تتواصل المظاهرات في شتى المدن العراقية للمطالبة بإسقاط النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية، في الوقت الذي يبدو أن السلطات الأمنية بتوجيه إيراني تحاول إنهاء الاحتجاجات بالحديد والنار.
وأسفرت الاحتجاجات المستمرة التي تهز العراق منذ مطلع شرهين تشرين الأول/أكتوبر، عن مقتل 319 شخصا غالبيتهم من المتظاهرين، حسب حصيلة رسمية أعلنت صباح الأحد، وإصابة أكثر من 12 ألفا، خلال أقل من شهر.
إجهاض الثورة
وكشفت مصادر عن اتفاق القوى السياسية الكبرى في العراق على إجهاض الثورة العراقية، ولو استخدمت في سبيل ذلك أقصى قوة مفرطة قاتلة بحقهم.
وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية، أن سياسيين عراقيين كشفا لها اتفاق القوى العراقية الأبرز في العراق على إخماد الاحتجاجات والتظاهرات الحاشدة ولو بالقوة المفرطة المميتة.
وقال المسؤولان للوكالة إن الاتفاق سيبقي على عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء، مقابل إصلاحات شكلية وإنهاء الاحتجاجات بالكامل.
وكشفا أن الأحزاب السياسية اتفقت خلال اجتماع ضم غالبية قيادات الكتل الكبيرة على التمسك بعادل عبد المهدي والتمسك بالسلطة مقابل إجراء إعلان إصلاحات في ملفات مكافحة الفساد وتعديلات دستورية، على أن يتم دعم الحكومة في إنهاء الاحتجاجات بكل الوسائل المتاحة.
وقال المسؤولان أن ائتلاف النصر برئاسة حيدر العبادي رفض الاتفاق، وأكد على أن الحل يكمن في رحيل عبد المهدي وبدء إصلاحات حقيقية على رأسها حصر السلاح في يد الدولة ومكافحة الفساد.
وأضاف المسؤولان أن زعيم التيار الصدري وتحالف سائرون مقتدى الصدر قاد الاتفاق، بعد لقاء جمعه وقاسم سليماني ومحمد رضا السيستاني نجل المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني، وهو ما أسفر عن استمرار ترسيخ سلطة إيران الطائفية على مقاليد الحكم في العراق.
وأكد الاتفاق على ضرورة الحفاظ على تحالفات "البيت الشيعي" في مواجهة الخطر الأمريكي والغربي، وأن يتم حل الخلافات البينية بين الكتل والأحزاب داخل البيت الواحد.
وهو ما جرى الاتفاق عليه بين كتلة سائرون وكتلة الحكمة بزعامة عمار الحكيم، فضلا عن هادي العامري زعيم منظمة بدر وقائد تحالف الفتح.
وقالت مصادر إن هذا الاتفاق أعطى الضوء الأخضر للميليشيات والقوات الأمنية باقتحام الجسور التي سيطر عليها المتظاهرون والتعامل معهم بالقوة المفرطة، وهو ما قابله المتظاهرون بسلمية كاملة رفضا للرد بعنف مع إعلانهم عدم التخلي عن مطالبهم.
وأضافت أن القمع وآلة القتل استوحشت بصورة كبيرة بعد انتهاء اجتماعات جمعت قائد فيلق القدس قاسم سليماني وقادة الحشد الشعبي في العراق وعلى رأسهم أبو مهدي المهندس الأسبوع الماضي والتي خلصت إلى ضرورة تصفية الثورة والقضاء على محركيها.
بدورهم، أعلن المتظاهرون النفير العام في شوارع بغداد لمواجهة القتلة، خاصة بعد دخول قوات مكافحة الشغب على خط إطلاق الرصاص الحي بعد دعمها بعناصر تابعة للمليشيات الإيرانية.
مظاهرات العراق
ويشهد العراق احتجاجات شعبية عنيفة بدأت من بغداد للمطالبة بتحسين الخدمات العامة وتوفير فرص العمل ومحاربة الفساد، قبل أن تمتد إلى محافظات في الجنوب ذات أكثرية شيعية.
