لا تزل نصوص ومضامين الاتفاقات التي وقّعتها حكومة رئيس النظام السوري بشار الأسد مع الوفد الإيراني الذي زار دمشق، برفقة الرئيس إبراهيم رئيسي، الأربعاء الماضي، "غامضة وعمومية"، بحسب الباحث المختص في الشأن الإيراني بـ"مركز عمران"، نوار شعبان.
واعتبر شعبان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن أهداف زيارة الرئيس الإيراني في هذه المرحلة ترمي إلى "حصد نتائج وقوف طهران إلى جانب النظام، وتحصيل الديون القديمة، والتوسع في السيطرة على قطاعات حيوية".
ويشير الباحث بـ"مركز عمران" إلى أن "الغاية الأهم هي إرسال طهران إشارة للمنطقة والعالم، بأن إعادة إنتاج وتعويم النظام باتت واقعاً، وأن إيران هي الأكثر حضوراً على الأرض، والأكثر سيطرة على المقدرات".
استخلاص الديون
وذكر المتحدث ذاته أن "تحصيل الديون الإيرانية على النظام السوري، والمتراكمة منذ عام 2013، مقابل النفط والأسلحة بشكل خاص، هي من أهداف الزيارة، فضلاً عن الضغط الداخلي في إيران لاسترداد الديون"، معتقداً أن "هذه المطرقة ناجعة لإخضاع نظام الأسد لإملاءات طهران، مقدراً الديون بنحو 30 مليار دولار".
ويؤكد الباحث المتخصص بالشأن الإيراني، أن "طهران تركز على ما يأتي بنتائج سريعة خلال الفترة الراهنة"، مستدلاً في ذلك بـ"وضع يد إيران على 5 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية، وتركيز الاتفاقات الموقعة على القطاع المائي والنقل، والبدء "فوراً" بقطاع المياه، عبر شركات عدة، وبتكاليف تقدر بنحو مليار يورو".
ويشدد: "هذا لا يعني استبعاد الفوسفات أو الصناعة والنفط وغيرها، لكن الأولوية إيرانياً لتعزيز الحضور على الأرض".
وكان وزير الموارد المائية في حكومة النظام السوري، تمام رعد، قد كشف، خلال تصريحات اليوم الأحد، عن توقيع عقد مع شركتين إيرانيتين لإنشاء مصفاتين للمياه، وذلك على هامش مؤتمر بغداد الدولي الثالث للمياه، مؤكداً ما كشفه "العربي الجديد" سابقاً عن أن اتفاقات المياه ستجري عبر فتح خط ائتمان جديد.
من جهته، أبدى وزير الطاقة الإيراني، علي أكبر محرابيان، استعداد بلاده للمشاركة في إعادة تأهيل منشآت المياه والكهرباء في سورية، مضيفاً، خلال تصريحات نقلتها وكالة "إرنا"، أن إيران مستعدة لتقديم قدراتها الاقتصادية والفنية من أجل إعادة إعمار سورية.
وأفاد الوزير الإيراني، بأن طهران أجرت، في الآونة الأخيرة، عمليات إصلاح أساسية لوحدتين من محطة الطاقة الحرارية في مدينة حلب السورية، كما أنها رفدت في الشهر الماضي شبكة الكهرباء العامة بقدرة 480 ميغاواط، وهنالك مشروعان لتوليد الكهرباء بالغاز دشنتهما شركات إيرانية في سورية، وهما جاهزان للافتتاح، معلناً أنه سيزور دمشق قريباً للمشاركة في افتتاحهما.
وشدد علي أكبر محرابيان على استعداد إيران لإجراء إصلاحات أساسية لمحطات الكهرباء البالغ إجمالي طاقتها 5000 ميغاواط، بهدف دخول شبكة الكهرباء العامة في سوريا من جديد، مضيفاً أن "إيران قدمت خط ائتمان ثان لتنفيذ المشاريع السورية، ويفترض تخصيص معظم هذا الائتمان لقطاع الكهرباء".
وفيما اقتصرت التصريحات الرسمية من كلا الجانبين على توقيع طهران ودمشق اتفاقية "تعاون استراتيجي" تضمنت 15 اتفاقاً بقطاعات الزراعة والصناعة والمياه والطاقة والثقافة والسياحة والمالية، بيّن الاقتصادي محمود حسين لـ"العربي الجديد" أن "تطورات المرحلة هي تنفيذ الاتفاقات التي سبق ووقعها الجانبان، مجموعها 21 اتفاقاً لم ير معظمها النور".
ويضيف حسين، أن التصريحات الرسمية ركزت على إزالة العراقيل التي تعترض التعاون المالي والجمركي. وقال: "تكلموا عن تصفير التعرفة الجمركية" لبدء دخول الشركات الإيرانية من أجل تنفيذ الاتفاقات بقطاعات "النفط والطاقة والإسكان والنقل السككي والجوي والمياه والزراعة"، ولكن الطرفين "ألمحا إلى وجود عراقيل ماثلة"، وتكليف لجنة خبراء لتذليل تلك الصعوبات وبدء تنفيذ الاتفاقات.
