الطائرات المسيرة.. حرب تستعر من اليمن إلى سوريا مرورا بلبنان والعراق

فرضت الطائرات المسيرة "الدرونز" نفسها على المشهد العسكري في عدد من الدول، وباتت سلاحا فعالا في المعارك التي تخوضها جماعات مسلحة ضد دول أو العكس، وتستخدم لأغراض عسكرية كتوجيه ضربات وتنفيذ عمليات اغتيال عابرة للحدود أو بهدف التجسس خلف خطوط العدو وإرسال الإحداثيات والتحصينات لغرف عمليات من أجل شن هجمات مدفعية أو جوية. 

وأخذت هذه الطائرات أهميتها كون رخيصة الثمن، ولا تتسبب بوقوع أي خسائر بشرية، وباتت تشكل جزء من الميزانيات العسكرية للدول تتجاوز 100 مليار دولار في عام 2019.

لمحة تاريخية

ظهرت أول طائرة دون طيار في إنجلترا عام 1917، ثم طُورت عام 1924، ومنذ الحرب العالمية الأولى، كانت الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة، أولى الدول استخداما لها في جيوشها، ثم لحق بها الاتحاد السوفياتي في ثلاثينيات القرن الماضي، وأتاحت الحرب العالمية الثانية 1939-1945، والحرب الكورية 1950-1953، المجال لاستخدامها من قبل الولايات المتحدة في الأغراض التدريبية، بحسب ورقة دراسة أعدها الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية علي الذهب.

كما استخدمت كصواريخ موجهة في تلك الحرب، وفي التصدي للطائرات الحربية المأهولة بالطيارين، وكانت الواحدة منها تُستخدم في كل غرض من تلك الأغراض مرة واحدة، لذلك أنتجت منها نحو 15000 طائرة عبر مصنع يقع جنوبي كاليفورنيا.

وبرز دور "الدرونز" في المجال الاستخباري بعد حرب فيتنام 1955-1975، وزودت لأول مرة بالصواريخ في الهجوم على كوسوفا عام 1999.

وتتطلع كثير من الدول إلى تطوير هذا السلاح لإحلالها محل الطائرات الحربية والقاذفات بما في ذلك القاذفات النووية، وتهيمن كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على صناعتها، وتعتبر الأخيرة المصدر الرئيس لها عالميا.

وتصنف من حيث الشكل إلى ثلاثة أشكال: (ذات أجنحة ثابتة، وعلى شكل طائرة مروحية، وعلى أشكال خداعية).

أجهزة التشغيل

يجري التحكم بإقلاع وهبوط بعض الطائرات دون طيار التي تطير لمسافات قريبة بواسطة أدوات تحكم مختلفة، وعبر موجات الراديو، التي تطير منها مئات الكيلومترات يكون التحكم بها بواسطة الأقمار الاصطناعية التي تضمن استدامة الاتصال اللاسلكي معها، عادة ما تُحدَّد لها نقاط مسارها لتقوم بتوجيه نفسها ذاتيا بواسطة نظامها الآلي وبناء على إحداثيات محددة سلفا.

ومكن النظام العالمي لتحديد الموقع "جي بي أس" (GPS) من تسهيل تحديد مكان الانطلاق للعودة إليه تلقائيا إذا تطلب الأمر ذلك.

وتعمل أجهزة الاستشعار التي تُزوَّد بها الطائرة مثل الكاميرات الضوئية العادية، وتلك التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء والرادار، على كشف التحديات التي تواجهها ليقوم نظام الطيران الآلي بإرسال كافة المعلومات إلى الطيار الأرضي فيعمل "نظام تفادي الصدمات" على تجنب وقوع التصادم عن طريق نظام الطيار الآلي، وليس الطيار الأرضي.