ورفع المتظاهرون سقف مطالبهم وباتوا يدعون لإقالة الحكومة التي يقودها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، إثر لجوء قوات الأمن للعنف لوأد الاحتجاجات.
ويطالبون بإسقاط النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية ومحاسبة الفاسدين.
وقالت مصادر طبية لمراسل إيران إنسايدر، إن أكثر من 319 متظاهرا قتلوا منذ بدء الاحتجاجات فيما أصيب أكثر من 12 ألفا، وأضافت أن غالبية القتلى لقوا حتفهم برصاص قناصة.
ويتهم نشطاء عراقيون، قناصة إيرانيين بقتل المتظاهرين السلميين، وقال مسؤول عراقي في وقت سابق، إن هناك غرفة عمليات يقودها مساعد قاسم سليماني، ويدعى "حاج حامد"، ويتبعه القناصون الذين يستهدفون المتظاهرين، ويأتمرون بأمره بهدف قتل المحتجين السلميين.
واشنطن تدخل على الخط
بدورها، دعت الولايات المتحدة إلى إجراء انتخابات مبكرة في العراق ووقف العنف ضد المتظاهرين المحتجين في أنحاء البلاد، حسبما جاء في بيان للبيت الأبيض.
وأعرب بيان البيت الأبيض الصادر، الاثنين، عن "قلق الولايات المتحدة البالغ، إزاء استمرار الهجمات ضد المتظاهرين والناشطين المدنيين والإعلام، فضلا عن القيود المفروضة على الوصول إلى الإنترنت في العراق".
وبحسب البيان، فإن الولايات المتحدة "تنضم إلى بعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة في العراق في دعوة الحكومة العراقية إلى وقف العنف ضد المتظاهرين والوفاء بوعد الرئيس، برهم صالح، بتمرير الإصلاح الانتخابي وإجراء انتخابات مبكرة".
من جانبها، طالبت بعثة الأمم المتحدة في العراق، بضرورة إطلاق السلطات سراح جميع المعتقلين من المتظاهرين السلميين، مؤكدة على وجوب تحديد هوية المسؤولين عن استهداف المتظاهرين، كما دعت إلى الإسراع في وضع إطار قانوني للانتخابات وإصلاح الأمن وحصر السلاح بيد الدولة.
قانون انتخاب جديد
وانتهت الحكومة العراقية، يوم الاثنين، من صياغة بنود مشروع قانون الانتخابات الجديد، وأفاد مصدر مطلع أن أهم المبادئ الأساسية الواردة في مشروع القانون الانتخابي الجديد، تشكيل مفوضية مستقلة من القضاء وجهات قطاعية متخصصة بعيدة عن المحاصصة الحزبية بحسب ما أعلنته وكالة الأنباء العراقية.
بالإضافة إلى اعتماد نظام الفائز الأعلى على صعيد الدائرة الانتخابية وتقليل عدد مجلس النواب إلى 213 وإلغاء العدد الحالي 329، بالإضافة إلى منح الشباب فرص الترشيح للانتخابات عبر تقليل سن الترشيح إلى 25 سنة.
إلا أن الإجراءات والخطوات التي تتبعها الحكومة العراقية لا ترتقي لحجم مطالب المتظاهرين، الذين يصرون على إسقاط النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية وإسقاط حكومة عادل عبدالمهدي، وحل البرلمان، ومحاسبة الفاسدين.
وفي هذا الصدد، أصدرت نقابات ومنظمات وقوى وشخصيات في كربلاء، يوم الاثنين، بيانا تضمن أبرز مطالبها، واضعة سقفا زمنيا لتنفيذها، وداعية الحكومة العراقية "لإرسال مبعوثها خلال 48 ساعة".
وطالبت باستقالة الحكومة بعد إنجاز عدة مهام، وعلى رأسها تقديم مشروع قانون انتخابات جديد، وتعديل قانون الأحزاب.
