في تحدٍ لغضب الرأي العام والانتقادات الدولية، أصدرت إيران مؤخرا العشرات من أحكام الإعدام ضد محتجين شاركوا في اضطرابات مناهضة للحكومة على مدى شهور، يرى مراقبون أنها تهدف "لترهيب" الناس وإبعادهم عن الشارع الغاضب على النظام منذ مقتل مهسا أميني في سبتمبر الماضي.
وأعلن القضاء الإيراني، الإثنين، إصدار أحكام إعدام بحق ثلاثة أشخاص أدينوا بقتل عناصر من قوات الأمن، ما يرفع إجمالي عدد أحكام العقوبة القصوى الصادرة في قضايا متصلة بالاحتجاجات إلى 17، تم تنفيذ أربعة منها، بينما صادقت المحكمة العليا على حُكمين آخرين.
وقالت منظمة العفو الدولية، الشهر الماضي، إن السلطات الإيرانية تسعى لاستصدار أحكام بإعدام 26 آخرين على الأقل فيما سمته "محاكمات صورية تهدف إلى ترهيب المحتجين".
إلى جانب هؤلاء، أعلنت طهران، السبت، إعدام المواطن البريطاني الإيراني علي رضا أكبري، الذي شغل من قبل منصب نائب وزير الدفاع الإيراني بتهمة "التجسس" لصالح بريطانيا، في خطوة أثارت غضبا وتنديدا دوليين.
قد يكون دافع طهران في اعدام أكبري مختلفا عما يجري مع المحتجين، لكنه هذه الممارسات جميعها تصب في اتجاه واحد، وهو إرهاب الشعب الإيراني، وإرسال رسائل للغرب على خلفية الاحتجاجات، وفقا لمراقبين.
يقول مدير المركز الأحوازي للدراسات السياسية والاستراتيجية حسن راضي، إن عمليات الإعدام تهدف "للقضاء على الاحتجاجات وقمع المحتجين وزرع الخوف والرعب في صفوف الشعب بشكل عام والانتقام منهم لإنهم ثاروا ضد النظام، ورفعوا سقف مطالبهم بعد أن نادوا بالإطاحة بالمرشد الأعلى".
ويضيف "راضي"، أن "طهران تمارس قمعا شديدا من خلال الإعدامات والقمع والاغتيالات والاعتقالات التي تجاوزت 20 ألف شخص"، مبينا أنها تحاول أيضا "استفزاز المجتمع الدولي، الذي تعاطف مع المحتجين وفرض عقوبات على النظام من خلال إعدام أكبري".
ويؤكد "راضي"، أن "حملة الإعدامات الإيرانية لن تتوقف وستكون هناك أيضا حملة اعتقالات جديدة وتصفيات ضد المحتجين خلال الفترة المقبلة".
وترى الباحثة في الشأن الإيراني منى السيلاوي، أن إعدام المحتجين، هي رسالة واضحة للداخل الإيراني أن النظام لن يتراجع عن أساليبه القمعية وأيضا للدول الغربية بأن العقوبات والإدانات لا تهمنا".
وتقول "السيلاوي" لموقع "الحرة"، إن "الإعدامات لن تؤثر كثيرا عل زخم الاحتجاجات، لأن الناشطين أكدوا بعد تنفيذ الإعدامات، أن هذه الممارسات لن تخيفهم".
وتشير أيضا إلى أنه "حتى الآن النظام يواجه أكبر أزمة في تاريخه، فالاحتجاجات مستمرة للشهر الرابع على التوالي، رغم تراجع زخمها أحيانا".
ووفق أرقام "منظمة العفو الدولية" الحقوقية ومقرها لندن، تحتل إيران المرتبة الثانية عالميا خلف الصين في عدد أحكام الإعدام المنفذة.
وتعكس هذه التحركات ما يقول خبراء إنه نهج ثابت للقيادة الدينية تجاه الحكم منذ الثورة الإسلامية عام 1979 التي أتت بها إلى السلطة، وهو الاستعداد لاستخدام أي قوة مطلوبة لسحق المعارضة.
