تتكشف الحقائق حول ضلوع إيران في وأد الاحتجاجات في العراق، وقتل المتظاهرين بواسطة قناصة نشرتهم على أسطح البنايات في العاصمة بغداد.
وقال مصدران أمنيان عراقيان لوكالة "رويترز"، إن قادة فصائل متحالفة مع إيران قرروا من تلقاء أنفسهم المشاركة في إخماد الاحتجاجات الشعبية على حكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الذي تحظى إدارته منذ تولت السلطة قبل عام واحد بدعم من جماعات مسلحة قوية مدعومة من إيران ومن فصائل سياسية.
وقال أحد المصدرين الأمنيين "لدينا أدلة مؤكدة بأن القناصين كانوا عناصر من المجاميع المسلحة والذين يتلقون الأوامر من قادتهم بدلا من القائد العام للقوات المسلحة". وأضاف "إنهم ينتمون إلى فصيل مقرب جدا من إيران".
وقال مصدر أمني عراقي آخر يحضر اجتماعات يومية لإطلاع الحكومة على الوضع الأمني إن رجالا يرتدون ملابس سوداء أطلقوا النار على المحتجين في اليوم الثالث من الاضطرابات الذي ارتفع فيه عدد القتلى من نحو ستة إلى أكثر من 50 قتيلا.
وأضاف المصدر الثاني أن هؤلاء المقاتلين يقودهم أبو زينب اللامي مسؤول أمن الحشد الشعبي المدعوم من إيران. وقال المصدر إن قائد الحشد كُلِّف بإخماد الاحتجاجات بواسطة مجموعة من قادة كبار آخرين لفصائل مسلحة. ولم يذكر المصدران عدد القناصة الذي نشرته الفصائل المسلحة.
تقرير يكشف المتورطين
وكشفت مصادر حقوقية، يوم الاثنين 14 تشرين الأول/أكتوبر، عن الجهات المتورطة بقتل المتظاهرين بالرصاص الحي.
وقالت فاطمة العاني، وهي مستشارة المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، إن الأوامر كانت واضحة بإطلاق الرصاص الحي مباشرة على المتظاهرين، كاشفة عن وثيقة تتضمن بعض الأسماء التي أعطت الأوامر لتنفيذ تلك المجازر.
وأضافت أن نعمان المالكي آمر اللواء الأول أعطى أوامر صارمة لمنتسبي اللواء بإطلاق الرصاص الحي ضد المتظاهرين، مهددا إياهم بأن من يخالف الأوامر سيتعرض للمساءلة بشكل كبير لعدم امتثاله للأوامر العسكرية.
ونوهت أن تلك التعليمات كانت بعلم رئيس أركان فرقة الردع السريع اللواء عباس الجبوري، وهو ما أكده أكثر من منتسب وجندي شهدوا تلك الأوامر في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري.
وقالت العاني إن تامر محمد آمر فرقة كذلك وهو الشهير أبو تراب الحسيني -التابع لمليشيا منظمة بدر التي يتزعمها هادي العامري أحد أبرز أذرع إيران في العراق- تورط في قتل واستهداف سيارات الإسعاف التي تحاول التدخل لنقل المصابين والجرحى من ميادين وشوارع الاحتجاجات.
تحقيقات وهمية
ويرى عراقيون أن التحقيقات التي أمر رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بإجرائها بخصوص محاسبة الجهات المسؤولة عن قتل المتظاهرين "وهمية وغير واقعية"، وليس باستطاعة الأجهزة الأمنية أو القضائية محاسبتها كون أنها فوق سلطة الدولة وتتبع بشكل مباشر لإيران.
وتراجعت وتيرة الاحتجاجات في العراق، وقرر نشطاء تعليقها لحين انتهاء زيارة "أربعينية الحسين"، في 20 أكتوبر/ تشرين أول الجاري، وهي مناسبة دينية خاصة بالشيعة.
وشهد العراق احتجاجات شعبية عنيفة بدأت من بغداد للمطالبة بتحسين الخدمات العامة وتوفير فرص العمل ومحاربة الفساد، قبل أن تمتد إلى محافظات في الجنوب ذات أكثرية شيعية.
ورفع المتظاهرون سقف مطالبهم وباتوا يدعون لإقالة الحكومة التي يقودها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، إثر لجوء قوات الأمن للعنف لاحتواء الاحتجاجات.
إلا أن وتيرة الاحتجاجات خفت بصورة لافتة منذ يوم الاثنين، واقتصرت إلى حد بعيد على مدينة الصدر شرقي بغداد.
وقالت مصادر طبية لمراسل إيران إنسايدر، إن أكثر 138 متظاهرا قتلوا، وأصيب 6000 آخرين.
وأضافت أن غالبية القتلى لقوا حتفهم برصاص قناصة.
ويتهم نشطاء عراقيون، قناصة إيرانيين بقتل المتظاهرين السلميين، وقال النائب في البرلمان العراقي أحمد الجبوري، إن هناك غرفة عمليات يقودها مساعد قاسم سليماني، ويدعى "حاج حامد"، ويتبعه القناصون الذين يستهدفون المتظاهرين، ويأتمرون بأمره بهدف قتل المحتجين السلميين.
