بعد نحو عام من الشائعات المتكررة بشأن استقالة الأمين للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني من منصبه التي كانت "وكالة نور نيوز" المقربة من الأمانة العامة للمجلس تنفيها على عجل، أكدت الوكالة هذه المرة خبر الاستقالة.
ونشر "شمخاني"، مساء أمس الأحد، بيت شعر للشاعر الإيراني كمال الدين علي محتشم الكاشاني (القرن العاشر الهجري) على تويتر يقول فيه إن "الكلام الذي كان يقال من وراء حجاب .. قيل رمزا .. وفي نهاية المطاف سمع بالإيماءات، فغادر"، ما فسره مراقبون إيرانيون مؤشرا علی عزم "شمخاني" الرحيل من المؤسسة التي قضى فيها 10 أعوام.
وخلال ساعات من استقالة "شمخاني"، أصدر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قرارا بتعيين الجنرال علي أكبر أحمديان الذي كان يتولى رئاسة المركز الإستراتيجي للحرس الثوري، أمينا جديدا للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
مسيرة عسكرية
و"شمخاني" المولود عام 1955 بمدينة الأهواز جنوب غربي إيران، ينحدر من أصول عربية لأسرة تنتسب إلى عشيرة الشماخنة التابعة لقبيلة بني ربيعة، ساهم في تأسيس الحرس الثوري بمحافظة خوزستان، وأصبح وزيرا للمؤسسة العسكرية في حكومة مير حسين موسوي (1989-1988)، ثم وزيرا لحقيبة الدفاع في حقبتي الرئيس محمد خاتمي (1997-2005).
ورغم عمله عن كثب مع الحكومات الإصلاحية والمعتدلة، فإنه يعرف بالولاء للمرشد الأعلى علي خامنئي، حيث عينه الأخير عضوا في المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية ورئيسا للمركز الإستراتيجي للقوات المسلحة الإيرانية في عهد الرئيس أحمدي نجاد، ثم عين أمينا للمجلس الأعلى للأمن القومي عام 2013 في بداية رئاسة حسن روحاني، ومكث في منصبه 10 أعوام.
وتقلد مناصب عسكرية عديدة قبل أن يتولى مهام سياسية ذات طابع عسكري وأمني مهّدت له الطريق لخوض غمار الانتخابات الرئاسية عام 2001، فاحتل المركز الثالث من بين 10 مرشحين خاضوا الانتخابات التي أدت إلى فوز محمد خاتمي للمرة الثانية.
أسباب ودوافع
ويرى مراقبون في إيران، أن استقالة "شمخاني" كانت متوقعة بسبب الهجمات المتتالية التي استهدفته طوال العامين المنصرمين، بيد أن ملف علي رضا أكبري الذي أُعدم في يناير/كانون الثاني الماضي بتهمة التجسس لصالح الاستخبارات البريطانية، مكّن معارضي "شمخاني" من الإطاحة به.
في غضون ذلك، لفت الناشط الإصلاحي البارز محمد علي أبطحي رئيس مكتب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، إلى محاولات صقور التيار المحافظ للإطاحة بشمخاني خلال الفترة الماضية، موضحا أن شمخاني لم يتفق مع توجه المحافظين على صعيدي السياسة الداخلية والخارجية.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار أبطحي إلى أن رغبة التيار المحافظ بتجانس جميع مفاصل السلطة وجعلها من لون سياسي واحد، هي أحد أسباب إبعاد شمخاني من مراكز اتخاذ القرار في البلاد، مؤكدا أن سياسة البلاد لن تتجه نحو الانفتاح إثر إبعاد الشخصيات التي تؤمن برأي آخر.
وخلص إلى أن شمخاني لم يقترب يوما من التيار المتطرف وصقور السياسة بالجمهورية الإسلامية، مما يجعل من الإطاحة به هدفا مشروعا لهم وهذا ما تحقق بالفعل، مضيفا أنه رغم ما يشاع من ملازمة الجاسوس علي رضا أكبري لشمخاني واقترابه منه خلال توليه وزارة الدفاع، فإن الأخير هو الذي تمكن من استدراج المدان من بريطانيا إلى طهران.
وتذكر استقالة شمخاني الرأي العام الإيراني باستقالة سلفه علي لاريجاني من منصبه، حيث سرعان ما ترشح في الانتخابات البرلمانية وترأس السلطة التشريعية 3 فترات متتالية (2008ـ2020).
وفي السياق، عقد الباحث السياسي أمير رضا نظري مقارنة بين استقالة كل من لاريجاني وشمخاني، وكتب في تغريدته على تويتر أن السلطات الإيرانية قد تريد تكرار السيناريو السابق وفتح مجال لمنتقدي الرئيس إبراهيم رئيسي في البرلمان، وذلك إثر الانسداد الذي بلغته البلاد في المرحلة الراهنة.
وعن حضوره النشط على الساحة السياسية، يقول الباحث السياسي حسن هاني زاده، إن شريحة من التيار المحافظ امتعضت من الدور الذي لعبه شمخاني في إنهاء القطيعة السياسية بين طهران والرياض والتقارب الإيراني العربي، مما أدى إلی زيادة الضغط على رئيسي لإبعاده من منصبه.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى زاده أن رئيسي لم يكن راضيا بإقالة شمخاني، بيد أنه انحنى أمام عاصفة الضغوط التي مورست عليه، موضحا أن شريحة من المحافظين تخشى أن يحسب التقارب الإيراني العربي باسم شمخاني والتيار الإصلاحي، فقبلت بشخصية قريبة من التيار المتشدد أمينا عاما للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
وختم الباحث الإيراني بأن "إقالة شمخاني جاءت بعد تكرار اتهامات بضلوع أقربائه في الفساد المستشري بالبلاد، وأن هذه الاتهامات لم تثبت يوما، وقد نفى الرجل خوض أفراد أسرته نشاطات اقتصادية تتعارض مع القوانين الوطنية".
وكان شمخاني الذي يعرف بمهندس العلاقات الإيرانية العربية قد مثّل بلاده في مفاوضات بكين التي توجت باتفاق طهران والرياض في مارس/آذار الماضي على استعادة العلاقات. وقام إثرها بزيارتين إلى أبوظبي وبغداد للتوقيع على اتفاقات مع مسؤولي الإمارات والعراق.
الجزيرة نت