راوحت العلاقات بين مصر وإيران مكانها على مدى عقود ما بين الجمود ومحاولات التقارب، تحت ظلال من الغموض حول الأسباب التي اضطرت البلدين لهذا الموقف. وعزا مراقبون هذا الجمود سابقاً إلى ضغوط خليجية غير معلنة، كانت تساوم القاهرة لمنع تطبيع العلاقات مع طهران، فيما تبرز اليوم ضغوط إسرائيلية معلنة على مصر.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية قبل نحو أسبوعين، أن حكومة بنيامين نتنياهو أبلغت القاهرة استياءها البالغ من الأنباء التي تتردد عن حدوث تطورات إيجابية في العلاقات بين القاهرة وطهران قد تنتهي باستئنافها.
وعلى الرغم من الخلافات الحادة بين الحكومة والمعارضة في إسرائيل، اتفق الطرفان على خطورة التقارب المصري الإيراني.
واعتبر زعيم المعارضة يائير لابيد، أن أي تطور إيجابي في علاقات البلدين لن يصب في مصلحة إسرائيل، وأن على حكومة نتنياهو بذل أقصى جهد لمنع أي تقارب بين القاهرة وطهران.
التقارب المصري الإيراني
في موازاة ذلك، قلل وزير الخارجية المصري سامح شكري قبل نحو عشرة أيام من أهمية التقارب المصري الإيراني، قائلاً إنه "لا يوجد أي مسار جديد للعلاقات المصرية الإيرانية"، وذلك في ما يبدو رداً على نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي تحدث عن تقارب محتمل يلوح في الأفق.
وخرجت اجتهادات لتفسير الموقف المصري، إذ أعرب مساعد وزير الخارجية المصري السابق معصوم مرزوق عن اعتقاده بأن إسرائيل لا يسرها بأي حال من الأحوال وجود علاقات طبيعية بين القوى الإقليمية الكبرى مثل مصر وإيران وتركيا، وهو دور نجح فيه الموساد الإسرائيلي منذ إنشاء الكيان، إذ عمل بقوة على إثارة خلافات على أسس مذهبية وعرقية ودينية.
وعزا "مرزوق" في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، عدم استئناف العلاقات بين إيران ومصر حتى الآن لـ"أخطاء" في التقدير والتصورات في كلا البلدين، فضلاً عن "تعثر" في اتخاذ القرار لأسباب مختلفة، على الرغم من أن استعادة العلاقات بين القاهرة وطهران تخدم مصالح البلدين.
واعتبر أن التقارب مؤشر لإمكانية وجود نظام أمني يضم قوى كبرى مثل إيران وتركيا ومصر، ترفضه تل أبيب ولا تألو جهداً في منع أي تقارب بينها، خصوصاً أن بريطانيا تنبهت له بعد خروجها من المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، عبر محاولة تأسيس "حلف بغداد" (1955 ـ 1979) لكن محاولتها فشلت.
واعتبر "مرزوق" أن هناك خلافات عديدة تعرقل تطور العلاقة بين مصر وإيران، في مقدمتها الوجود العسكري الإيراني في المنطقة، وهو أمر عبّرت مصر عن رفضها الشديد له، وكذلك هناك ملفات حول خلافات عدة.
ولفت إلى أن القاهرة ستحسب الأمر بشكل دقيق ولن تدخر وسعاً في استئناف العلاقات مع طهران متى كان ذلك يخدم مصالحها الوطنية، لا سيما أن دولاً مثل السعودية أقدمت على خطوة مماثلة "من دون أن تعبأ برفض أمريكي أو تحفظ إسرائيلي".
عراقيل التقارب بين مصر وإيران
بدوره، رأى رئيس وحدة الدراسات الإيرانية السابق في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام محمد سعيد إدريس، أن الاعتقاد بتأثر القاهرة بالمطالب الإسرائيلية في ما يتعلق بعلاقاتها الخارجية، محض مزاعم أوردتها تقارير عديدة تتحدث عن دور إسرائيلي محوري في عرقلة التقارب بين مصر وإيران.
وأكد في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه لو صح هذا الطرح لكانت إسرائيل هي من ترسم السياسة الخارجية المصرية، وهو أمر غير صحيح جملة وتفصيلاً، مشيراً إلى وجود ملفات خلافية عالقة بين إيران ومصر تحول دون تطبيع العلاقات بينهما.
وأوضح "إدريس"، أن ملف العلاقات الخارجية المصرية بيد أجهزة مصرية رفيعة المستوى، وليست وزارة الخارجية وحدها، معتبراً أن مستوى تطبيع العلاقات بين مصر إيران لم يحقق اختراقاً حتى الآن، بسبب وجود خلافات في ملفات مختلفة حالت دون هذا التطبيع الكامل.
ورفض أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس جمال سلامة بشدة ما يتردد عن توظيف القاهرة لمسألة التقارب مع طهران للضغط على حكومة نتنياهو، وانتزاع تنازلات منها في ملفات عدة.
ورأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذا الطرح مجاف للصواب، لا سيما أن التقارب مع إيران محكوم فقط بالمصالح الوطنية والقومية لمصر، مقراً بضرورة حصول نوع من التهدئة التي يجب أن تقوم بها إيران في ملفات عدة بعواصم عربية تتمتع فيها بنفوذ واسع، قبل الحديث عن تقارب مع مصر.
وشدّد "سلامة" على أن تطبيع العلاقات بين مصر وإيران أمر تحدده المصالح الوطنية العليا لمصر، وليس أي اعتبارات أخرى لا سيما أن هناك تحفظات مصرية على الدور الإيراني السلبي في العديد من القضايا، خصوصاً في اليمن ولبنان وسورية وغيرها، وهي أدوار تحول دون عودة العلاقات بين البلدين لوضعها الطبيعي.
واعتبر أن التطورات التي شهدتها العلاقات الخليجية الإيرانية، تحديداً بين الرياض وطهران، تزيل الكثير من العراقيل أمام تطبيع العلاقات الايرانية المصرية، مضيفاً: "لن نكون ملكيين أكثر من الملك، خصوصاً أن الأدوار السلبية لإيران في الخليج بشكل خاص والمنطقة بشكل عام، كانت على رأس الأسباب التي حالت دون استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين".
العربي الجديد