انتهاكات جديدة
وقالت منظمة العفو الدولية، إن على السلطات العراقية التحقيق بشكل صحيح في "الاستخدام المفرط والمميت" للقوة.
وأضافت أنها قابلت ثمانية نشطاء قالوا إنهم رأوا متظاهرين يقتلون برصاص قناصة.
وأضافت العفو الدولية في تقريرها أنها جمعت شهادات تصف "حملة قاتمة من المضايقة والترهيب واعتقال ناشطين مسالمين وصحافيين ومتظاهرين".
وكشف التقرير -الذي صدر من 19 منظمة ومركزا مختصا- أن القوات العراقية اعتقلت متظاهرين جرحى من المستشفيات رغم إصابتهم وحاجتهم للعلاج، فضلا عن تسجيل حالات قنص بحق المتظاهرين نفت أجهزة الأمن العراقية علاقتها بها.
ورصد التقرير حملة إسكات وسائل الإعلام، عبر "جماعات مسلحة أو اوامر من هيئة الاتصالات" كما سلط الضوء على قائمة من اعتقالات الناشطين والمدافعين عن حقوق الانسان والمتظاهرين، فضلا عن اقتحام منزل ناشط وزوجته كانا يقدمان العلاج للمتظاهرين في البصرة وقتلهما أمام طفلتهما دون أن يتم الاعلان عن الجناة.
وكان دور إيران في الرد على المظاهرات بمثابة تذكير آخر بنفوذها في العراق حيث أصبح عدد من قادة الفصائل السابقين أعضاء في البرلمان يدعمون التوجهات الإيرانية.
واستقرار الحكومة العراقية من مصلحة إيران التي يتزايد نفوذها في العراق منذ 2003 عندما أطاح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة بصدام حسين ألد أعداء طهران. وقد أصبحت إيران أكبر شريك تجاري للعراق.
معدات اتصال إيرانية
مع دخول الاحتجاجات يومها الثالث في 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري ظهر القناصة على الأسطح في بغداد.
وقال مصور لـ"رويترز" كان يغطي الاضطرابات قرب ساحة التحرير في بغداد بعد ظهر ذلك اليوم إنه شاهد أحد القناصة فوق سطح مبنى تحت الإنشاء يطل على المظاهرات.
واندفع المحتجون للنجاة بأنفسهم عندما فتح المسلح النار. ونقل المحتجون متظاهرا أصيب بالرصاص في رأسه بعيدا وسط حشد منهم. وبدا أن متظاهرا ثانيا أصيب في الرأس أيضاً قد فارق الحياة وتم نقله على شاحنة.
وقال المصدر الأمني الثاني إن القناصة يستخدمون معدات اتصال لاسلكي زودتهم بها إيران ومن الصعب تعقبها، مما يتيح للفصائل شبكة خاصة بها في الأساس.
وقال دبلوماسي في المنطقة مطلع على عملية صنع القرار في إيران إن مجموعة من كبار القادة بالحرس الثوري الإيراني سافرت إلى العراق في اليوم الثاني للاحتجاجات والتقت بمسؤولي المخابرات والأمن العراقيين.
وقال الدبلوماسي إن ضباطا كبارا في الحرس الثوري يتمتعون بخبرة في احتواء الاضطرابات المدنية استمروا بعد الاجتماع في تقديم المشورة للحكومة العراقية لكن لم يتم نشر أي جنود إيرانيين على الأرض.
تواصل وثيق
وقال أحد كبار القادة في فصيل مدعوم من إيران إن طهران كانت على تواصل وثيق مع القوات التي تحاول فض المظاهرات، لكنه أكد أن فصيله لم يشارك في الجهود التي كانت ترمي لوقف الاحتجاجات أو ما نتج عنها من عنف.
وقال القائد "بعد يومين، تدخلوا وزودوا الحكومة والمجاميع المسلحة بمعلومات استخبارية".
وأضاف "المستشارون الإيرانيون أصروا على أن يكون لهم دور وحذرونا بأن استمرار التظاهرات، إذا لم تتم السيطرة عليها، فإنها ستقوض حكومة عادل عبد المهدي".
وبدأت الاحتجاجات في العراق في الأول من أكتوبر/تشرين الأول وسط غضب شعبي من الأزمات المزمنة من نقص الوظائف والكهرباء ومياه الشرب. ويحمل العراقيون الساسة والمسؤولين المسؤولية عن فساد مستشر حال دون انتعاش أحوال العراق بعد سنوات العنف الطائفي والحرب على تنظيم داعش.
وربما يكون أي فراغ في السلطة صعبا على المنطقة نظرا لأن بغداد حليف للولايات المتحدة وإيران. ويرابط آلاف الجنود الأميركيين في العراق في مواقع لا تبعد كثيرا عن مواقع فصائل الحشد الشعبي المدعومة من إيران.
إسراء الحسن – إيران إنسايدر