أكد خبراء في الشأن العراقي أن كراهية العراقيين لإيران دفع بالأخيرة إلى إرسال مندوبيها لاحتواء تلك الأزمة بعد تصعيد المليشيات لتفخيخ المشهد السياسي في البلاد، محذرين في الوقت نفسه من خطر عودة تنظيم داعش الإرهابي.
وارتفعت وتيرة الهجمات الإرهابية في العراق، وسط مخاوف من موجة عنف جديدة مع اقتراب البلاد من تشكيل حكومة جديدة في ظل استبعاد الميليشيات الموالية لإيران من التحالف الحكومي المرتقب الذي سيقود البلاد.
ودخلت إيران على خط تشكيل الحكومة العراقية، كمحاولة لوقف نزف مليشياتها المسلحة بعد خسارتها الانتخابات البرلمانية وكمحاوله لاحتواء كراهية العراقيين لتدخلاتها، بحسب مراقبين.
وآخر تلك الهجمات الدموية مجزرة ديالي، التي استهدف فيها تنظيم داعش، الجمعة، مقرا للجيش العراقي عند نقطة حدودية أقصى بالمحافظة أسفرت عن مقتل 11 جندياً.
وبخلاف ديالي، فالبلاد تشهد مدار الأيام الماضية، هجمات متتالية استهدفت المنطقة الرئاسية ببغداد وقواعد عسكرية دولية ومقار حزبية تابعة للتحالف الذي سيشكل الحكومة الجديدة، إضافة إلى استهداف أمنيين ومؤسسات خاصة وعامة.
إيران وتفجيرات الميليشيات
ومن شأن التحركات الإيرانية الأخيرة وتدخلها عبر مندوبيها أن تعقد أزمة تشكيل الحكومة االعراقية، التي تمر أصلا بتعقيد شديد بعد إصرار الميليشيات المسلحة على حكومة توافقية، في وجه التيار الصدري الذي يريد حكومة ذات أغلبية وطنية، بحسب المراقبين.
ووصل قائد فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني،إسماعيل قاآني، الأحد، إلى مدينة النجف وسط العراق، في مسعى أخير لإنقاذ أذرع طهران.
وربط مراقبون استهداف الميليشيات لمقار الأحزاب العراقية والقوى السنية، وبين زيارة قاآني، لأنها ستوفر له ذريعة القدوم إلى النجف من أجل رأب الصدع داخل البيت الشيعي ومحاولة إيجاد سبيل لاشتراك الطرفين المتنازعين (الإطار التنسيقي والتيار الصدري) في حكومة توافقية، بحسب رؤيتهم.
والتقى قاآني بزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، بعدما فشلت جميع المحاولات لإقناع الأخير بالتحالف مع الإطار التنسيقي (القوى السياسية الشيعية المدعومة من إيران) الذي خسر الانتخابات البرلمانية التي جرت في أكتوبر الماضي.
خيبة أمل إيرانية
وتحدثت تسريبات عراقية عن أن الجنرال قاأني عاد بخفي حنين إلى طهران، وأنه قد يزور العراق مرة أخرى.
وتحركات إيران وأهدافها من تشكيل الحكومة العراقية، يراها المحلل السياسي العراقي علي الصاحب، أن "زيارة اسماعيل قاآني للعراق أمر ليس مستغرب، إذ ماعرفنا حجم التدخل الإيراني والإقليمي والعالمي بمشهد البلاد".
ويضيف الصاحب في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه:" للأسف الشديد أصبح العراق ذلك البلد العريق والكبير في عمقه العربي والسياسي والدبلوماسي والسيادي، ساحة لتصفية الحسابات ومرتعا للتدخلات والإملائات الخارجيه".
ويفسر الصاحب: "زيارة قاآني كانت بمثابة ورقة ضغط على الحكومه العراقيه وعلى الأطراف المتنازعه وخاصة البيت الشيعي لإنهاء ملف التقاطعات والاختلافات التي خرجت من العقلانية إلى الضبابية".
كراهية إيران
بعد فشل زيارة قاآني بيوم واحد، هنا دفعت إيران بمندوبها محمد كوثراني، مسؤول "ملف العراق" بحزب الله الإرهابي في لبنان، إلى مدينة النجف العراقية، لعقد سلسلة من اللقاءات مع قادة الإطار التنسيقي الشيعي والصدر في محاولة لحلحلة الأزمة الراهنة حول تشكيل الحكومة العراقية.
وهنا يقول رئيس مركز التفكير السياسي بالعراق حسين الشمري إن "وجود قاآني وكوثراني يؤشر بأن فيلق القدس الإيراني مازال ممسكا بالملف العراقي".
