في خضم انسياق الإعلام العربي عموماً والخليجي على وجه الخصوص كونه يمثل كبرى المنابر الإعلامية العربية إلى الإخبار والترفيه وما لف لفيفهما، يغيب أحد أبرز أهداف الإعلام إن لم يكن أهمها والمتمثل في الدفاع عن حقوق الإنسان، وهذا غالباً ما لا نجده كمتابعين وجمهور عربي في وسائل الإعلام المملوكة غالباً للدولة أو نظيراتها التي تدعي الاستقلال المهني.
كما لم يُذكر أن تحدث هذا الإعلام صراحة وفي حالة متحررة وشفافة عن انتهاكات حقوق الإنسان من السلطة ضمن إطار الدولة التي يعمل بها أو ينتمي إليها أو ممول منها، وكل ما دار الحديث عنه في هذا الملف (أقصد حقوق الإنسان) كان يغذيه صراعات أصحاب السلطة بين بعضهم البعض، كحالة انتقامية وليس من منطلق إنساني.
اليوم بعدما انفتح العالم على فضاء السوشيال ميديا، أُجبرت هذه الوسائل الإعلامية على تناول ما يطرحه أفراد انتهكت حرماتهم وحقوقهم الآدمية من أصحاب الحكم والدولة "على مضض" وبما لا يتعارض مع خطوطها السياسية والتحريرية المنضبطة بضوابط القبضة الأمنية السلطوية.
وبين هذا وذاك، أصبح وجود وسيلة إعلامية متحررة من نفوذ وسطوة السلطويين حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى، لا سيما في بقعة جغرافية مهمة كالخليج العربي، ليس فقط في محيطها القومي بل والعالم أيضاً.
خلال السنتين الأخيرتين، دار الحديث عن قناة حديثة العهد، تسمى "قناة الخليج الفضائية". ربما لم تأخذ الوقت الكافي بعد للانتشار والشهرة عربياً، لكنها بدأت مؤخراً انطلاقة جديدة وهذا ربما يمكن ملاحظته من خلال القفزة الأخيرة لمتابعيها على وسائل التواصل الاجتماعي. كما أن المتابع لسير خطها التحريري من خلال نوعية البرامج والملفات التي تطرحها، سيقول إننا أمام فكرة إعلامية "غير مسبوقة" إن صح التعبير، وسابقة في الإعلام العربي، ستحتجز لنفسها مكاناً على الخارطة الإعلامية العربية، إن داومت على ما انطلقت عليه.
والحق يقال، أنه رغم بساطة الإمكانيات التي يظهر به محتوى القناة، إلا أن كل بذرة للتحرر وإرادة لقول الحقيقة وإن كان في الحدود الدنيا، تنبع من فكرة إن كتب لها الحياة فسرعان ما ستتحول إلى منبرٍ ذي تأثير لم يحدثه أو يمتاز به غيره.
وبالحديث عن المحتوى والملفات التي تناقشها هذه الوسيلة، ولنكون منصفين فإنه لم يحدث أن ناقشت أو تطرقت وسيلة إعلامية خليجية بموضوعية لموضوعات تكاد تكون محرمة ومحظورة عن النقاش خلال العقود القليلة السالفة، كآلية توارث الحكم بحكم القبلية النابعة من طبيعة المجتمع، والهيئات الدينية وآلية عملها، علاوة عن تسليط الضوء على الانتهاكات السلطوية في البيئة الخليجية وحقوق المرأة وحقوق الإنسان ومعتقلي الرأي وغيرها.. وهذه مما يمكن اعتباره "النوادر" في الإعلام الخليجي.
بطبيعة الحال لكل دولة أو سلطة الحق في إطلاق محطاتها ووسائلها الإعلامية للتعبير عن رؤاها ووجهات نظرها وطرح سياساتها وحتى مهاجمة أعدائها، وهذا حق من حقوق التعبير عن الرأي عندما يتحدث الإعلاميين عن هذا المعيار بالذات، إلا أنه (ولن أبالغ أو أغلو في فكرتي هذه) لم يُذكر أن العالم العربي ومنذ ما قبل عهد الاستقلال الممتد منذ أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي شهد انطلاق مشاريع ومؤسسات ووسائل إعلامية تتمتع بالحرية والاستقلال المطلقين وتتشارك مع مؤسسات السلطة وقنواتها بالتنافس الموضوعي وحرية التعبير وكشف الحقائق، أو حتى مهاجمة السلطة إن كانت على خطأ حتى وإن كان هذا يندرج ضمن معيار حرية التعبير، وهذا ما أريد أن أحدده كفرة رئيسية لهذا المقال.
قد يجادل البعض، بأن بعض المشاريع كانت بذرة حقيقية للنهوض بالإعلام العربي، وهنا أقول بدوري أن هذه الفكرة صحيحة لكنها (أي هذه المشاريع) وبدون ذكر أسماء، لم تر لنور (بعضها لم يستمر لأيام وإن استمر إما انحاز لمموله أو تراجع في خطوطه التحريرية عند الضوابط السلطوية المسيسة)، ولكن ألسنا في معضلة حقيقية هذه الأيام؟ والأصح أن أقول في العقد الأخير، لا سيما بعد ولادة ثورات الربيع العربي؟! والسؤال يقول: أين وسائل الإعلام الحرة التي خرجت الشعوب العربية تنادي بها!
خلاصة القول. الحديث عن الإعلام العربي ومعتركاته يطول وربما لا ينتهي، لكننا اليوم كعرب ونحن في الألفية الثالثة بعد الميلاد بحاجة لمؤسسات إعلامية حرة موضوعية مستقلة، وإن كانت بإمكانيات متواضعة، فالكلمة لا تحتاج إلا لجرأة وشجاعة.
إيران إنسايدر - (أحمد عبد الرزاق)