انسحبت الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 في أيار/ مايو 2018، معلنة أن بنود الاتفاقية غير كافية وأن إيران تنتهكها، وبدأت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في تشديد العقوبات، الأمر الذي أثار استياء الموقعين الآخرين على الاتفاقية، لكن إيران لم تلغها، وبدلاً من ذلك، زادت بثبات الضغط، بشكل مباشر على واشنطن وبشكل غير مباشر من خلال الدول الموقعة الأخرى، لاستعادة الاتفاق.
لماذا لا تزال الحكومة الإيرانية بحاجة إلى اتفاق نووي؟ لأنه على المدى الطويل، ستكسب طهران الكثير من الناحية الاقتصادية والجيوسياسية بينما تتخلى عن القليل من الناحية التكتيكية، وفقا لتحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز".
أصرت إيران جهارا على استعادة "الاتفاق النووي الذي أبرمته" في عام 2015 و "تنفيذه كلمة بكلمة"، لكن من الناحية العملية، أظهرت الجمهورية الإسلامية بالفعل قدرا كبيرا من المرونة، وقال التحليل إن الباب الدبلوماسي مفتوح للولايات المتحدة وإيران للتوصل إلى اتفاق أكثر قوة من شأنه أن يتغلب على انتقالات الإدارات في كلا البلدين.
وكان الاتفاق النووي الإيراني بمثابة اتفاقية للحد من التسلح، تهدف إلى القضاء على طموحات طهران النووية، لكن الظروف تغيرت، واليوم ستكسب إيران أكثر بكثير مما قد تخسره من خلال الالتزام بقيود الاتفاقية أو حتى الموافقة على التعديلات، وفقا للتحليل.
بادئ ذي بدء، طورت إيران برنامجها النووي بشكل كبير، وأدى انسحاب واشنطن من الاتفاقية إلى تحرير إيران من السعي وراء مستويات أعلى من تخصيب اليورانيوم.
ووصلت نسبة تخصيب اليورانيوم الآن إلى نسبة تخصيب 63 بالمائة، ولا تزال أقل من 90 بالمائة اللازمة لصناعة قنبلة نووية، في وقت تزعم فيه إيران بثبات أنها لا تسعى لذلك. ومع ذلك ، فمن المرجح الآن أكثر من الماضي أن تتمكن إيران من تحقيق اختراق نووي واقعي، بمجرد انتهاء حد التخصيب المنصوص عليه في الاتفاق الأصلي في تشرين الأول/ أكتوبر 2030، أو حتى عندما تنتهي الجداول الزمنية للاتفاق المعزز في نهاية المطاف.
من خلال مواصلة التخصيب، أثبتت إيران لنفسها وللعالم أنها قادرة على التغلب على الضربات ضد منشآتها النووية واغتيالات علماءها.
ويجد التحليل أن الاتفاق الدولي لم يعد يشكل عقبة مطلقة أمام المسعى النووي الإيراني، الذي بدأ في عهد الشاه الأخير واستمر في ظل الجمهورية الإسلامية. كما أن الاتفاق لا يمثل عائقا كبيرا أمام القدرات التقليدية لإيران، إذ انتهى حظر الأسلحة التقليدية للصفقة في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وسينتهي حظر الصواريخ الباليستية في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ولن تخسر إيران سوى القليل من القدرة العسكرية التقليدية من خلال العودة إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي، ومن المحتمل أن تكون طهران قد حسبت أن استئناف التزاماتها بموجب الاتفاق النووي لن يكلف برامجها العسكرية سوى القليل.
من ناحية أخرى، فإن إلغاء العقوبات سيعود بالفائدة الكبيرة على البلاد اقتصاديا وجيوسياسيا، وجعلت الضغوط المالية المباشرة وغير المباشرة من الولايات المتحدة إيران تعتمد على حفنة من الشركاء التجاريين، وبحلول عام 2019، كانت الصين قد سيطرت على 48.3٪ من صادرات إيران و 27.5٪ من واردات البلاد.
وطالما استمرت العقوبات المفروضة على إيران والعقوبات الثانوية المفروضة على شركائها التجاريين، تظل طهران ضعيفة اقتصاديا، وتعتمد على تلك الدول التي تجرؤ على خرق إرادة واشنطن.
لقد عانى الإيرانيون من العواقب السلبية لمثل هذه التبعية من قبل، في القرنين التاسع عشر والعشرين، إذ اعتمدت إيران بشكل مختلف على روسيا، والاتحاد السوفيتي، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة.
والآن، تخشى الصناعات الإيرانية خسارة أخرى حيث عارضت الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي استمرت 25 عاما والتي أعلنتها طهران وبكين في مارس / آذار الفائت، على الرغم من أنها ستأتي باستثمارات صينية بقيمة 400 مليار دولار.
ويرى التحليل أن "الإيرانيين أدركوا أن رفع العقوبات، وخاصة القيود المصرفية، من خلال الاتفاق النووي أمر مهم لإعادة تأكيد الاستقلال الاقتصادي لبلدهم".
وخلال فترة الضغط المتزايد من واشنطن، لم يكن أمام طهران ملاذ يُذكر سوى السعي للحصول على حماية دبلوماسية ودفاعية من القوتين العظميين الأخريين، حيث برزت روسيا، في متناول اليد، كضامن أمن أساسي لإيران، ومتعاون عسكري، ومزود للعتاد، كما وسعت الصين بشكل سريع تعاونها في تلك القطاعات.
ومارست كل من روسيا والصين حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وقدراتهما الإقناعية، لحماية إيران من المطالب الأمريكية، وفي الآونة الأخيرة، عارضت موسكو وبكين علنا إصرار واشنطن على قبول إيران بإدخال تحسينات على الاتفاق النووي، كشرط لعودة الولايات المتحدة للاتفاق.
ووفقا للتحليل، فإن إعادة إحياء الاتفاق النووي، سيبطل المخاوف الإيرانية من التغلغل الروسي والصيني في شؤونها، وسيخفف قبضة هاتين القوتين العظميين على طهران، وتشير المؤشرات إلى أن طهران مستعدة للعمل مع واشنطن مرة أخرى، كما فعلت بين عامي 2015 و2018 بموجب الاتفاق النووي، لافتا إلى أن "المكاسب الاقتصادية والجيوسياسية من وراء العودة للاتفاق ستفوق التنازلات العسكرية، لأنه يمكن استئناف التقدم التكتيكي في المستقبل".
إيران إنسايدر - (ترجمة هشام حسين)