ويضيف في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" أن إيران تتعاطى مع العراق من خلال ميليشيات فيلق القدس ولا تغيير في السياسة الإيرانية، ولذلك انخراط قاآني في مشاورات تشكيل الحكومة العراقية وتقريب وجهات النظر بين القوى الشيعية يعد إعلانا رسميا بأن إيران مشتركة مفاوضات تشكيل حكومة العراق".
وعن أهداف إيران يقول: "تريد ضبط إيقاع القوى السياسية الشيعية القريبة منها، لكي لا تنزلق العلاقة أو تذهب لمنحنيات الاحتكاك المؤقت وهذا يكلف كثيرا، كما أنها بمصالح الدول تريد الحفاظ على الحد المتوسط لمصالحها في الداخل العراقي خاصة أنها باتت تجد صعوبة كبيرة بعد ثورة تشرين 2019 العراقية ومستوى قبولها في الشارع العراقي، وحتى الشارع الشيعي نفسه".
ويتابع: "لذلك طهران تريد الحفظا عل التركيبة السياسية القريبة منها وعلى مصالح حلفائها في العملية السياسية لاستمرار هيمنتها على القرار العراقي".
رؤية جديدة لتشكيل الحكومة
بعد تعقد تشكيل الحكومة العراقية حتى الآن، طرح الحزب الديمقراطي الكردستاني، الخميس، رؤيته بشأن مستقبل الحكومة المقبلة وآلية اختيار الرئيس العراقي.
وتوقع الحزب على لسان نائبه ماجد شنكالي، أن "يتحول تشكيل الحكومة إلى الأغلبية الموسعة التي تضم جزءاً من الإطار التنسيقي الشيعي بالإضافة الى الاتحاد الوطني والنواب المستقلين الجدد".
وقال شنكالي إن "الفترة المقبلة ستشهد انضماماً كاملاً لتشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء والحكومة"، موضحاً، أن "الأسماء التي تطرح لرئاسة الوزراء ستكون من خلال الكتل الشيعية وتحتاج لتوافق فيما بينها وستعرض على باقي الكتل من السنة والكرد ويتم التوافق على البرنامج الحكومي واختيار التشكيلة الوزارية".
أما منصب الرئيس العراقي فهو ليس حزبياً بل هو للمكون الكردي ويجب أن يكون هناك "توافق بين الأكراد للخروج بمرشح واحد"، وفق شنكالي.
فراغ دستوري
ومعلقا على ذلك يقول المحلل حسين الشميري، إن" شكل الحكومة العراقية المقبلة سيتحدد من خلال المفاوضات الجارية مندوبي إيران والقوى الشيعية والتيار الصدري، لذلك فتدخل طهران أيضا لأنها تريد تأسيس حكومة غير معادية لها".
ويضيف:" الحكومة المقبلة ستكون طبقا لتوافق الأغلبية بمعنى ليست هناك حكومة بأغلبية سياسية أو حكومة توافقية يشترك فيها الجميع
الشميري، وفق تعبيره، فهناك محاولة "عزل سياسي لنور المالكي وقد تفتح قوى من الإطار التنسيقي الشيعي تحالفات مع الصدر، لذا نصبح أمام شكل قريب من الحكومات التوافقية لكن مع وجود أحزاب وقوى تذهب مرغمه لزاوية المعارضة".
أما قضية المقاطعة السياسية والتي تلوح الفصائل الشيعية ضمن الإطار التنسيقي بالمقاطعة السياسية فيؤكد أنها" لن تحدث لأن ذلك يعني انسحاب تل القوى من البرلمان وفقدان مقاعدها ولا أتصور حدوث ذلك".
قد تكون المقاربة التي تطرح الآن من قآاني أو كوثراني هي إيجاد ضمانات لخروج آمن للقوى المسلحة الموالية لإيران، التي تعتقد أن زعيم التيار الصدري، سيستهدفها من خلال الملاحقة القضائية وقد يكون هو المخرج الوحيد لتشكيل حكومة توافقية ذات أغلبية وفق مبدأ جديد في تشكيل الحكومات العراقية، وفق الشميري.
أما المحلل السياسي علي الصاحب، فيعود مؤكدا أن :"فرص التقارب بين الصدر والمليشيات الإيرانية أصبحت شبه معدومه في ظل إصرار الطرفين على عدم تقبل الآخر للعمل سويا في حكومه واحدة".
ويضيف:" هذا الأمر ومع مرور القوت ينذر بحالة فراغ دستوي مايعني إنزلاق العراق بجلمة من المنحيات والانحرافات القانونيه التي تنعكس سلبا على الواقع السياسي والأمني والاقتصادي، في ظل وجود تنظيم داعش الذي ينتظر الفرصة للعودة مرة أخرى".
المصدر: سكاي نيوز عربية