بات الحشد الشعبي خلال السنوات الأخيرة الى اللاعب الأساسي الذي لا يمكن تجاوزه في العراق، وفقا لما أفاد به خبراء لوكالة فرانس برس.
ويحظى الحشد الشعبي بثاني أكبر كتلة في البرلمان، ويمكنه التصرف بمليارات الدولارات، ويملك قوة عسكرية ضخمة مدعومة من إيران، ونجح مرة أخرى أخيرا في إثبات تحكمه بالمشهد السياسي في البلاد.
ورأي خبراء أن انتخاب المحافظ المتشدد ابراهيم رئيسي رئيساً لإيران، أعطى دفعا جديدا للحشد.
ولعل إطلاق سراح القيادي فيه قاسم مصلح المتهم بعلاقته باغتيال ناشطين، أكبر دليل على تعاظم نفوذ الحشد.
وقال الباحث ريناد منصور من مركز "تشاتام هاوس" للأبحاث للوكالة إن الحشد، وهو تحالف مؤلف من فصائل مسلحة موالية لايران تأسس في حزيران/يونيو 2014 وتم دمجه في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 مع القوات النظامية، "ليس حالة شاذة بل هو مقياس لسلوك السلطة في العراق".
وأوضح الباحث أن "أهداف الحشد هي نفسها أهداف جميع الأحزاب السياسية في العراق، وهي أن يصبح القوة السياسية الأولى في نظام يسمح، في ظل غياب سيادة القانون الحقيقية، بالوصول إلى السلطة بدون أن يكون عرضة للمحاسبة أمام الشعب أو المؤسسات".
واعتبر منصور أن الإفراج عن قاسم مصلح بعد أسبوعين على توقيفه، "يظهر مدى عمق صلات الحشد في الدولة، حتى أن صلاته أعظم من صلات رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يقدّم نفسه كمدافع عن ناشطي "ثورة تشرين"، دون أن يتمكن حتى الآن من محاسبة قتلتهم".
بدوره، أكد ضابط عراقي كبير، في حديثه للوكالة، أن عناصر الحشد الموجودين في جميع مفاصل القوات الأمنية، "لم يعودوا يخشون" تلك القوات.
وأضاف "الفصائل المسلحة المنضوية تحت الحشد، تعمل على تفكيك ما تبقى من الجيش من أجل إضعافه وتفتيته، ولكن لا يزال هناك عدد قليل من القادة المخلصين الذين يحاولون الصمود في وجه هذه المحاولات".
وتقدّر مصادر سياسية في الحشد بأن نتيجته في الانتخابات المقبلة المقرّرة في تشرين الأول/أكتوبر ستكون أسوأ من المرة السابقة. إذ يأتي الاستحقاق بعد "ثورة" تشرين الأول/أكتوبر 2019 حينما تظاهر مئات الآلاف من العراقيين أشهراً في الشوارع ضد النظام، فيما يتهمّ المتظاهرون الفصائل المنضوية في الحشد بالمسؤولية عن اغتيالات طالت ناشطين شاركوا في هذه الحركة الاحتجاجية، وعن القمع الدموي الذي ووجهت به وأودى بحياة 600 شخص.
ودُمج الحشد في أجهزة الدولة في خضم الحاجة إليه خلال المعارك مع تنظيم "داعش" على الرغم من معارضة النواب الأكراد والسنة.
وتسيطر مجموعات من الحشد الشعبي على منافذ حدودية وأرصفة موانئ في العراق عبر الفساد والرشاوي التي تملأ خزائنها بأموال، لا تحتاج إليها لدفع رواتب عناصرها، لأنها مندمجة في القوات الرسمية وتتلقى رواتبها من الدولة.
ويقول الخبراء إن دولارات الرشاوى والابتزاز قد تفيد في النهاية أكثر من جهة، لا سيما إيران المجاورة الخاضعة للعقوبات الأميركية وحلفائها الإقليميين مثل حزب الله اللبناني.
ويروي مسؤول مصرفي عراقي كبير أن "سياسيين ورجال ميليشيات ينقلون مبالغ مالية نقدية منذ 18 عاماً على متن طائرات إلى لبنان"، مشيرا الى أن "60 مليار دولار أرسلت إلى لبنان".
وأكد مسؤول عراقي أن الجهة الوحيدة القادرة على أن تكون منافسة فعلياً لفصائل الحشد، هو مقتدى الصدر، زعيم الميليشيا السابق.
وأشار إلى أن الصدر، صاحب القدرات المالية والعسكرية، يشكّل "شوكة في خاصرة الفصائل الموالية لإيران التي تحاول صنع نموذج للحرس الثوري في العراق".
وتشكّل تلك الخصومة، كما يؤكد خبراء ومسؤولون، السبب الوحيد الرادع أمام تحوّل الفصائل إلى نسخة مماثلة تماماً للحرس الثوري الإيراني.
فرانس برس