دوّت صافرات الإنذار على مدار دقائق معدودة في مختلف البلدات الإسرائيلية، إذ أعلنت قيادة الجبهة الداخلية عن حالة الطوارئ، أعقبها بنحو 10 دقائق أصوات انفجارات في السماء، تبعتها انفجارات أخرى هزت عمق المدن الإسرائيلية، فيما تعالى صوت المنادي من الإذاعات والتلفزة محذرا: "هجوم مضاد.. هجوم مضاد.. هجوم مضاد".
تعكس هذه الكلمات، سيناريو محتمل لمشاهد حرب صعبة وكارثية لم تشهدها الجبهة الداخلية الإسرائيلية من قبل، حيث يحاكي الجيش حربا لمواجهة هجوم صاروخي مضاد من قبل الحرس الثوري الإيراني، بعد ضرب إسرائيل منشآت نووية إيرانية.
ومساء الخميس الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي اختتام مناورة عسكرية حملت اسم "القبضة الساحقة" استمرت أسبوعين، وذلك للتدريب على خوض حرب على عدة جبهات، تشمل: قطاع غزة، والضفة الغربية، وسوريا، ولبنان، وكذلك إيران.
وقال الجيش في بيان "اختتمت مناورة القبضة الساحقة حيث قام جيش الدفاع على مدار الأسبوعين الأخيرين بتمرين قواته النظامية والاحتياطية بدءا بالقيادة العامة وانتهاء بالوحدات العملياتية، حيث حاكى التمرين التعامل مع التحديات العملياتية لكافة الساحات وعلى عدد من الساحات بشكل متزامن".
ووفقا للتقديرات الإسرائيلية، ستتكبد تل أبيب خسائر بشرية وأضرارا بالممتلكات وبمشاريع البنى التحتية، وستعيش مشاهد دمار وخراب لم تعهدها منذ النكبة 1948، وذلك بسبب الهجمات الصاروخية المكثفة التي ستطال مئات المواقع والمنشآت، من قبل فصائل مسلحة حليفة لإيران في العراق، وسوريا، ولبنان، فضلا عن قطاع غزة.
بحسب مراسل الشؤون العسكرية لموقع "والا" أمير بوخبوط، استهدفت مناورة "القضبة الساحقة" التحضر لسيناريو قصف مناطق حيفا والجليل والشمال، بالقذائف الصاروخية والصواريخ طويلة المدى ذات رؤوس ثقيلة بالمتفجرات.
وتسببت الحصيلة الأولية للصواريخ التي أطلقت من إيران ومن قبل فصائل موالية لطهران، تجاه المناطق الشمالية في إسرائيل بتدمير شامل لنحو 500 موقع ومنشأة حيوية والمئات التي ستضرر بشكل جزئي، وكذلك مقتل 100 إسرائيلي وإصابة ألف بجروح متفاوتة.
يعتقد مراسل الشؤون العسكرية أن إسرائيل تتعامل بجدية مع سيناريو يحاكي حربا متعددة الجبهات، مشيرا إلى أنه لا يمكن تصور سير الحرب وحجم الخسائر والأضرار ومدى صمود وتقبل الجبهة الداخلية للرشقات الصاروخية من كافة الاتجاهات.
وحيال ذلك، تتحضر إسرائيل لحرب متعددة الجبهات ومعارك غير تقليدية التي تختلف كليا عن الحروب السابقة، حيث أتت مناورة " القضبة الساحقة" لتعكس مدى السيناريو المتطرف وغير المعهود الذي تتعامل معه المؤسسة العسكرية، ويتحضر له الجيش الإسرائيلي بشكل جدي.
اعتمادا على تقييمات المؤسسة العسكرية، رجح بوخبوط أن الجبهة الداخلية ستشتعل، وخلافا للحروب السابقة، ستتكبد خسائر بشرية وأضرارا بالبنى التحتية، ويعم شلل تام بالمؤسسات الخدماتية الحيوية.
ليس مستبعدا، بحسب مراسل الشؤون العسكرية، أن تفقد مؤسسات الدولة المختلفة قدرتها التشغيلية والوظيفية وتصاب بالشلل التام سواء جراء انقطاع التيار الكهربائي، أو إمدادات المياه، وكذلك تعليق المواصلات والطيران.
