بعد عام من مأزق سياسي انعكس عنفا دمويا وتوترا متواصلا، خطا العراق خطوة أولى نحو الخروج من الأزمة السياسية، مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مهندس يبلغ من العمر 78 عاما، وتكليف رئيس جديد للحكومة وافد من الطبقة السياسية التقليدية. لكن تحديات عديدة لا تزال تنتظر البلاد.
تقاسم الحصص
نجح البرلمان العراقي الذي تهيمن عليه قوى موالية لإيران، الخميس، بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، هو الوزير السابق عبد اللطيف رشيد.
وسرعان ما كلف رشيد رئيسا جديدا للحكومة، هو محمد شياع السوداني، في خطوة وضعت حدا لشلل مؤسساتي دام عاما، مع فشل القوى السياسية الكبرى على الاتفاق منذ الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2021.
مع ذلك، فإن مهمة تشكيل الحكومة في بلد متعدد الطوائف والعرقيات وتقوم فيه الحياة السياسية على مفاوضات لا تنتهي بين القوى المهيمنة على المشهد، تبدو صعبة، وقد تعود الخلافات من جديد إلى الواجهة.
يقول الباحث في معهد "شاتام هاوس" ريناد منصور، إنه "حينما ستبدأ المحادثات بشأن من سيكون وزيرا، ومن له اليد الأعلى في الوظائف العليا، والمؤسسات الحكومية وخزينة الدولة، سيطفو المأزق من جديد على المشهد".
ويضيف "سنكون أمام حكومة محاصصة، تحاول فيها الأحزاب السياسية تقاسم ثروات البلاد".
وبفضل الإيرادات النفطية، حقق العراق 87 مليار دولار كاحتياطات نقدية، لكنها تقبع في البنك المركزي بانتظار حكومة جديدة وإقرار موازنة تسمح بالاستفادة من تلك الأموال، خصوصا بمشاريع بنى تحتية كبيرة يحتاج إليها العراق بعد عقود من النزاعات.
وتعهد "السوداني"، في كلمة له، الخميس، ليلا، بتبني "إصلاحات اقتصادية تستهدف تنشيط قطاعات الصناعة والزراعة"، مضيفا كذلك بأنه سوف يعمل "على توفير فرص العمل والسكن" للشباب.
وأعرب عن استعداده "التام للتعاون مع جميع القوى السياسية والمكونات المجتمعية، سواء الممثلة في مجلس النواب أو الماثلة في الفضاء الوطني"، مضيفا "لن نسمح بالإقصاء والتهميش في سياساتنا، فالخلافات صدعت مؤسسات الدولة وضيعت كثيرا من الفرص على العراقيين في التنمية والبناء والإعمار".
"الصدر" ولعبة "عدم الاستقرار الممنهج"
تحدٍ آخر يواجه الحكومة الجديدة: موقف رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وزعيم أحد أكبر التيارات السياسية في العراق، القادر على تعبئة عشرات الآلاف من مناصريه بتغريدة واحدة.
وسحب "الصدر" في يونيو نوابه البالغ عددهم 73 نائبا من البرلمان، الذي بات يهيمن عليه الإطار التنسيقي مع 138 نائبا من أصل 329. ويضم الإطار خصوصا كتلة دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي والخصم التاريخي للصدر، فضلا عن كتلة الفتح الممثلة للحشد الشعبي الذي يضم فصائل عسكرية تابعة لإيران.
ويتساءل علي البيدر عما يوجد خلف "الصمت الحذر" للتيار الصدري.
ويقول "واحد من الخيارات، أنه يعطي فرصة للمنظومة السياسية للقيام بخطوات معينة" أو قد يكون الصمت "ناتجا عن عملية تسوية وترضية حصلت بين التيار الصدري والأطراف السياسية".
وصل التوتر السياسي في البلاد إلى ذروته في البلاد في 29 أغسطس، حينما قتل أكثر من 30 من مناصري الصدر في مواجهات مسلحة مع الجيش وميليشيات "الحشد الشعبي" المنضوية في أجهزة الدولة.
ويعتبر ريناد منصور من جهته، أن الوضع لا يزال "هشا". ويضيف "الصدر لا يزال حاضرا، ويحاول التأثير (على المشهد السياسي) واستخدام ورقة التظاهرات للتعويض عن رأس المال السياسي الذي خسره" بخروجه من البرلمان.
ويشرح أن هدف الصدر يبقى "فرض انتخابات مبكرة عبر استخدام لعبة عدم الاستقرار الممنهج، كما يفعل عادة، ليحافظ على قوته وتأثيره في المفاوضات".
لكنه يضيف أن "الأخطاء" السابقة للصدر، تضعه "في موقف صعب" للتفاوض.
هل من أمل بتحقيق التغيير؟
يرى المحلل السياسي العراقي علي البيدر، أن "مهمة تشكيل الحكومة سوف تكون سهلة" وذلك "بسبب حالة التوافق" بين القوى الموجودة في البرلمان.
لكن "مهام جسيمة" تنتظر الحكومة متعلقة بـ"محاربة الفساد والقضاء على ظاهرة الفقر والسلاح المنفلت"، كما أضاف.
ففي العراق البالغ عدد سكانه 42 مليون نسمة والغني بالنفط، أربعة من كل عشرة شباب عاطلون عن العمل، ويقبع ثلث السكان في الفقر، وفق الأمم المتحدة.
ويأمل "البيدر" أن يكون الاهتمام المتزايد "الإقليمي والدولي بالوضع السياسي في العراق"، دافعا يجبر "المنظومة السياسية على أن تكون أفضل من المراحل السابقة"، متحدثا عن دور فرنسي وأميركي وبريطاني.
في كلمتها أمام مجلس الأمن في أكتوبر، قالت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت، إنه "في حين أن العراق ليس بأي حال من الأحوال بلدا فقيرا، فإن المصالح الخاصة والحزبية تتآمر لتحويل الموارد بعيدا عن الاستثمار المهم في التنمية الوطنية".
وأضافت أن "النظام السياسي ومنظومة الحكم في العراق يتجاهلان احتياجات الشعب العراقي، أو حتى أسوأ من ذلك، يعملان بنشاط ضدها"، معتبرة أن "الفساد المستشري يمثل سببا جذريا رئيسا للاختلال الوظيفي في العراق. وبصراحة، لا يمكن لأي زعيم أن يدعي أنه محمي منه".
لا ينظر ريناد منصور بتفاؤل إزاء المستقبل. ويقول "الحياة العامة ستبقى على حالها. سيبقى الناس محرومون من حقوقهم الأساسية، والمياه الصالحة، ونظام صحي، وكهرباء".
ويضيف "عدد السكان سوف ينمو، ونسبة أعلى منهم سوف يتم تهميشها من قبل النظام".
الحرة