"محاكم صورية"
وتؤكد "السيلاوي"، التي تحمل شهادة الماجستير في حقوق الإنسان، أن "إفادات ذوي المعدومين، بينت أن المعتقلين يمنعون من توكيل محام خاص به ويجبرون على الاستعانة بمحام من اختيار الحكومة".
وتشير إلى أن معظم المعتقلين تحدثوا عن تعرضهم للتعذيب من أجل انتزاع الاعترافات، مبينة أنه "لا توجد شفافية في أحكام الإعدام وجميعها صدرت بعد محاكمات صورية".
بدوره، يكشف "راضي"، أن "المعتقل يعذب وتنتزع منه الاعترافات داخل الزنزانة من قبل الحرس الثوري ويصدر الحكم عليه داخل الزنزانة قبل أن يذهب للمحكمة".
ويتابع أن "القضاة فقط يقرأون الحكم على المتهمين، وخاصة أن بعض من أعدموا لم تتجاوز فترة اعتقاله أسابيع معدودة وجميعهم لا يتم توكيل لهم محامي".
إدانات دولية
وأثار القمع والإعدامات تنديدا عالميا وفرضت عقوبات غربية على إيران، الأسبوع الماضي، حيث أعلنت كندا فرض رزمة جديدة من العقوبات ضد منظمات ومسؤولين إيرانيين متهمين بالتواطؤ مع النظام و"قمعه الوحشي للأصوات الإيرانية الشجاعة".
واستدعى الاتحاد الأوروبي ودول أوروبية عدة منها النمسا وبلجيكا والمملكة المتحدة والدنمارك وفرنسا وألمانيا وهولندا والنروج، دبلوماسيين إيرانيين معتمدين لديها للاحتجاج على عمليات الاعدام الأخيرة.
بالمقابل، أعلنت المملكة المتحدة، السبت، فرض عقوبات على المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري، تعبيرا عن "اشمئزاز" لندن بعد إعدام الإيراني البريطاني علي رضا أكبري بتهمة التجسس.
ودانت فرنسا "بأكبر قدر من الحزم" إعدام أكبري، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية نشر السبت، أكدت فيه أيضا استدعاء القائم بالأعمال في السفارة الإيرانية في باريس وتحذيره من أن "انتهاكات إيران المتكررة للقانون الدولي لا يمكن أن تمر من دون رد".
ودانت منظمة العفو الدولية على تويتر "الهجوم الشنيع" لإيران على "الحق في الحياة" بعد تنفيذ طهران حكم الإعدام بحق أكبري.
ورجحت "السيلاوي" أن يكون اعدام أكبري مرتبط بالصراع الدائر حاليا داخل مؤسسة الحكم داخل إيران.
وتشير إلى "وجود تيارين داخل النظام، ظاهريا مختلفان لكن هدفهما الأساسي واحد ويتمثل بالحفاظ على وجود النظام، لكنهما يختلفان بشأن الطريقة التي يجب أن يتم بها ذلك".
تقول "السيلاوي"، إن "أكبري من خلال فكره وكتاباته واضح أنه كان يمثل النظام ولا يختلف بالجوهر والمعتقدات عنه، ولكنه محسوب على تيار يعتقد أن إيران يجب أن تنفتح على الغرب وأن يكون اقتصادها حر مثل النموذج الصيني".
وتتابع أن "هذه الرؤية تختلف عما يريده المحافظون الذين يدعمون نموذجا شبيها بكوريا الشمالية، من خلال الانفتاح على دول الشرق وعدم التعامل مع الغرب".
بالتالي، ترى "السيلاوي"، أن "إعدامه هو نتيجة خلافات داخل النظام، ومحاولة من قبل المحافظين لتوجيه ضربة للإصلاحيين الذين يعتقد أنهم يحاولون الوقوف مع الاحتجاجات واجراء تغيير وإعادة هيكلة تحافظ على النظام ولا تنهيه تماما".
إيران إنسايدر