قال الكاتب فيليب سميث بمقال نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن مختلف القبائل العراقية بدأت تشيح بوجهها عن إيران بعد أن كانت من غلاة الداعمين لها.
وأضاف الكاتب سميث - وهو باحث في جامعة ماريلاند- إن ما بين تصعيد وتيرة الاحتجاجات على نطاق واسع واستقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أخيرا، لفتت الأحداث العراقية الأخيرة الانتباه إلى مستقبل النفوذ الإيراني في العراق.
وقال سميث، إن عددا من القبائل العراقية النافذة في جنوبي العراق شرعت في تنحية عصبيتها الطائفية التقليدية جانبا جراء غضبها من انتهاكات الفصائل الموالية لإيران، وإخفاقات حكومة بغداد الكثيرة من أجل حماية احتياجاتها الأساسية مستخدمة في سبيل ذلك العنف أحيانا.
وغالبا ما يجري تصوير طهران على أنها متحكمة في مليشيات شيعية ووكلاء آخرين يعملون لخدمة أهدافها في العراق، غير أن العديد من تلك الأطراف -بحسب الكاتب- لها ولاءات قبلية أيضا، وتنخرط بإطراد في الصراع إما ردا على تصرفات جماعات موالية لإيران ضد زعماء القبائل وإما بسبب إخفاق المليشيات إلى حد كبير في توفير الأمن أو في كبح جماح الفساد.
نتائج عكسية
وقال الكاتب إن عشائر خفاجة -التي تعد إحدى القبائل الشيعية الكبيرة في جنوبي العراق- تصلح نموذجا من شقين رئيسيين، أحدهما يفسر الكيفية التي تجنح بها القبائل نحو موالاة إيران التي تعد فرس الرهان الأقوى في الصراع، والآخر يشرح كيف يمكن أن تأتي محاولات طهران للضغط عليها بنتائج عكسية.
وإبان حكم الرئيس الراحل صدام حسين، دفعت قبيلة خفاجة بالآلاف من عناصرها للتجنيد في صفوف القوات المسلحة عندما كانت الحرب الإيرانية العراقية تدور رحاها، وحين تمرد "إخوانهم الشيعة" في الجنوب ضد صدام عام 1991.
وفي وقت لاحق، وتحديدا عندما بلغ الاحتلال الأميركي للعراق منتهاه واستحالت الانتفاضة السورية إلى حرب، بدأت العديد من عشائر خفاجة في الانحياز أكثر وأكثر إلى جانب التنظيمات الموالية لإيران.
وفي عام 2012، على سبيل المثال، انشق أوس الخفاجي -أحد شيوخ القبيلة- عن زعيم التيار الصدري لمقتدى الصدر وأنشأ "قوات أبي الفضل العباس" التي استخدمها في تجنيد مقاتلين لمساندة نظام بشار الأسد.
زعيم قبلي آخر هو الشيخ رعد الخفاجي قيل إنه كان قائدا لكتائب حزب الله "أشد الجماعات تعصبا وموالاة لإيران" وقد صنفتها الولايات المتحدة "تنظيما إرهابيا".
على أن موقف قبيلة خفاجة من تلك الارتباطات بدأ يتغير في شباط/فبراير 2019 عندما اعتقلت قوات الحشد الشعبي الشيخ أوس الخفاجي وأغلقت مقرات قوات أبي الفضل العباس.
ووفقا لمقال معهد واشنطن؛ فإن الحشد الشعبي أقدم على الاعتقال بسبب اتهام أوس الخفاجي لإيران بتورطها في اغتيال الكاتب والروائي علاء مجذوب الخفاجي الذي عرف بانتقاده تدخل طهران في العراق.
واتسم موقف الشيخ أوس من الأحداث الأخيرة بتأييده المعلن للاحتجاجات المناهضة للحكومة العراقية. وحذا شباب القبيلة حذوه فنصبوا الشعارات الداعمة للاحتجاجات حول بغداد.
ثمة قبائل أخرى، بعضها ذات أغلبية شيعية وأخرى مختلطة أو سنية في الغالب، بدأت الآن تُنحي جانبا اختلافاتها الطائفية لتتبنى توجها أكثر وحدوية إزاء الضغوط التي تمارسها إيران والموالين لها في البلاد وتجاهل بغداد لها، وخوفها الدائم على الأمن.
ولعبت عناصر قبلية دورا كبيرا في إذكاء جذوة الاحتجاجات. ففي بغداد والبصرة وذي قار وميسان، بادرت تلك العناصر باستخدام أساليب في الاحتجاجات تمثلت في إغلاق الطرق وحتى اللجوء للعنف. وبرز الجنوح نحو الثأر -برأي فيليب سميث- بعد مقتل العديد من المتظاهرين.
مقتدى الصدر
أما مقتدى الصدر، حاول من جانبه أن يتصرف بوصفه واجهة سياسية لأولئك المحتجين ضد النفوذ الإيراني وانتهاكات الحكومة. وشهدت مدينة الصدر -المعقل الرئيسي لأنصاره- بعضا من أكبر المظاهرات الاحتجاجية.
ويبقى السؤال: ما خيارات الولايات المتحدة إزاء ما يحدث في العراق؟
يقول سميث إن على صناع السياسة الأميركية، الذين ينشدون إبعاد القبائل الشيعية والسنية عن إيران، التصدي للقضايا الحقيقية التي يركز عليها حاليا العراقيون.
فعلى سبيل المثال -والحديث لا يزال لسميث- ينبغي على الولايات المتحدة، التي طالما انصب اهتمامها على تقديم الحلول الأمنية والعسكرية لحكومة بغداد، إبراز قوتها الناعمة والخشنة في وجه إيران عبر إيلائها اهتماما أكبر بإعادة تدريب وتجهيز بعض القطاعات المنتمية للقبائل الشيعية المحلية، ومنحها الوسائل اللازمة للتعبير عن همومها ومشاكلها.
المصدر: الصحافة الأمريكية