دون حل يلوح في الأفق، لا تزال القوى السياسية العراقية ثابتة على مواقفها بين مؤيد لتشكيل حكومة أغلبية وآخرون يدعون لحكومة توافق، بعد أكثر من ستة أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة.
ويواجه العراق عقدة سياسية حقيقية في ظل عدة محاولات فاشلة شهدها البرلمان العراقي خلال الأشهر الماضية لتشكيل حكومة جديدة، مما يعني أن البلاد باتت أمام خيارات محدودة للخروج من الأزمة، وفقا لمراقبين.
يعود أصل الخلاف لفوز التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان الجديد الذي أفرزته الانتخابات المبكرة في أكتوبر الماضي.
أعلن الصدر منذ ذلك الحين أنه سيمضي بتشكيل حكومة أغلبية مع حلفائه من السنة والأكراد على غير العادة التي جرت في البلاد بعد عام 2003 والتي تضمنت تقاسم السلطة على مبدأ التوافق بمشاركة الجميع.
من أجل ضمان هذه التوجه شكل الصدر تحالفا ثلاثيا باسم "إنقاذ وطن" يضم نحو 155 نائبا، مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتكتل أحزاب سنية أبرزها حزب بقيادة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي.
لكن هذه الخطوة واجهت معارضة شرسة من الإطار التنسيقي، وهو تحالف شيعي نافذ يضم كتلة "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح التي تنضوي تحتها فصائل موالية لإيران، يرغب بحكومة توافقية بين جميع القوى الشيعية، كما جرت العادة.
عمدت قوى الإطار، التي تضم نحو 130 نائبا، إلى أسلوب مقاطعة جلسات البرلمان المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية، والتي تحتاج لنصاب الثلثين من عدد أعضاء مجلس النواب، مما حرم عطل المسار السياسي في البلاد.
الحل لا يزال بعيدا
يقول المحلل السياسي نجم القصاب، إنه "إلى هذه اللحظة ما يزال التيار الصدري مصر على حكومة الأغلبية، مع ترحيبه بمشاركة أي جهة بها لكن وفقا لشروط تحالف السيادة وشروط الصدر باعتباره الفائز الأول في الانتخابات".
ويضيف القصاب لموقع "الحرة" أنه وبالمقابل " لا تزال قوى الإطار متمسكة بخيار حكومة التوافق، وهذا مرفوض من قبل الصدر، لأنه يريد أن يستثمر فوزه في الانتخابات حتى لا يخسر جمهوره أو أصواته التي حصل عليها في الانتخابات".
ويؤكد القصاب أن "الانغلاق السياسي لا يزال حاضرا، لكن هناك بعض التسريبات ترجح أن تشهد الأيام المقبلة نوعا من الانفراج على صعيد اختيار رئيس الجمهورية ربما يؤدي لحل الأزمة".
بخلافه، فإن البلاد ستكون أمام مجموعة من "الخيارات الصعبة" التي قد تلجأ لها القوى الفائزة في الانتخابات المتمثلة بالصدر وحلفائه، وفقا للقصاب.
يتمثل الخيار الأول، بحسب القصاب، بإقالة بعض الوزراء، والمجيء بوزراء من الكتل السياسية الفائزة ومنح صلاحيات أوسع لحكومة رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي.
ويتابع القصاب أن "السيناريو الآخر، يتمثل بالتهديد بالنزول للشارع وإخراج جماهير التيار الصدري من أجل الضغط على القوى السياسية للحضور لجلسة البرلمان".
ويشير المحلل السياسي العراقي إلى أن الصدر قد يلجأ لخطوة أخيرة، عبر الطلب من الكتلة الصدرية الدعوة لحل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة، مبينا أن "هذا سيزيد الضغط على قوى الإطار التنسيقي وربما يجبرهم على التراجع والقبول بشروط الصدر".
حل البرلمان
وفي حال تواصل الانسداد السياسي، قد يجري اللجوء إلى حلّ البرلمان والذهاب لانتخابات مبكرة جديدة، وفقا لرئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري.
يحتاج هذا الخيار إلى أن يعرض ثلث أعضاء البرلمان حله أمام مجلس النواب، ثم يصوت المجلس نفسه بالنصف + واحد، ويحل البرلمان نفسه.
ويضيف الشمري في حديث لموقع "الحرة" أن "كل المؤشرات تقول إن الانغلاق سيستمر، خصوصا وأن الصدر أعلن عدم تحالفه مع قوى الإطار الموالية لإيران".
ويتابع الشمري أن "الانغلاق لا يرتبط فقط بتشكيل الحكومة، وإنما، حتى لو تشكلت من باقي الأطراف فسنصبح أمام ازمة كبيرة، لأن الصدر قد يلجأ إلى الشارع والمعارضة والتظاهرات والاعتصامات، وهذا يعني أن البلاد ستدخل في أزمة كبيرة".
يرى الشمري أن "الطبقة السياسية الحالية غير قادرة على إيجاد الحلول، وبالتالي يمكن أن تنخرط الأمم المتحدة بالذهاب نحو مبادرة لإصلاح النظام السياسي وإنهاء حالة الانغلاق".
يرجح الشمري أن تشهد الفترة المقبلة تجددا للاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد في أكتوبر 2019، ومهدت الطريق لانتخابات 2021.
يقول الشمري إن "هذه الاحتجاجات ستجبر الطبقة السياسية على حل البرلمان بعد تعديل قانون الاقتراع والمضي قدما نحو إقامة انتخابات جديدة وفق قانون جديد يختلف عن القانون الحالي الذي وضع وفق مصالح القوى السياسية".
ويختتم الشمري بالقول إن "حل البرلمان هو الخيار الأسلم للجميع، لإن اندلاع الاحتجاجات قد يؤدي للفوضى، وهذا بدوره قد يؤدي لخسارة القوى السياسية لمستقبلها"، مضيفا "إذا ما أرادت هذه القوى الحفاظ على مستقبلها فعليها أن تمضي قدما من اجل حل البرلمان بدلا من انتظار اندلاع الاحتجاجات".
المصدر: الحرة