كما طالبت بإبعاد أو عزل كل الشخصيات السياسية من المناصب الأمنية والعسكرية في الدولة.
ودعت إلى التزام مجلس النواب بحل المفوضية المستقلة للانتخابات، وتكليف مجلس القضاء الأعلى بتشكيل هيئة للإشراف على الانتخابات.
إلى ذلك، طالبت بحل مجلس النواب لنفسه بعد إقرار القوانين والمطالب أعلاه.
ملاحقة الناشطين
وهتف طلبة عراقيون مضربون في بابل جنوب بغداد، تضامنا مع المتظاهرين ضد قائد فيلق القدس، قاسم سليماني.
وفي فيديو تداولته مواقع التواصل الاجتماعي تجمع الطلاب والمحتجون تحت جسر في بابل للهتاف ضد تدخلات إيران في العراق، ورددوا "يا قاسم يا ابن سليماني هذا عراقي مو إيراني"، وأضافوا "كل الأوادم سنة وشيعة، هذا عراقي ما نبيعه".
ويتهم بعض المتظاهرين ميليشيات موالية لإيران بتنفيذ عمليات خطف واغتيال وسجن، تستهدف الناشطين والمدونين في التظاهرات بمحافظات وسط وجنوب العراق.
وطالت الاعتقالات العديد من الناشطين والناشطات بتهم تنوعت ما بين "تخريب الأملاك العامة والخاصة" و"التحريض على ضرب القوات الأمنية" وما بين تلفيق تهم جنائية بحقهم. ووفق عدد من الناشطين والمراقبين، فإن هذه الاعتقالات تهدف إلى منع تجدد المظاهرات.
وعلى الرغم من الوعود التي أطلقت من قبل كل من رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، بوقف جميع أشكال الملاحقات للناشطين والمدونين ورفض التهديدات التي صدرت بحق الصحافيين في العراق مؤخراً، لاتزال حملات المطاردة والاعتقال مستمرة، خاصة مَن ظهر منهم في مقاطع مصورة أو في وسائل الإعلام المحلية والعربية، وقد قيدت جميعها ضد مجهول.
ولعل أحدث عمليات الخطف تلك، تتمثل بالناشط المدني ضرغام الزيدي، الذي اختطف الأربعاء الماضي أثناء عبوره أحد جسور بغداد، خارجاً من ساحة التحرير.
وقبله الناشطة المدنية صبا المهداوي، التي اختطفت في 2 تشرين الثاني/نوفمبر ولم يعرف مصيرها حتى الآن. وقد نفذ العملية مسلحون مجهولون يستقلون 3 سيارات في بغداد، بحسب شهود عيان، حين كانت المهداوي تسعف المتظاهرين الجرحى وتقدم الخدمات العلاجية في ساحة التحرير. ولا يزال الغموض يلف مصير الناشطة سجى محمد وغيرها من النشطاء.
وعجت مواقع التواصل الاجتماعي بحالات الخطف والإخفاء القسري، وتناول ناشطون محليون خبر اختطاف صبا المهداوي وغيرها، مؤكدين أنها اختطفت عقب مغادرتها ساحة التحرير في حدود الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة مساءً.
إلى ذلك، خطف الناشط علي هاشم، الأحد، في العاصمة، وذلك بعد أيام من اختطاف الناشطين ضرغام الزيدي وسمير الربيعي في بغداد عقب خروجهم من ساحة التحرير
من جانبه، أشار ناشطون إلى أن القاسم المشترك لاختطاف هؤلاء هو دعمهم للاحتجاجات، وهو الأمر ذاته الذي يشترك به الضحايا المختطفون في الجنوب والوسط العراقي خلال الأسابيع الثلاثة الماضية
ويلقون باللوم على جهات مدسوسة تأخذ تعليماتها من الخارج والتي تتقاطع تماما مع نداءات التظاهرات، ومن بينها "إيران برا برا" و"الفساد برا برا وبغداد تبقى حرة"، ويضيفون أن المعركة الحقيقية الآن هي على آخر وأهم معقل إيراني في المنطقة، وهو العراق، وإنهاء وجودها في بلاده يعني إنهاء وجود لأي فاعلية إيرانية في المنطقة.