ولعبت أنواع مختلفة منها دورا في العمليات التي نفذتها واشنطن بالخارج، خصوصا فيما سمي "الحرب على الإرهاب"، واستغل الحوثيون ما تقدمه هذه الطائرات من ميزات، وتمكنوا من قصف مناطق ومنشآت حيوية بالسعودية.

واختصرت الطائرات دون طيار متغيرات كثيرة في الحروب، مثل التكلفة البشرية والمادية، والزمان والمكان، ومفهوم القوة، علاوة على أنها وفرت تسهيلات مختلفة لكل من تقع في قبضته هذه التقنية، ولعبت دورا بارزا ومتنوعا في كثير من الحروب، وحفَّزت الدول على تصنيعها أو الحصول عليها.

الحوثيون

في 28 شباط/فبراير 2017، كشف الحوثيون عن تصنيعهم طائرات دون طيار ذات مهام "هجومية واستطلاعية، ورصد ورقابة"، مؤكدين أنها أُخضعت لتجارب "ناجحة في الميدان".

ومنذ لك التاريخ، تشن ميليشيا الحوثي هجمات بطائرات مسيرة على حواضن مدنية ومنشآت عسكرية وخدمية بالمملكة العربية السعودية، واستخدمت الميليشيا هذه الطائرات "المسيَّرة" لتحقيق أهداف دعائية، حيث أعلنوا مرات عدة، استهداف مطارات سعودية وإماراتية، وهو ما نفته سلطات البلدين.

وظهرت طائرات ميليشيا الحوثي المسيرة في المشهد من جديد، بعد أن أعلنت الميليشيا المسلحة عن استهداف حقلين يتبعان لشركة آرامكو وحقل الشيبة النفطي الواقع شرق المملكة بعشر طائرات مفخخة بدون طيار، في حين أكدت ميليشيا الحوثي استهداف عدة مطارات سعودية في أوقات سابقة بطائرة "k2".

صناعة إيرانية

كشفت مؤسسة "خدمات بحوث التسلح" أن أنظمة الطائرات المُسيَّرة التي تقول مليشيا الحوثي إنها صنعتها محليا هي صناعة إيرانية هُربت إليهم في اليمن.

وقالت المؤسسة إنها تمكنت من توثيق سبع طائرات مسيرة تابعة لمليشيا الحوثي. ويكشف التقرير أن الأرقام التسلسلية تضمنت سبعة أرقام ورقم الدفعة، وهو ما يمثل خط إنتاج التصنيع.

كما يكشف التقرير أن الحوثيين يستخدمون تلك الطائرات أسلحةً انتحارية حيث يوجهونها للاصطدام برادارات صواريخ باتريوت أرض-جو.

وقالت المؤسسة "أن تظهر في اليمن طائرات مسيّرة تصمم وتصنع في إيران فهذا يؤكد دعم طهران المادي لمليشيا الحوثي وصالح ودورها في تمكين المليشيا من إجراء عمليات متطورة جدا".

وقال خبير الأسلحة الحربية نيك جينزين جونز مدير مؤسسة خدمات بحوث التسلح (أرمامنت ريسيرش سيرفسز) -التي تعقبت عتادا إيرانيا انتهى به المطاف في اليمن- إن كميات الأسلحة قد زادت ونوع الذخائر تطور.

وأوضح جونز أن عمليات النقل الأخيرة "شملت أسلحة وذخائر، والطائرات المسيرة الإيرانية أبابيل المزودة برؤوس حربية شديدة الانفجار، كما أن هناك شبهات في نقل صواريخ مضادة للسفن وصواريخ محمولة على الكتف".

وكشفت مصادر إقليمية وغربية أن إيران كثفت مؤخرا إرسال شحنات أسلحة متطورة ومستشارين عسكريين إلى الحوثيين في إطار توجه لتمكين حلفائهم من تعزيز سيطرتهم في المنطقة وتغيير ميزان القوى.

وتقول مصادر إن الدعم الإيراني يضاهي الاستراتيجية التي انتهجتها طهران لدعم حليفها حزب الله اللبناني في سوريا.

