قال الزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، غرانت روملي، إن تدفق الأسلحة إلى إيران لن يؤدي إلّا إلى تفاقم التوترات في الشرق الأوسط، وزيادة احتمالية نشوب صراع مستقبلي في المنطقة، ولابد أن يمتد صدى تداعيات خط الإمداد العسكري الجديد بين روسيا وإيران إلى خارج ساحة المعركة.
وتابع في تحليل له على موقع المعهد، بأنه "على المدى الطويل، من المرجح أن يؤدي التدفق المتزايد للأسلحة إلى تفاقم التوترات في المنطقة، ويحفز الدول العربية على تعزيز ترساناتها، ويعرّض للخطر أي قوات أمريكية وشريكة لها تواجه وكلاء طهران".
وقال إنه "في إطار الترتيبات الناشئة بين روسيا وإيران لتبادل الأسلحة، تلقت روسيا مئات الطائرات الإيرانية دون طيار لقصف المدن الأوكرانية والبنية التحتية المدنية، بينما تستعد إيران على ما يبدو للحصول على الطائرة المقاتلة الروسية المتطورة من طراز "سو-35". فضلاً عن ذلك، أفادت بعض التقارير بأن موسكو نقلت أسلحة أمريكية وغربية أخرى تم الاستيلاء عليها إلى طهران".
وأشار إلى أن وصول المقاتلات الروسية إلى إيران، إلى جانب التعاون في التدريب العسكري، وتطوير الأسلحة، هو خطوة مهمة في تعميق العلاقات الأمنية بين موسكو وطهران.
وأكد أن ذلك يعني تغييرا في النهج الماضي، "ففي السنوات الأخيرة، عملت موسكو بعناية على التوفيق بين مبيعاتها من الأسلحة إلى إيران وعلاقاتها العسكرية والدبلوماسية الأخرى في المنطقة. وكانت الصفقة الأكثر بروزاً في العقد الماضي هي استحواذ إيران على نظام الدفاع الجوي الروسي إس 300 في عام 2016.
وكانت المرة الأخيرة التي زوّدت فيها روسيا إيران بطائرات مقاتلة هي في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، عندما قامت بتسليم ست طائرات فقط من طائراتها الهجومية الأرضية من طراز سو 25".
وعلى المدى القريب، قد لا يسبب خط إمداد الأسلحة الجديد من روسيا إلى إيران تغيراً كبيراً في توازن القوى العام في الشرق الأوسط. وأحد أسباب ذلك هو أن الخسائر الهائلة التي تحلّ بالمعدات الروسية في الحرب الدائرة في أوكرانيا قد تدفع موسكو على الأرجح إلى تقليص صادراتها من الأسلحة. والأهم من ذلك، تكمن القوة العسكرية الأساسية لإيران في قدراتها غير المتماثلة، أي استخدامها للمنصات المسيّرة، وصواريخ كروز، وصواريخ باليستية، وشبكة معقدة من الوكلاء الإقليميين.
ونوه إلى أنه "حتى إدخال طائرات سو-35 واستخدامها يستدعي قيام إيران بتشكيل فرقة طيارين، وتدريبها لتشغيل الطائرات، بالإضافة إلى إنشاء خط إمداد لصيانة الطائرات لكي تستمر في القيام بمهامها. إن العقوبات المفروضة على صناعة الدفاع الروسية واستنزاف موسكو في ساحة المعركة في أوكرانيا ستجعل بنية الصيانة صعبة بشكل خاص، حيث سيكون الحصول على قطع غيار للمنصات الروسية حافلاً بالتحديات. لذلك من المحتمل أن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن تتمكن إيران من دمج الطائرات في قدراتها الأوسع نطاقاً لإظهار قوتها".
وذكر روملي أن التبعات الأكبر والأكثر أهمية لهذه الشحنات هي تلك المترتبة على المدى الطويل، وتحديداً قدرة إيران على إجراء هندسة عكسية لمكونات هذه المنصات، وتكرارها، وإنتاجها بكميات كبيرة، ما سيضيف المزيد من القدرات العسكرية التقليدية إلى ترسانات إيران ووكلائها.
وبحسب التحليل، تمتلك إيران صناعة أسلحة متطورة، وقد نجحت تاريخياً في إجراء هندسة عكسية للكثير من المنصات، من بينها الطائرات المقاتلة والصواريخ وقطع غيار الطائرات. فبعد الاستيلاء على طائرة استطلاع أمريكية دون طيار من طراز "سانتينال آر كيو-170" في عام 2011، كشفت إيران عام 2014 عن نسخ معدّلة منها، مسلحة وغير مسلحة، تمت هندستها عكسياً.