وما زال الغموض يلف مصير العراقيين الذين وصل عددهم إلى نحو 26 بين ناشط ومتظاهر تعرضوا للخطف منذ بدء الاحتجاجات. كما قتل ثلاثة ناشطين في البصرة وبغداد، فضلا عن وجود نحو 400 معتقل بين ناشط ومتظاهر ومدون في جنوب ووسط البلاد، بحسب مصادر أمنية عراقية، قالت إن العدد تقريبي وقد يكون أكبر من ذلك.
وبدأ الموضوع مطلع الشهر الماضي مع اختطاف الطبيب والناشط المدني، ميثم الحلو، في 7 تشرين الأول/أكتوبر من أمام عيادته في بغداد من قبل مسلحين مجهولين كانوا يستقلون سيارة رباعية الدفع. وبعد حملة كبيرة من قبل الناشطين، تم إطلاق سراح الحلو بعد أن تم تغييبه لفترة طويلة.
مطالب الحراك
وخرجت المحافظات العراقية بمظاهرات حاشدة، للتأكيد على التمسك بمطالبهم وحددوها بعشرين مطلبا:
١- إسقاط الحكومة وتقديم عادل عبد المهدي للمحاكمة بتهمة قتل المتظاهرين.
٢- حل البرلمان.
٣- كتابة دستور جديدة للبلاد يكتبه مختصون ومستقلون بعيدا عن الأحزاب والذين شاركوا في العملية السياسية منذ ٢٠٠٣ وحتى يوم انتصار الثورة.
٤ – إبعاد المؤسسة الدينية من التدخل في السياسة.
٥- استعادة أموال العراق المنهوبة ومحاكمة اللصوص والمسؤولين عن إهدار المال العام.
٦- تشكيل مجلس قضاء جديد مستقل بعيدا عن الأحزاب والمحاصصة.
٧- إلغاء المحاصصة في إدارة الدولة.
٨- حل المليشيات كافة وحصر السلاح بيد الدولة.
٩- إجراء انتخابات مبكرة وبإشراف أممي ويمنع الترشح لها من الأحزاب والكتل السياسية التي شاركت في العملية السياسية منذ ٢٠٠٣ وحتى يوم انتصار الثورة.
١٠- محاكمة الفاسدين من أعلى هرم في السلطة حتى منصب مدير عام منذ العام ٢٠٠٥ وحتى يوم انتصار الثورة.
١١ - تأسيس جيش عراقي جديد بعقيدة جوهرها الدفاع عن الوطن وحماية المواطن.
١٢ - حل الأجهزة الأمنية التي مارست القمع والقتل ضد المواطنين وتشكيل اجهزة أمن جديدة عقيدتها الجوهرية حماية المواطن وليس الدفاع عن السلطة.
١٣ - جعل الحكم رئاسي.
١٤ - صياغة قانون انتخابي جديد يكتبه مستقلون وأصحاب اختصاص.
١٥ - تشكيل محكمة جنائية خاصة بالفاسدين وبقتلة الشعب العراقي والذين أساؤوا استخدام السلطة ولم يحسنوا إدارة البلاد منذ ٢٠٠٥ وحتى يوم انتصار الثورة.
١٦ - إلغاء كافة الامتيازات التي تتمتع بها الرئاسات الثلاث.
١٧ - إلغاء رواتب وامتيازات نزلاء رفحاء.
١٨ - تعليق عمل مؤسستي الشهداء والسجناء السياسيين لحين التدقيق في ملفاتها.
١٩ - حل هيئة النزاهة.
٢٠ - إلغاء كافة الدرجات الخاصة.
إسراء الحسن – إيران إنسايدر