وعن كيفية الإمدادات الإيرانية للحوثيين، تقول مصادر إن طهران تستخدم سفنا لتوصيل إمداداتها لحلفائها في اليمن، إما مباشرة أو عبر الصومال، لتتحايل على جهود التحالف العربي لاعتراض الشحنات.

إسقاط طائرة إيرانية

وفي 20 حزيران/يونيو، أسقطت إيران بصاروخ أرض-جو طائرة بدون طيار أمريكية فوق مياه مضيق هرمز، حسبما قال الجيش الأمريكي.

وقال الجيش الأمريكي إن إعلان إيران أن الطائرة استُهدفت في الأجواء الإيرانية "كاذب".

وقال الحرس الثوري الإيراني إنه أسقط طائرة أمريكية بدون طيار بعد أن دخلت المجال الجوي الإيراني، قرب كوهموباراك في إقليم هورموزكان الجنوبي.

وتقول شركة نورثروب غرومان المصنعة للطائرة في موقعها على الإنترنت، إن ذلك النوع من الطائرات يستطيع الطيران لمدة 24 ساعة متواصلة على ارتفاع أكثر من 10 أميال، والعمل على مساحة 8200 ميل بحري.

وقال الحرس الثوري الإيراني إن في إسقاط الطائرة "رسالة واضحة" للولايات المتحدة.

هجمات بالعراق

قالت مصادر لإيران إنسايدر، يوم الأحد 25 آب أغسطس، إن ستة عناصر من ميليشيات الحشد الشعبي بينهم قيادي قتلوا جراء قصف بطائرات مسيرة على "اللواء 45" في قاطع عمليات الأنبار، (غرب العراق) على الحدود مع سوريا.

وعلى مدار الشهرين الماضيين، تعرضت أربعة مقرات تابعة للحشد الشعبي لقصف بطائرات مسيرة، استهدفت مخازن سلاح لميليشيات مدعومة بشكل مباشر من إيران، واتهم الحشد الشعبي بشكل صريح بوقوف واشنطن التي تقود التحالف الدولي وراء عمليات القصف.

مصادر قالت لإيران إنسايدر إن القصف الجوي نفذته ثلاث طائرات إسرائيلية، اثنتان منها مسيرة وأخرى مقاتلة حربية، واستهدف عربتين ومخزنا للعتاد.

اتهام لإسرائيل

واتهم الحشد الشعبي، إسرائيل، للمرة الأولى رسميا بالوقوف وراء الهجوم. وقالت القوات إنه "ضمن سلسلة الاستهدافات الصهيونية للعراق عاودت غربان الشر الإسرائيلية استهداف الحشد الشعبي، وهذه المرة من خلال طائرتين مسيرتين في عمق الأراضي العراقية بمحافظة الأنبار".

وقال أبو ولاء الولائي الأمين العام لكتائب "سيد الشهداء" -أحد فصائل الحشد الشعبي في العراق- إن 13 معسكرا للحشد قصفت خلال عام واحد فقط.

عملية الضاحية

استهدفت إسرائيل بطائرتين مسيرتين شخصية رفيعة من "حزب الله" اللبناني بالقرب من أحد المقرات الرئيسية للحزب في الضاحية الجنوبية ببيروت.  

وقال زعيم "حزب الله" اللبناني حسن نصرالله، يوم الأحد، إنهم سيفعلون كل ما بوسعهم لمنع إسرائيل من إرسال مزيد من الطائرات المسيرة إلى بيروت ولن يسمحوا لإسرائيل بقصف مواقعهم بلبنان بعد الآن، مؤكدا أن القصف الذي استهدف بلدة جنوب دمشق مركز لـ"حزب الله".

وأضاف نصر الله، المدعوم من إيران، "ما حصل ليلة أمس هجوم على هدف بالضاحية الجنوبية، وهو أول عمل عدواني منذ آب/أغسطس 2006" الخاضعة لسيطرة حزب الله.

