بعد خمس سنوات من قطع الرياض العلاقات مع طهران، هناك تقارير متزايدة عن اتصالات سياسية مباشرة بين الدولتين، فما هي مصالح الطرفين في تخفيف التوتر، وهل ينبغي أن تهتم إسرائيل بذلك؟
ونشر "مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي" التابع لجامعة تل أبيب، أمس الخميس، دراسة أكد فيها أن المحادثات الإيرانية السعودية تشكل تطورا جديدا في العلاقات بين الدولتين، منذ القطيعة بينهما في العام 2016، وذلك بسبب تغيير الإدارة الأمريكية في واشنطن، وجاءت التطورات مع إعلان إدارة بايدن عن حوار مع طهران حول العودة إلى الاتفاق النووي، وانتقادها بشدة المملكة العربية السعودية، فأدى الموقف المتغير في البيت الأبيض إلى تعديلات في السياسة الخارجية السعودية، بما في ذلك المصالحة مع قطر في يناير/ كانون الثاني 2021، وعرض اتفاق وقف إطلاق النار على الحوثيين في اليمن في مارس/ آذار، وآخرها بدء حوار مع إيران.
بالنسبة لإسرائيل، لا ينبغي أن يشكل وجود حوار سعودي إيراني، تغييرا مبدئيا نحو تحسين العلاقات مع دول الخليج، التي تربط بعضها علاقات رسمية وغير رسمية مع إسرائيل إلى جانب علاقاتها مع إيران.
وفي الوقت نفسه، سيكون التقارب الإيراني السعودي الملموس صدعا كبيرا في الجبهة المناهضة لإيران التي حاولت إسرائيل تقديمها، والأهم من ذلك أنها ستقضي على عنصر أساسي في معارضة عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي.
في الأسابيع الأخيرة، كانت هناك تسريبات كثيرة حول لقاءات بين ممثلين عن إيران والسعودية، وكذلك بين إيران ومصر والإمارات والأردن، برعاية رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وبحسب هذه التقارير، فقد جرت بالفعل جولتان من المحادثات المباشرة برعاية عراقية بين إيران والسعودية، مع الفريق السعودي برئاسة مدير المخابرات العامة خالد الحميدان.
ولم يؤكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أو ينفي هذه الاتصالات، لكنه قال إن بلاده تؤيد الحوار مع الرياض، وتحدث السفير الإيراني في بغداد بشكل أكثر تحديدا، قائلا إن إيران "تدعم وساطة بغداد لتقريب طهران من الدول التي واجهنا معها تحديات أو التي فتكت العلاقات معها".
ودعا اجتماع لمجلس الوزراء السعودي في 20 نيسان/ أبريل 2021 برئاسة الملك، إيران إلى "الانخراط في المفاوضات الجارية وتجنب التصعيد وعدم تعريض أمن المنطقة واستقرارها لمزيد من التوتر"، وفي غضون ذلك، ورد أن وزير الخارجية الإيراني محمد ظريف التقى بمسؤولين سعوديين كبار في زيارة للعراق في 26 نيسان/ أبريل، وزار أيضا الكويت وقطر وعمان.
ولا تزال إيران تعتبر المملكة العربية السعودية منافستها وعاملا رئيسيا في تشجيع السياسة الأمريكية ضد إيران، علاوة على ذلك، ترى في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين تطورا سلبيا، وتعتقد أنه حتى لو لم يحدث تطور مماثل في علاقات إسرائيل مع المملكة العربية السعودية، فإن البلدين يحافظان على علاقات سرية، ولا سيما في مجال المخابرات.
أدى التغيير في موقف البيت الأبيض تجاه كل من السعودية وإيران بالفعل إلى تعديلات في السياسة الخارجية السعودية، بما في ذلك اتفاق مصالحة مع قطر في كانون الثاني/ يناير 2021، وعرض للحوثيين اتفاق وقف إطلاق النار في آذار/ مارس 2021، والآن الحوار مع إيران.
وتأتي أولويات المملكة العربية السعودية على رأسها الحاجة إلى إنهاء الصراع في اليمن، والذي تسبب في خسائر كبيرة في العلاقات السياسية والعامة من المملكة، وتخشى الرياض أنه إذا نجحت المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، فإن مكانة إيران الإقليمية ستتعزز، ومن أجل تعويض العواقب السلبية المحتملة لهذه المفاوضات على مكانة السعودية ونفوذها جزئيا على الأقل، سعت إلى الانخراط في حوار مع إيران.
تُعد الاجتماعات التي تم الإبلاغ عنها في الأسابيع الأخيرة بين إيران والسعودية تطورا جديدا للبلدين، حيث قطعت العلاقات بينهما في عام 2016، على عكس عام 2015، عندما أدت المحادثات بين إيران والولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، تريد الرياض هذه المرة أن البقاء في صورة المحادثات واتخاذ خطوات لضمان ذلك.
وأعربت المملكة العربية السعودية عن دعمها العلني للمحادثات غير الرسمية بين إيران والولايات المتحدة بشأن الملف النووي، شريطة مناقشة الأمور الأخرى ذات الاهتمام بعد التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي.