ولذلك حاكى سيناريو المناورة استهداف وتضرر شبكات الكهرباء، والمياه، والطرقات والمواصلات، والمنشآت الحيوية والإستراتيجية والقواعد العسكرية، التي ستكون في مرمى الصواريخ التي ستلحق بها دمارا شاملا لم تشهده إسرائيل من قبل.
في مؤشر لعدم جهوزية الجبهة الداخلية، يشير بوخبوط إلى أن سيناريو حرب متعددة الجبهات يلمح إلى تدمير مئات المواقع، وسقوط المئات بين قتلى وجرحى، وكذلك خلق حالة من الفوضى بترك المستخدمين والموظفين والعمال للمنشآت الحيوية، خوفا وهربا من الصواريخ التي ستطال أيضا مناطق مأهولة.
وكرر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، تصريحاته التي تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي يواصل تحضيرات للقتال على عدة جبهات، وكذلك التحذير من التموضع العسكري الإيراني في سوريا، وتداعيات التقدم الذي أحرزته طهران في تخصيب اليورانيوم وفي مشروعها النووي.
وتقاطعت تصريحات هاليفي مع توجه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" أهارون حاليفا، الذي حذر من إمكانية أن تشهد المنطقة حربا كبرى، قائلا إن "زعيم حزب الله حسن نصر الله، يقترب من ارتكاب خطأ قد يجر المنطقة لحرب كبرى، حيث يضع نصر الله إسرائيل أمام تحديات غير مسبوقة، إذ لم يجرؤ في الماضي على ذلك".
حرب كبرى
من الأفضل لإيران أن تظل دولة عتبة نووية تلقي بظلالها وتهديداتها الخطيرة على بيئتها والدولة الإقليمية، بدلا من صراع وحرب شاملة وخاصة مع إسرائيل التي يجب أن تكون من جانبها على أهبة الاستعداد لأي سيناريو مثل الحرب الشاملة، بحسب الباحث في الشؤون الأمنية والشرق الأوسط في جامعة تل أبيب البروفيسور إيال زيسر.
وأوضح زيسر أنه على الرغم من التلميح بالجهوزية والتحذير المتصاعد من إمكانية اندلاع حرب شاملة ومتعددة الجبهات، فإن سيناريو "القبضة الساحقة" يضاف أيضا إلى الحرب النفسية لردع إيران مع حلفائها، وكذلك رسائل داخلية للمجتمع الإسرائيلي للوحدة والتحضر لكافة السيناريوهات وضمنها حرب شاملة.
يقدر زيسر أن هذا السيناريو قريب إلى الواقع ويمكن أن يتحقق، لكن حربا من هذا القبيل لم تشهدها المنطقة من قبل ستكون كارثية على الجميع، خاصة أن الحرب ستبقى بلا حسم، وبالتالي تأتي التصريحات لكبار المسؤولين في إسرائيل التي تهدف إلى التحذير والردع.
وأضاف أن التجارب السابقة تظهر أن "نصر الله غالبا ما يرى ويفهم مثل هذه التحذيرات على أنها تعبير عن الضعف والخوف من الجانب الإسرائيلي، وهذا يشجعه فقط على مواصلة أفعاله".
ولفت إلى أن "الحرب مع حزب الله ليست لعبة أطفال، وهي بالتأكيد ليست تكرارا للإجراءات المضادة الناجحة التي نفذتها إسرائيل ضد الجهاد الإسلامي في غزة، لكن في كل مواجهة مباشرة مع حزب الله في الماضي، كان للجيش الإسرائيلي اليد العليا".
ويعتقد أن التصريحات والتهديدات لا تكفي لكسب وحسم المعركة، مضيفا "فإذا وجدت إسرائيل نفسها مترددة في اتخاذ القرار ودون تحديد أهداف الحرب المحتملة، وإذا لم تكن الجبهة الداخلية مستعدة بشكل صحيح للمواجهة، هذا يعني أن إسرائيل لم تفعل شيئا لسيناريو حرب شاملة".