وتابع قائلا "هذا أول خرق واضح وكبير لقواعد الاشتباك التي رسمت في عام 2006".

وأوضح نصر الله أن المكان -الذي استهدفته إسرائيل في بلدة عقربا جنوب دمشق مساء السبت، مركز لـ"حزب الله".

وأضاف "لن نسمح في لبنان بمسار يماثل ما وقع للحشد الشعبي في العراق، وسنفعل كل شيء لمنعه".

رواية الحزب

وفي السياق، قال مسؤول في "حزب الله"، فجر يوم الأحد 25 آب/أغسطس، إن الحزب أسقط طائرتين إسرائيليتين مسيرتين في الضواحي الجنوبية من بيروت.

وسمع دوي انفجارين في بيروت فجر الأحد، قال مسؤول في "حزب الله" أنهما نتيجة ناجمين عن إسقاط طائرتين مسيرتين إسرائيليتين.

وتداول ناشطون صورا قالوا إنها لحطام الطائرات المسيرتين بعد إسقاطهما من "حزب الله" المدعوم من إيران.

وقال مسؤول في "حزب الله"، يوم الأحد، إن طائرة مسيرة سقطت كما انفجرت طائرة مسيرة ثانية قرب الأرض وسببت بعض الأضرار عندما سقطت قبل الفجر قرب المركز الإعلامي للجماعة، في أول حادث من نوعه منذ أكثر من عشر سنوات.

في سوريا.. طائرات باتجاهين

وتعتمد فصائل المعارضة السورية على طائرات مسيرة ذات تأثير محدود، وتستخدم كطائرات انتحارية تستهدف القواعد العسكرية لروسيا في حميميم (اللاذقية) وفي ريف حماة (وسط سوريا)، وتمكنت فصائل المعارضة من إلحاق ضرر بالغ بعدد من الطائرات الرابضة على أحد المدرجات في القاعدة الروسية.

وذكرت صحيفة "كومرسانت" الروسية بتاريخ 4 كانون الثاني/يناير ممطلع العام الجاري، أن 7 طائرات روسية على الأقل دمرت عندما أطلق مسلحون من المعارضة قذائف على قاعدة حميميم الجوية السورية في 31 ديسمبر/كانون الأول 2018.

وقالت الصحيفة في تقرير لها إن "دبلوماسيين-عسكريين قالوا إن القصف دمر ما لا يقل عن أربع قاذفات من الطراز سوخوي-24 ومقاتلتين من الطراز سوخوي-35 إس وطائرة نقل من الطراز أنتونوف-72 فضلا عن مستودع ذخيرة".

في الوقت الذي تستخدم فيه روسيا الطائرات المسيرة لأغراض عسكرية ومهام تجسسية وتشويش في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية، وساهمت هذه الطائرات –التي أسقطت فصائل المعارضة عددا منها منذ تدخل روسيا في سوريا في 30 أيلول/سبتمبر من عام 2015- بتقدم روسيا البري على الأرض من خلال تحديد مواقع تحصينات المعارضة واستهدافها بعد إرسال الإحداثيات إلى مركز حميميم.

كما استخدمت واشنطن طائرات "الدرونز" في حربها ضد تنظيم الدولة "داعش"، منذ تدخلها وقيادتها للتحالف الدولي عام 2014، ونفذت عددا من عمليات الاغتيال لقادة في تنظيم داعش وجبهة النصرة.

بدوره، استخدم تنظيم داعش الطائرات المسيرة المفخخة ونشر تسجيلات مصورة أثناء إطلاقها لاستهداف مقرات لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من واشنطن، ولكن لم يكن تأثيرها واسعا وبقي محدودا نتيجة القصف الأمريكي على مخازن سلاح التنظيم واستهداف عتاده العسكري.

المصدر: إيران إنسايدر

اليمن