وتشمل هذه القضايا الإضافية ترسانة الصواريخ الإيرانية، فضلا عن نشاط وكلاء إيران في المنطقة، وأوضح مدير إدارة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية السعودية أن أي عودة إلى الاتفاق لم تتناول أيضا قضية الصواريخ الإيرانية ودعم المجموعات الإقليمية المزعزعة للاستقرار لن تدوم، لذا ينبغي أن تكون العودة إلى الاتفاق النووي هي الخطوة الافتتاحية نحو ضم اللاعبين الإقليميين لغرض توسيع البنود في الاتفاقية، وضمان عدم تخصيص الأموال المحررة نتيجة رفع العقوبات ضد إيران لزعزعة استقرار العراق.
بالنسبة لإيران، يُنظر إلى إعادة العلاقات مع الرياض على أنها تساهم في الحد من عواقب التطبيع بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، وتخفيف أجواء المواجهة في الخليج، وتحسين مكانة إيران الإقليمية، كل هذا يخدم سياسة إيران المعلنة في معارضة مطالبة الولايات المتحدة والدول الأوروبية بتوسيع النقاش حول الاتفاقية النووية لتشمل موضوع الصواريخ وسياسة إيران الإقليمية، مع التأكيد على ضرورة حصر مناقشة القضايا الإقليمية، حصريا للاعبين الإقليميين.
ويعتبر الحوار بين السعودية وإيران، على افتراض أنه مستمر ويرى تقدما، تطورا بالغ الأهمية، وستستفيد منه إيران لتحسين موقفها في حوارها مع واشنطن.
الهدف الرئيسي للمملكة العربية السعودية هو التوصل إلى اتفاقيات ملموسة تؤدي إلى إنهاء الحرب في اليمن وهجمات الحوثيين على المملكة.
وقدمت الرياض، التي تعرضت منذ سنوات لهجمات مستمرة من اليمن والعراق وإيران ضد منشآتها الاستراتيجية، بما في ذلك أهم المنشآت النفطية في العالم، عرضا سخيا للحوثيين لإنهاء الحرب.
وتُظهر أرقام من الجيش السعودي أنه اعتبارا من شباط/ فبراير 2021، تم إطلاق ما لا يقل عن 860 صاروخ أرض-أرض وطائرة بدون طيار على الأراضي السعودية منذ آذار/ مارس 2015.
ويشير خطاب ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي محمد بن سلمان في 28 أبريل/ نيسان إلى تغيير كبير في سياسة الرياض تجاه إيران، أو على الأقل في خطابها.
وقال "إيران دولة مجاورة، وكل ما نطلبه هو أن تكون لها علاقة جيدة ومتميزة مع إيران، لا نريد أن يكون الوضع مع إيران صعبا، على العكس من ذلك، نريدها أن تزدهر وتنمو لأن لدينا مصالح سعودية في إيران، ولديهم مصالح إيرانية في السعودية".
وهذه التصريحات تتناقض بشكل صارخ مع تصريحات بن سلمان السابقة، التي قارن فيها المرشد الأعلى لإيران بهتلر.
في هذه المرحلة المبكرة، من الصعب تقدير احتمالات نجاح المحادثات، كما في الماضي، من المرجح أن يفشلوا، وحتى إذا حدث ذوبان الجليد في العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، فسيكون ذلك غير جوهري.
العداوة بين الجانبين عميقة ولم تختف الأسباب الأساسية للعداء، حتى لو دفعت الظروف المتغيرة في المنطقة الطرفين إلى إعادة تموضعهما وتخفيف التوتر بينهما، على الأقل إلى حد ما.
إن التنافس بين المملكة العربية السعودية وإيران، وهو عنصر بارز في البنية الإقليمية، متجذر في الخلافات الجيوسياسية، وينطوي على جوانب أيديولوجية.
وينعكس التنافس على النفوذ الإقليمي بشكل أساسي في الصراع في مختلف المسارح من خلال الحلفاء والوكلاء، وبالفعل أثار تقرير المباحثات قلق الميليشيات الموالية لإيران في العراق لاحتمال أن يساهم ذلك في جهود ضمها إلى الجيش العراقي وتقليص قوتها المستقلة.
وأوضح قائد بميليشيا "كتائب حزب الله" العراقية استياءه من المحادثات، وأعلن أن تنظيمه ليس جزءًا منها، ما يعني أنه غير ملزم بأية اتفاقيات قد تضعف مكانته.
لا ينبغي أن يشكل وجود حوار سعودي - إيراني تغييرا مبدئيا في الاتجاه الإقليمي نحو تحسين العلاقات العربية مع إسرائيل، إذ أن لبعض دول الخليج علاقات رسمية وغير رسمية مع إسرائيل إلى جانب علاقاتها مع إيران.
وفي الوقت نفسه، يقف الخط الأكثر ليونة وشبه التصالحية الذي تتبناه المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الأخرى تجاه إيران وتجاه إدارة بايدن في تناقض حاد مع الموقف الذي أبدته إسرائيل تجاه المفاوضات مع إيران، علاوة على ذلك، فإن التقارب الإيراني السعودي الملموس (في أعقاب الذوبان المدروس في العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإيران) سيشكل صدعا مهما في الجبهة المناهضة لإيران الذي سعت إسرائيل إلى تقديمه، والأهم من ذلك أنها ستقضي على عنصر أساسي في معارضة عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي.
إيران إنسايدر - (ترجمة هشام حسين)