شُغلت الساحة اللبنانية في الأيام القليلة الماضية بقضية المطران موسى الحاج، التي أرست مواجهة متعدّدة الجبهات، خصوصاً على ضفّتي رأس الكنيسة المارونية بكركي و"حزب الله". كما برزت مطالبات بإقالة القاضي فادي عقيقي، المعني بالتحقيق، الذي يُتَّهم من قبل الفريق المناهض لحزب الله بأنه ينفذ أجندة سياسية تستهدف البطريرك الماروني بشارة الراعي، وقد وصفه رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع اليوم بـ"الخائن".
ولدى عودته من الأراضي الفلسطينية، في 18 يوليو/تموز الحالي، أوقف مركز الناقورة الحدودي المطران الحاج، وهو رئيس أساقفة أبرشية حيفا، والنائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية وعمّان وأراضي المملكة الأردنية الهاشمية للطائفة المارونية، وعمد إلى مصادرة جواز سفره اللبناني، وهاتفه المحمول، ومساعدات مالية، وأدوية قبل أن يطلق سراحه.
وباعتبار أنها ليست المرّة الأولى التي يتنقل فيها المطران الحاج من الأراضي الفلسطينية وإليها، وينقل المساعدات، فقد أثار توقيفه الكثير من علامات الاستفهام والشكوك التي دفعت إلى وضع العملية في قالبٍ سياسيٍّ.
وخضع المطران الحاج للتحقيق لأكثر من 10 ساعات أمام مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي قبل إطلاق سراحه، بالتزامن مع استنكارات سياسية ودينية لما تعرّض له، واضعين ما حصل في إطار رسالة موجهة إلى البطريرك الراعي والفريق المسيحي الذي يصوّب تجاه حزب الله، خصوصاً أن القاضي عقيقي، التي تعلو الأصوات المطالبة اليوم بإقالته، مقرّبٌ من رئيس البرلمان نبيه بري، حليف الحزب، وكان ادعى على رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع بـ"أحداث الطيونة" (وقعت في 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأسفرت عن مقتل 7 من مناصري الحزب والحركة، خلال تظاهرة لإقالة المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، تطورت إلى اشتباكات عنيفة اتهم فيها الثنائي القوات بالتخطيط لها وافتعالها)، حسب زعمهم.
وغصّ مقرّ البطريركية الأسبوع الماضي بوفودٍ سياسية ودينية وحزبية ودبلوماسية وشعبية للتضامن مع بكركي بوجه ما اعتبروه "استهدافاً" تعرّضت له، وكان من بين زائري البطريرك الراعي حليف حزب الله، رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، الذي يحرص في هذا التوقيت بالذات على عدم تعكير علاقته بالبطريرك الماروني، على مسافة أشهر قليلة من انتخاب رئيس جديد للجمهورية يُعدّ فرنجية أبرز الطامحين للجلوس على كرسيّها.
وحرص "فرنجية" على تبرئة الحزب من العملية، باتهامه طابوراً خامساً يريد أن يستفيد من التشنج القائم بين الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) وبكركي، في حين استقبل رئيس الجمهورية ميشال عون المطران الحاج، واستمع إلى ملابسات القضية، ودخل على خط معالجتها، في خطوة ترافقت مع دعم صهره رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل للمطران، وهي مشهدية وُضعت في إطار طبيعي لمرجعية الحاج الدينية، وللإفلات من تهمة الاستهداف.
وعبّر "الراعي" في عظة الأحد من الديمان (المقر الصيفي للبطريركية المارونية)، الذي غصّ بالحشود الشعبية الداعمة، عن رفضه لـ"هذه التصرفات البوليسيّة ذات الأبعاد السياسيّة التي لا يجهلها أحد"، مطالباً بأن "يُعاد إلى المطران موسى الحاج كلّ ما صودر منه"، واضعاً إياها في إطار "أمانات من لبنانيّين في فلسطين المحتلّة والأراضي المقدّسة إلى أهاليهم في لبنان من مختلف الطوائف".
وتوجه إلى من وصفهم بالمسيئين إلى كرامة اللبنانيين، بالقول "كفّوا عن قولكم إنّ المساعدات تأتي من العملاء، واذهبوا بالأحرى وابحثوا في مكان آخر عن العملاء، وأنتم تعلمون أين هم، ومن هم".
ووجه "الراعي" رسالة غير مباشرة لحزب الله بالتأكيد أن البطريركية المارونية صامدة على مواقفها لإنقاذ لبنان، بالاستناد إلى منطلقات الحياد الإيجابي الناشط، واللامركزية الموسعة، وعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، لبتّ المسائل المُسمّاة خلافية، ويعجز اللبنانيون عن حلها، غامزاً بذلك من قناة سلاح حزب الله.
وأتى الردّ على الراعي من قبل المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، الذي دعا إلى "عدم الانزلاق للعبة عواطف تمزق البلد، وتأخذه إلى المجهول"، مؤكداً أن "الجميع تحت القانون شيخ ومطران"، مضيفاً أنه "بغض النظر عن المعلومات الأمنية واللوائح الاسمية، المطلوب حماية لبنان وعدم الرأفة بالمواضيع الأمنية والمصالح الوطنية"، مشيراً إلى أم "معاداة إسرائيل مصلحة لبنانية وجودية".
بدوره، قال رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع، إن استدعاء المطران الحاج إلى التحقيق رسالة إلى البطريرك الراعي، انطلاقاً من مواقفه الوطنية، داعياً اليوم بعد اجتماع تكتله النيابي، "الجمهورية القوية"، المراجع القضائية إلى إعادة النظر بالمحكمة العسكرية، وكف يد القاضي فادي عقيقي لأنه مفوض قوى الممانعة وليس المحكمة العسكرية.
ووصف "جعجع" عقيقي بالخائن، آسفاً في الوقت نفسه لأن رئيس الجمهورية يقول إن ليس من صلاحياته ملاحقة القضاء، في حين أن الجميع تهرّب من المسؤولية في قضية المطران الحاج.
أما وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري، فقد التقى الراعي، واعتبر أن ما حصل يفتح الباب على ضرورة معالجة المشكلة الأصل، كاشفاً عن أنه بصدد إعادة تفعيل اللجنة الوزارية التي يرأسها، والتي تتعلق بمعالجة أوضاع "اللاجئين اللبنانيين إلى إسرائيل"، في خطوةٍ حركت رأيا عاما لبنانيا كبيرا ضدّه يعتبر هؤلاء عملاء وليسوا لاجئين.
العربي الجديد