الفساد وتحريك جملة من الملفات، بالتعاون مع المجتمع الدولي وتشديد الإجراءات الداخلية، لكنّ مختصّين يرون أن الفساد في العراق اتخذ أشكالا عدة، ودخل رسميا في جسد الدولة، وهو ما يحتاج إلى معالجات عميقة لمواجهته.
وتشير إحصائيات هيئة النزاهة للعام الماضي إلى تورط 11 ألفا و605 مسؤولين، بينهم 54 وزيرا، "في الفساد".
ويتذيل العراق مؤشر مدركات الفساد، حيث حصل على 18 نقطة من أصل 100 في التقرير العالمي الذي يرصد 180 اقتصادا حول العالم.
وكانت محاربة الفساد على رأس مطالب احتجاجات عارمة شهدها العراق على مدى عام كامل، بدءا من أكتوبر 2019، عندما تورطت حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي بالشراكة مع ميليشيات عراقية تابعة لإيران في قتل نحو 700 متظاهر، وإصابة نحو 20 ألفا آخرين، في سبيل حماية نظام الأحزاب الدينية الفاسدة في البلاد.
المصدر: العرب