اقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن، في سبتمبر/أيلول الماضي، بديلا دراماتيكيا لسياسات دونالد ترامب العدائية تجاه إيران، كرئيس، كان سيقدم "طريقا موثوقا به للعودة إلى الدبلوماسية" بهدف العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، إذا عادت إيران أيضا إلى الامتثال.
ووفقا لتحليل نشرته مجلة "ذا أميركان بروسبكت"، وترجمه إيران إنسايدر، فإنه على الرغم من عدم وجود تفاصيل، كان الاتجاه العام واضحا: ستعطي إدارة بايدن الأولوية لاتفاق إيران باعتباره حجر الزاوية في نهجها تجاه الشرق الأوسط.
وبموجب الاتفاقية، المعروفة رسميا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، أو JCPOA، تم تخفيض مخزونات اليورانيوم الإيرانية بنحو 98 بالمائة، فقد توقفت أجهزة الطرد المركزي المتطورة عن العمل، وخضعت منشآتها النووية لمراقبة دولية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
وخلال السنوات الثلاث الأولى لخطة العمل الشاملة المشتركة، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مرارا وتكرارا امتثال إيران الكامل.
ومع ذلك، انسحبت إدارة ترامب من جانب واحد من الصفقة في أيار/ مايو 2018، وأعادت فرض نظام عقوبات شامل على إيران، وفقا لأوامر ترامب، وكانت حملة "الضغط الأقصى" تهدف إلى إجبار إيران على المزيد من الحظر النووي التقييدي، وكذلك وقف تدخلها الإقليمي، بما في ذلك دعم المنظمات المتطرفة مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، ومجموعة من الميليشيات في العراق.
وفي السنوات الثلاث التي تلت ذلك، ضاعفت إيران مخزونها من اليورانيوم 14 مرة، وبدأت بتخصيب اليورانيوم إلى تركيز يصل إلى خمسة أضعاف حدود خطة العمل الشاملة المشتركة.
وفشلت إدارة ترامب في ردع إيران عن الاستمرار في اختبار الصواريخ الباليستية، أو الهجمات ضد المنشآت العسكرية والدبلوماسية الأمريكية في العراق، أو سلسلة من التفجيرات في الخليج العربي المنسوبة إلى إيران على نطاق واسع، وتسببت العقوبات الأمريكية في إلحاق أضرار جسيمة بالشعب الإيراني، لكن القمع الداخلي الإيراني وانتهاكات حقوق الإنسان كانا في تزايد.
في كانون الأول/ ديسمبر، كانت هناك بوادر تبعث على الأمل صادرة عن فريق بايدن الانتقالي، وكذلك من أوروبا وطهران، مما يشير إلى إمكانية التعقب السريع لعودة "الامتثال" إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.
وتضمن فريق السياسة الخارجية لبايدن خبرة كبيرة في الدبلوماسية النووية الإيرانية، بصفتها الطرف الذي ترك الاتفاقية، وكان لدى الولايات المتحدة فرصة لاتخاذ الخطوة الأولى نحو العودة، ولكن لم تحدد إدارة بايدن بعد كيف سيبدو "مسار موثوق للعودة إلى الدبلوماسية".
وبدلا من ذلك، شهدت الأسابيع الأخيرة قيام الولايات المتحدة والميليشيات المدعومة من إيران بتبادل الصواريخ في العراق وسوريا، فضلا عن انفجار غامض على متن سفينة إسرائيلية في خليج عمان، الشهر الماضي، وأعلنت إيران أنها قلصت تعاونها مع المفتشين النوويين، وفي المناقشات الأخيرة، لاحظ المحللون الإيرانيون أنه بينما تغير خطاب واشنطن، فإن سياساتها لم تتغير.
في الواقع، بعد ما يقرب من شهرين من الإدارة الجديدة، لا يزال الضغط الأقصى هو سياسة الأمر الواقع لدى لولايات المتحدة.
في أحسن الأحوال، هذه الألعاب التكتيكية تهدر وقتا ثمينا، وتشتت الانتباه عن الأولويات الحقيقية، وترفع تكلفة الدبلوماسية لكلا الجانبين، وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن يؤدي ذلك إلى دورة تصعيدية تخاطر على وجه التحديد بالأزمة النووية التي تم التوصل إلى اتفاق 2015 للتخفيف منها.
وفي الأيام القليلة الماضية، كانت هناك بصيص من الأمل، حيث تم تجنب الخلاف في فيينا الأسبوع الماضي، عندما رفضت الولايات المتحدة وأوروبا الضغط على قرار يدين إيران في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وبالتراجع خطوة إلى الوراء، تظل المفاوضات المباشرة بين واشنطن وطهران مرجحة، حيث أن كلا الجانبين يريد الحفاظ على الصفقة، رغم وجود مخاوف مشروعة بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، مثل حظر برنامج الأسلحة النووية ونظام التفتيش الشامل.
ويلاحظ النقاد أيضا أن خطة العمل الشاملة المشتركة لا تتناول سلوك إيران الإقليمي، حيث تشير دراما السنوات الست الماضية إلى أنه من المحتمل أن تكون الصفقة مستدامة فقط إذا تم استكمالها بعملية أو عمليات إقليمية موازية تهدف إلى تخفيف حدة التوترات الإقليمية، كالحروب في اليمن وسوريا.
في غضون ذلك، أشارت إدارة بايدن إلى رغبة قوية في تجنب التورط في الشرق الأوسط، وهو ما قد يفسر بدايتها البطيئة للخروج من البوابة مع إيران، بالنظر إلى الأجندة المحلية الملحة وكذلك السجل السيئ للولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ 11 سبتمبر/أيلول، فإن هذه الرغبة مفهومة، ولكن سواء كأداة لمنع انتشار الأسلحة النووية أو كنقطة انطلاق للحوار الإقليمي، لا يوجد بديل جدي لخطة العمل الشاملة المشتركة.
أكبر العقبات التي تحول دون إنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة ليست دبلوماسية أو فنية، بل سياسية، أقر كل من الكونغرس الأمريكي والمجلس الإيراني تشريعات محلية لتقويض الاتفاقية.
والمرشد الأعلى علي خامنئي هو الحكم النهائي في السياسة النووية، وستنتخب إيران رئيسا جديدا في يونيو/ حزيران المقبل، وهو ما من المرجح أن يؤدي إلى إبطاء الدبلوماسية وإدخال مناهج وشخصيات جديدة، وتبدأ عطلة النوروز في 21 مارس/ آذار ويصادف شهر رمضان في أبريل/ نيسان، مما يزيد من ازدحام التقويم.
إيران إنسايدر - (ترجمة هشام حسين)