وأكد أنه في عام 2018، حلّقت إحدى تلك النسخ من سوريا إلى المجال الجوي الإسرائيلي، حيث تم إسقاطها. كما صنعت إيران نسخاً محلية متعددة من صاروخ "بي جي إم-71 تو" الأمريكي المضاد للدبابات، ومنها صاروخ "توفان" ومتغيراته، والتي نقلتها منذ ذلك الحين إلى وكلائها في سوريا واليمن، على حد تعبيره.
ولفت إلى أنه سيتعين على خصمي إيران الرئيسيين -الولايات المتحدة وإسرائيل- التخطيط ليس فقط لتحقيق التوازن مع جيش إيراني يتمتع بقدرات أكثر تقدماً، ولكن أيضاً مع شبكة إقليمية من الوكلاء المجهزين من قبل إيران بأسلحة أكثر تطوراً.
بالإضافة إلى ذلك، "تنذر شحنات موسكو بتغيّر محتمل مقلق في صادراتها من الأسلحة في المنطقة. ففي الماضي، كانت روسيا توازن بين عمليات نقل الأسلحة إلى الشرق الأوسط والمناطق المجاورة. وفي الواقع، تضاءلت صادرات الأسلحة الروسية إلى إيران مقارنة بصادراتها إلى مصر والجزائر والهند. وحالياً، تُفيد بعض التقارير بأن طائرات سو-35 المتجهة إلى إيران هي الطائرات التي اشترتها مصر سابقاً قبل أن تلغي الصفقة، ويرجع ذلك جزئياً إلى احتمال فرض عقوبات أمريكية".
إلى جانب ذلك، "أدى تأثير حرب أوكرانيا والعقوبات اللاحقة على صناعة الدفاع الروسية إلى تعقيد صادرات الأسلحة الروسية إلى دول أخرى. ففي آذار/ مارس 2022، ادّعت إحدى شركات تصنيع الأسلحة الدفاعية الروسية أنها غير قادرة على معالجة دفعات للأسلحة تناهز قيمتها المليار دولار من دول مثل الهند ومصر. ونظراً لأهمية الصادرات الدفاعية للاقتصاد الروسي، قد توجه روسيا المزيد من مبيعاتها إلى إيران، حيث تتعرض معاملاتها مع العملاء التقليديين للخطر".
ومن المرجح بحسب روملي، أن تؤدي هذه الشحنات -على المدى البعيد- إلى زيادة الإنفاق الدفاعي في الشرق الأوسط.
وفي حين لا تحتاج دول المنطقة فعلياً إلى سبب لإنفاق المزيد على الأسلحة، إلا أن إضافة طائرات مقاتلة روسية متقدمة -ومن المحتمل منصات روسية متطورة أخرى في المستقبل- ستثير قلق حكومات المنطقة، ومن المرجح أن تحفّز شراء منصات مماثلة، وقد تسعى الإمارات إلى إحياء المفاوضات بشأن استحواذها المحتمل على مقاتلات "إف-35"، على سبيل المثال، إذا أضافت إيران طائرات "سو-35" إلى ترسانتها، بحسب التحليل.
وعن المصالحة الجارية في المنطقة، بين إيران والمملكة العربية السعودية، قال روملي إنه يمكن لخط أنابيب الأسلحة الروسي إلى إيران أن يعرقل روح المصالحة .
وأشار إلى أن التقارب الدبلوماسي الأخير بين البلدين "فشل حتى الآن في معالجة عوامل زعزعة الاستقرار على المدى الطويل، وهي: سعي إيران المحتمل لامتلاك سلاح نووي، واستمرارها في استخدام الوكلاء في جميع أنحاء المنطقة"، بحسب تعبيره.
وقال روملي إن تدفق الأسلحة الروسية المتقدمة سيزيد من التوتر الديناميكي، ليس فقط بين إيران وجيرانها العرب، ولكن بين إيران وإسرائيل أيضاً. وفي أي خطوة مستقبلية محتملة تقوم بها إسرائيل ضد إيران، سيتعين عليها أن تأخذ في الاعتبار قدرات عسكرية إيرانية إضافية.
على الجانب الآخر، يشكل خط السلاح الإيراني إلى روسيا مصدر قلق في الحرب مع أوكرانيا، فالطائرات المسيّرة الإيرانية تسد ثغرة حرجة في القدرات العسكرية الروسية، في حين أن عمليات التسليم الإضافية المحتملة -والتي تشمل الصواريخ الباليستية الإيرانية- تهدد بإحداث المزيد من الدمار في أوكرانيا وقواتها.