تراجع اعتماد الصين على إيران في مجال الطاقة، ومن غير المرجح أن تعرض الصين علاقاتها مع السعودية والدول العربية الأخرى لصالح إيران، بينما تأمل طهران في الاستفادة من التعاون، يدرك الطرفان أن هذا ليس اتفاقا بين أنداد، لأن إيران بحاجة إلى الصين أكثر بكثير مما تحتاجه الصين، هذا ما طرحه الدكتور جيداليا أفترمان وهو رئيس برنامج سياسة آسيا في معهد "أبا إيبان" للدبلوماسية الدولية في مركز هرتسليا متعدد التخصصات (إسرائيل) في مقال تحليلي نشره موقع "ساوث تشينا مورنينغ بوست".
وقال الدكتور في مقاله وفقا لما ترجم "إيران انسايدر": "مباشرة بعد اجتماعه مع كبار الدبلوماسيين الأمريكيين في ألاسكا، شرع وزير الخارجية وانغ يي في جولة في ست دول في الشرق الأوسط، حيث كانت إيران محطته الثالثة، ووقع اتفاقية التعاون التي نوقشت منذ فترة طويلة بين الصين وإيران".
وكان هناك الكثير من التكهنات حول ما قد تعنيه الاتفاقية بالنسبة للمنطقة، ولمفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، ولفهم أهميتها بشكل صحيح، من الضروري قطع الضجيج المثار حولها، والحقيقة هي أن الصفقة رمزية للغاية، ولن تغير على الأرجح العلاقات الصينية الإيرانية بشكل كبير.
اهتمام الصين بإيران متجذر في سعيها للحصول على إمدادات الطاقة، إذ تمتلك إيران ثاني أكبر احتياطيات من النفط الخام في المنطقة، وتحتل موقعا رئيسيا في مبادرة الحزام والطريق الصينية، ويمكنها أن تفتح ممرًا بين الصين وباكستان وإيران لبكين.
بالنظر إلى أن بكين قد وقعت بالفعل اتفاقيات مماثلة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فإن توقيعها مع طهران لا يمثل مفاجأة.
تم تقديم الصفقة على أنها اتفاقية بقيمة 400 مليار دولار، تهدف إلى مبادلة الاستثمار والتعاون الصيني بالنفط الإيراني، وتسمح مسودة الاتفاقية التي وزعتها طهران في عام 2020 برؤية أكثر واقعية لها.
ولا يبدو الاتفاق الحالي مختلفا بشكل كبير عن اتفاق سابق تم توقيعه في عام 2016 ، كما أنه لا ينص على أهداف واضحة، يبدو أنها خريطة طريق طموحة طويلة الأجل، وليست تحالفا استراتيجيا رائدا.
تحدد الاتفاقية مجالات التعاون المحتملة، بما في ذلك قطاعات الطاقة والبنوك والبنية التحتية والصناعة والتعاون في مجال الاستخبارات ومكافحة الإرهاب والاستثمار الصيني في العديد من الموانئ الإيرانية.
وأثار التعاون العسكري المحتمل بين إيران والصين، خاصة بعد التدريبات البحرية الصينية الروسية الإيرانية في شمال المحيط الهندي في عام 2019، بعض المخاوف.
بالنظر إلى تعاونها الثنائي الاتجاه المتنامي مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، من المرجح أن يكون للصين اهتمام ضئيل -وقدرات مشكوك فيها- في أن تصبح موردا رئيسيا للأسلحة لإيران.
في عام 2016، وقعت الصين وإيران شراكة استراتيجية شاملة بهدف معلن للوصول إلى حجم تداول بقيمة 600 مليار دولار أمريكي، في غضون عقد من الزمن، ومع ذلك، شهدت التجارة الصينية الإيرانية انخفاضا مطردا في السنوات الأخيرة.
ويبلغ حجم التجارة الثنائية حاليا 20 مليار دولار أمريكي سنويا، وهو انخفاض كبير من 52 مليار دولار أمريكي في عام 2014، ويرجع ذلك جزئيا إلى العقوبات الأمريكية.
وفي عام 2019 استوردت الصين 17 في المائة من نفطها من المملكة العربية السعودية، وحوالي 10 في المائة من العراق وحوالي 3 في المائة فقط من إيران، وبشكل عام، تراجع اعتماد الصين على إيران كمورد للطاقة بشكل كبير.
وأثبتت بكين قدرتها على حساب مخاطر وفوائد علاقاتها الدبلوماسية والتجارية، لذلك، من غير المرجح أن تعرض الصين علاقاتها المتنامية مع السعودية والدول العربية الأخرى للخطر لصالح إيران.
في حين أن العلاقات الصينية الإيرانية مهمة لبكين، إلا أنها ليست أولوية بالضرورة، وبينما تأمل طهران في الاستفادة من التعاون، يدرك الطرفان أن هذا ليس اتفاقا بين أنداد، إيران بحاجة إلى الصين أكثر بكثير مما تحتاجه الصين.
اعتبرت بكين الشرق الأوسط تقليديا منطقة نفوذ أمريكية، لكن مشاركة بكين في المنطقة في العقد الماضي تتحدى هذا النموذج، وبالتالي، يجب النظر إلى العلاقات الصينية الإيرانية في سياق صراع القوى العظمى بين الصين والولايات المتحدة.
إيران لاعب استراتيجي مهم في المنطقة، وهي تمثل فراغا في وصول الولايات المتحدة للشرق الأوسط وفرصة للصين للانخراط، لقد جعلت تكتيكات "الضغط الأقصى" الأمريكية إيران أكثر اعتمادًا على الصين، التي تتطلع إلى تخفيف عزلتها عنها.
مثل هذا الاتفاق، حتى لو كان رمزيا فقط، قد يكون ورقة قيّمة للعب في الانتخابات الرئاسية القادمة في إيران، حيث يحتفل الرئيس الإيراني حسن روحاني بالاتفاق باعتباره إنجازا.
وقد تساعد آفاق الاستثمار الصيني إيران على إنهاء عزلتها والاستفادة من وضعها الحالي في إعادة التفاوض بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة.
بعد إثارة المخاوف، يُظهر الإعلان عن الاجتماع الذي تم بوساطة الاتحاد الأوروبي بين مجموعة 4 + 1 وإيران، أن الاتفاق الصيني الإيراني لا يوجه ضربة قاضية لجهود إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.
كما أن للصين مصلحة في إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة وإنهاء عزلة إيران، فقد دعت إلى رفع العقوبات عن إيران وإلى شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية.
ومن المهم التذكير أنه مثلما يبدو أن الصين تستخدم الاتفاقية الحالية لتخفيف الضغط عن إيران، وإرسال إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة، يمكنها أيضا، إذا اختارت ذلك، استخدام نفس الاتفاقية لتحفيز إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات.
إيران إنسايدر – (ترجمة هشام حسين)