أظهرت النتائج الأولوية لانتخابات المغتربين، أن اللبنانيين يريدون التغيير والتخلص من الطبقة السياسية التي قادت البلاد إلى أزمات معقدة، في وقت يتأكد فيه أن رئيس تيار المستقبل سعد الحريري قد اختار اللحظة الخطأ بدعوته إلى المقاطعة التي لا تعني سوى فسح المجال أمام حزب الله وحلفائه للسيطرة على البرلمان.
وأدلى أكثر من 100 ألف لبناني يعيشون في الخارج بأصواتهم في انتخابات برلمانية يومي الجمعة والأحد، ودعم الكثير منهم وجوها جديدة في الساحة السياسية بعد أن شهد لبنان أسوأ أزمة منذ الحرب الأهلية أدت إلى انتشار الفقر ودفعت الكثيرين إلى هجْر البلاد.
وقال مراقبون محليون، إن رسالة التغيير الأولى جاءت من الخارج، وإن نسبة هامة من اللبنانيين تريد تحويل الاحتجاجات إلى فعل سياسي حتى ضمن القانون الانتخابي الحالي المرتبك. وأشار المراقبون أنفسهم إلى أن الكثير من هؤلاء المغتربين مؤيدون لحزب الله، ولكن حتى هؤلاء صارت لديهم شكوكهم.
وبحسب المراقبين، لا يغترب هؤلاء ويعانون ويعملون ويجمعون الليرة على الليرة لكي تتبدد مدخراتهم في صراعات سياسية ما عاد حزب الله قادرا على التنصل منها.
وكانت نتائج غضب المغتربين على الطبقة السياسية متوقعة؛ فقد كشفت دراسة أُنجزت بتكليف من مؤسسة كونراد أديناور في ديسمبر من العام الماضي أن أكبر كتلة من المستجوبين (25 في المئة) قالت إنها ستصوت لمرشحين مستقلين.
ولا يريد الكثير من اللبنانيين أكثر من التحرر من هذه التسميات الطائفية والبنى السياسية والاقتصادية التي تتيح الإفلات من العقاب الذي يدمر البلاد. لكنهم يائسون من إمكانية انهيار قبضة النخب على السلطة.
وقال سامر صبي (سائق شاحنة يدلي بصوته من سيدني) "أريد التغيير… لا أريد نفس الأشخاص، نفس الأشخاص كل أربع سنوات، وإن لم يكونوا هم يأتي أبناؤهم، وإن لم يأت أبناؤهم يأتي أقاربهم. ماذا عنا نحن؟".
وفي 2021 غادر البلد ما يقرب من 80 ألف شاب لبناني ضمن هجرة الأدمغة التي لا تستطيع البلاد تحملها. وهم يتطلعون إلى الحصول على وظائف وبناء مستقبل خارج لبنان. وقال جوزيف باحوط من الجامعة الأميركية في بيروت "إنهم لا يريدون النظر إلى الوراء. يوجد اليوم انطباع راسخ بأن البلد محكوم عليه بالفناء، ليس فقط على الصعيد السياسي، وإنما على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي أيضا".
وقال هادي هاشم المسؤول في وزارة الخارجية اللبنانية، إن نسبة الإقبال الإجمالية في انتخابات المغتربين بلغت نحو 60 في المئة أو ما يعادل 130 ألف ناخب. وبلغت نسبة الإقبال في أستراليا 55 في المئة ممن لهم حق التصويت، بينما وصلت في الإمارات إلى أكثر من 70 في المئة، وهي إحدى أعلى نسب الإقبال المسجلة.
وقالت الناخبة كريستيان ضو (37 عاما) التي تشارك لأول مرة في الانتخابات "جئت اليوم فقط للتصويت ولا يهمني كم من الوقت ننتظر في الحر؛ نحتاج إلى التغيير".
ويشير المراقبون إلى أن الحاجة إلى التغيير وإنهاء سيطرة حزب الله وحلفائه على المشهد قد أظهرت إلى أي حد كان قرار رئيس الوزراء السابق الحريري خاطئا بالدعوة إلى المقاطعة وفسح المجال أمام استمرار سيطرة حزب الله بإضعاف دور السنة والتقليص من فرص حصولهم على مواقع في البرلمان.
ويخدم تشرذم أصوات السنة، نتيجة انسحاب الحريري من الحياة السياسية، مصالح حزب الله وحلفائه الذين حصلوا مجتمعين على 71 مقعدا من بين مقاعد البرلمان البالغ عددها 128 مقعدا في الانتخابات السابقة سنة 2018، وفقا لبعض الخبراء السياسيين.
وقال إبراهيم الجوهري المحلل السياسي الذي كان مستشارا للحريري خلال توليه رئاسة الوزراء "انسحاب الحريري أثر كثيرا على الشارع السني وأجواء الانتخابات. على الأقل في المدن الكبيرة الثلاث -طرابلس وبيروت وصيدا- التي فيها أغلبية سنية"، مشيرا إلى أن حزب الله يتطلع الآن إلى الحصول على ثلثي مقاعد البرلمان وهو الحد الذي يحميه وحلفاءه من الاعتراض على قراراتهم.
وتساءل فؤاد مخزومي -وهو رجل أعمال سني وعضو في البرلمان ومرشح للانتخابات المقبلة- "الحريري غير موجود، ماذا نفعل؟ نقاطع لمصلحة حزب الله؟".
ولم يعلن تيار المستقبل رسميا مقاطعة الانتخابات لكن لافتاته وملصقاته في معاقله في بيروت تحث الناس على ذلك، كما نشر أنصاره تغريدات على تويتر تتضمن الرسالة نفسها.
وقال كمال فغالي الخبير الانتخابي المستقل، إن "الإقبال على التصويت من المتوقع أن يكون منخفضا، وعلى الأخص في الأحياء التي تقطنها أغلبية سنية". وأعلن مصطفى علوش، العضو المؤسس في تيار المستقبل، أنه يتفهم استياء الشارع لكن المقاطعة ليست هي الحل.
واستقال علوش (64 عاما) من الحزب، وقام بتأجيل خطط تقاعده واختار الترشح كمستقل لأنه يخشى أن يتيح انسحاب الحريري لقائمة يدعمها حزب الله فرصة أن تسيطر على مقاعد البرلمان.
وقال "الخطر في السياسة هو تسلل حزب الله أكثر فأكثر إلى الساحة الطرابلسية والشمال بشكل عام، كما يتسلل إلى كافة المناطق التي كانت فيها أكثرية لتيار المستقبل".
وبالتزامن مع اقتراب التصويت سعت شخصيات سنية بارزة إلى التركيز على زيادة المشاركة على مستوى البلاد. وفي أبريل دعا مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان في خطبة جميع اللبنانيين إلى الإدلاء بأصواتهم.
ويقدر المحلل السياسي الجوهري أن السنة الذين تشرذمت أصواتهم قد يخسرون ستة مقاعد على الأقل أو ثمانية على الأكثر لصالح حزب الله "دون أن يفعل شيئا".
المصدر: جريدة العرب