وأشار الاقتصادي إلى أن "نظام الأسد قد يتملص من الاتفاقات عبر المماطلة والتسويف، كما حدث باتفاق الخليوي والمصرف المشترك في السابق، إذ لموسكو القول الفصل في اتفاقات الطاقة والفوسفات، كما لا يمكن لنظام الأسد تجاهل المطالب العربية التي تتسارع لتسويقه، أو تجاهل العقوبات الغربية".
تبادل تجاري
وتباينت آراء المختصين السوريين حول أهداف إيران وزيارة الرئيس رئيسي لدمشق. ففي حين يرى كثيرون أن طهران تسوّق عبر الزيارة لسيطرتها على القرار والمقدرات السورية، ذهب آخرون إلى أن طهران تسعى لضمان استرداد الديون عبر مشروعات اقتصادية مضمونة العائد، خاصة بقطاع الطاقة والزراعة والبناء.
وجاءت زيادة حجم التبادل التجاري بعد تصفير التعرفة الجمركية بين البلدين ضمن مطالب الجانب الإيراني، بحسب رجل الأعمال محمد طيب العلو، لأن حجم التبادل لا يعكس "علاقة التبعية"، إذ لم تزد قيمة صادرات إيران إلى سوريا العام الماضي عن 147 ألف طن من البضائع غير النفطية، ما يقدر بنحو 243 مليوناً و168 ألف دولار.
ويشير العلو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك أسباباً كثيرة حالت دون زيادة التبادل التجاري، منها الحصار على البلدين، وتراجع الإنتاج الإيراني، وصعوبة التحويل المالي، وتوقف العمل في الخط البري الذي يربط إيران بسورية ولبنان عبر العراق.
من جهته، يقول المتحدث الرسمي باسم هيئة تنمية التجارة في وزارة الصناعة الإيرانية، روح الله لطيفي، إن صادرات البضائع الإيرانية إلى سورية شهدت تقلبات عديدة في العقدين الأخيرين، جراء الأزمة التي شهدتها سوريا في عام 2011.
وبلغت صادرات إيران إلى سوريا 218 مليوناً و260 ألف دولار عام 2021، مسجلة نمواً بنسبة 99% مقارنة بالعام الذي سبقه، وتواصل هذا الاتجاه في العام الماضي، وسجل نمواً بنسبة 10.6% من حيث الوزن، و11.4% من حيث القيمة، وبلغت الصادرات 147 ألف طن من السلع غير النفطية بقيمة 243 مليوناً و168 ألفاً و533 دولاراً.
ويقول متحدث سابق باسم الجمارك، عن البضائع المصدرة إلى سوريا العام الماضي، إنه جرى تصدير أكثر من 40 مليون دولار من المواد الغذائية والألبان والمنتجات الزراعية، و33.6 مليون دولار من الأدوية والمعدات الطبية، و15 مليون دولار من أنواع المعادن ومنتجات الصلب، و9 ملايين دولار من الأسمدة واليوريا، ومليونان ونصف مليون دولار لجميع أنواع الحنفيات والأنابيب، وما يقرب من مليوني دولار من مختلف أنواع زيوت المحركات والزيوت الصناعية، وما يقرب من مليون ونصف مليون دولار من قطع الغيار وقطع غيار السيارات.
وأضاف: "كما جرى تصدير 1.4 مليون دولار من المنظفات والمستلزمات الصحية، وسلع، مثل المنتجات البتروكيماوية والنفطية، والمواد الكيميائية، ،والمعادن والمذيبات، ومواد البناء، والخيوط والنسيج، والمطاط، والألواح، والورق، والكرتون، وبلاط السيراميك، والأحذية، والزجاج، والمرايا، وجميع أنواع الحاويات والأقفال، والتوربينات، ومحركات السيارات، والمبردات، والمصاعد، والآلات الصناعية، والأجهزة المنزلية، والأجهزة الإلكترونية، والجرارات، والأرائك، جميع أنواع الأبواب".
العين على الفوسفات
لكن الخبير بشؤون الطاقة، عبد القادر عبد الحميد، أشار لـ"العربي الجديد" إلى ما أسماه "عين إيران على الفوسفات السوري"، نظراً لضخامة الاحتياطي، ولوجود مواد مشعة تطلبها إيران.
ويشرح عبد الحميد أن لدى بلاده احتياطياً من الفوسفات بنحو ثلاثة مليارات طن، فيما لم يجر استخراج أكثر من 0.17 في المائة من هذه الاحتياطات، لأن الإنتاج لم يزد عن 3.5 ملايين طن سنوياً، مضيفاً أن من أهم ميزات الفوسفات السوري قربه من سطح الأرض.
وكان نظام الأسد قد ألغى اتفاقاً مع طهران بقطاع الفوسفات، بعد تأسيس شركة مشتركة عام 2016.
وحول موقف روسيا التي تضع فعلياً يدها على فوسفات سوريا، يقول الخبير عبد الحميد: "هذه هي المعضلة التي تدلّل على أن اتفاقات إيران والنظام تأخذ طابعاً سياسياً بفترة حرجة".
يذكر أن روسيا سيطرت في مايو/ أيار 2017 على مواقع حقلي الشرقية وخنيفيس، بموجب الاتفاق الذي وقعته "ستروي ترانس غاز" مع نظام الأسد في إبريل/ نيسان 2017، لتبدأ اتفاقية صيانة مواقع إنتاج الفوسفات واستخراجه ونقله.
العربي الجديد