يرى مراقبون أن كلمة الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، في جلسة أداء اليمين، حملت إشارات متناقضة، حيث جمعت بين التصعيد في موضوع رفع العقوبات الأمريكية عن بلاده، وبين الدبلوماسية في بناء الثقة مع دول الجوار، في الوقت الذي بدا فيه الرئيس الجديد واقعا تحت تأثير الاحتجاجات الأخيرة في البلاد وسبل الاستجابة لمطالب المحتجين.
وقال رئيسي، أمام البرلمان والوفود الأجنبية في المراسم التي بثها التلفزيون الرسمي على الهواء، "الشعب الإيراني يتوقع أن تحسن الحكومة الجديدة معيشته… يجب رفع كل العقوبات الأمريكية غير القانونية عن الأمة الإيرانية"، وتعهد بأن يخدم البلاد ويحسّن علاقاتها بدول الجوار. وأضاف أن "الحكومة الجديدة ستعمل على تحسين الاقتصاد لحل مشكلات البلاد".
واعتبر مراقبون، أن كلمة رئيسي، الذي صعد إلى السلطة عن طريق خطاب متشدد تجاه الغرب وخاصة الولايات المتحدة، تظهر أن الأمور غامضة بالنسبة إليه؛ فلا يمكن الاستمرار في التصعيد في ظل الظروف التي تعيشها البلاد في الداخل بسبب الاحتجاجات وغياب حلول ممكنة لها في القريب العاجل، فضلا عن أزمة أمنية ناجمة عن استهداف السفن قد تدفع إيران ضريبتها دون أن تقدر على الرد.
ولا يُعرف ماذا يمكن أن يحمل رئيسي من أفكار لتبريد هذه التوترات، وإن كان المرشد الأعلى علي خامنئي نفسه لا يعرف ماذا يمكن أن يفعل في المرحلة القادمة في ظل مزاج دولي مختلف عن العقود الماضية.
ويشير المراقبون إلى أن إيران بدأت تستفيق على حقيقة أن العالم لم يعد يقبل أن تستمر تهديداتها لأمن الملاحة إلى ما لا نهاية له، وأن القرصنة التي تنفذها قوات إيرانية ضد السفن في المنطقة قد تجرها إلى معركة غير محسوبة العواقب.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس الخميس إن تل أبيب "مستعدة لمهاجمة إيران"، مشددا على أن "إيران تسعى لتشكيل تحدٍ متعدد الساحات لإسرائيل، من خلال بناء قوتها في لبنان وغزة، ونشر الميليشيات في سوريا والعراق، وإقامة المؤيدين في اليمن".
وإذا كان الإيرانيون قد انتخبوا رئيسي لأجل التصعيد تجاه الولايات المتحدة فإن التصعيد الوحيد الذي يمكن أن تجيده إيران هو تحريك الميليشيات الحليفة لها في المنطقة، مثلما هو الحال في العراق، والآن أدخلت "سلاح" القراصنة.
ولا شك أن في استقبال الرئيس الإيراني الجديد للرئيس العراقي برهم صالح تذكيرا بما يمثله العراق في الاستراتيجية الإيرانية في عهد رئيسي.
وتشن الميليشيات المدعومة من طهران هجمات متطورة بشكل متزايد ضد تمركز القوات الأمريكية باستعمال طائرات مسيرة تستهدف مناطق مثل قاعدة عين الأسد الجوية العراقية ومطار أربيل الدولي.
وقالت تقارير، إن إيران شكلت مجموعات سرية جديدة في العراق مدربة على أعمال الحرب والاستطلاع بالطائرات المسيرة والدعاية على الإنترنت.
وفي سياق رسائل التهدئة الإقليمية، أكد رئيسي خلال استقباله ممثلي دول إسلامية أن حكومته وضعت أولويات سياستها الخارجية على أساس توسيع العلاقات مع دول الجوار والبلدان الإسلامية.
وكان لافتا خلال مراسم تسلم الرئيس الإيراني الجديد مهامَّه حضور كل من وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح ووزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، فيما غاب وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وحضر مكانه وزير التجارة علي الكواري.
وكان رئيسي، الخاضع لعقوبات أمريكية بسبب اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان أثناء عمله قاضيا، قد وعد باتخاذ خطوات لرفع العقوبات الأمريكية الصارمة التي قلصت صادرات إيران من النفط وحرمتها من التعامل مع النظام المصرفي الدولي.
ومثل المرشد الأعلى أبدى رئيسي موافقته على المحادثات النووية غير أنه من المتوقع أن ينتهج سياسة أكثر صرامة في المحادثات.
وتتفاوض إيران مع ست قوى عالمية لإحياء اتفاقها النووي الموقع عام 2015 والذي تخلى عنه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قبل ثلاث سنوات ووصفه بأنه شديد التساهل مع طهران.
وبمقتضى ذلك الاتفاق وافقت إيران على فرض قيود على برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الدولية غير أن ترامب انسحب منه وأعاد فرض عقوبات أعاقت اقتصاد إيران. ومنذ ذلك الحين انتهكت طهران عددا من القيود المفروضة على أنشطتها النووية بموجب الاتفاق.
ويقول محللون سياسيون، إنه في ضوء تردي الوضع الاقتصادي في الداخل ووجود مؤشرات على تزايد الغضب بين الإيرانيين بسبب المصاعب الاقتصادية، سيكون التخلص من العقوبات الأمريكية أكبر هدف اقتصادي لرئيسي.
ويتزايد التوتر بين إيران والغرب بعد هجوم يشتبه أن طائرة مسيرة شنته الأسبوع الماضي على ناقلة تديرها شركة إسرائيلية قبالة ساحل سلطنة عمان أسفر عن مقتل اثنين من أفراد طاقمها.
وحملت الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا إيران مسؤولية الحادث. ونفت طهران مسؤوليتها عنه وحذرت من أنها سترد فورا على أي تهديد لأمنها.
وكان خامنئي قد عين رئيسي على رأس القضاء في 2019 وفرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات بعد ذلك بعدة أشهر بسبب ما يتردد عن دوره في إعدام الآلاف من السجناء السياسيين في 1988. ولم تعترف إيران قط بهذه الإعدامات.
ومنذ الفوز في الانتخابات، قال رئيسي إن العقوبات الأميركية فرضت عليه لأدائه واجبه كقاض. ويخشى معارضون أن تكون رئاسته بداية للمزيد من القمع في إيران.
المصدر: العرب