التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الخميس 12 أيلول/سبتمبر، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في منتجع سوتشي، وتركزت المحادثات على التعاون والتنسيق الأمني والعسكري بين البلدين وخاصة في سوريا، التي دخلتها روسيا في 30 أيلول/سبتمبر 2015، لدعم النظام ضد المعارضة السورية، في الوقت الذي تشن إسرائيل بين الفينة والأخرى غارات جوية تستهدف مقرات عسكرية لإيران وحزب الله وميليشيات تابعة للحرس الثوري في سوريا.
ويتحدث نتنياهو بكل وضوح عن مدى العلاقة بين إسرائيل وروسيا في سوريا، ويقول "أعتبر قرار تنسيق النشاط العسكري أحد أهم الإنجازات لدولة إسرائيل، أقصد في المقام الأول، إنشاء جبهة دولية ضد محاولات إيران للتسلح النووي، وضد انتشار نفوذها في منطقتنا، وخاصة في سوريا، والتنسيق مع روسيا، والذي يسمح لنا بمكافحة التوسع الإيراني، هذه هي الأشياء التي أقدرها تقديرا عاليا، وفي هذا السياق أقدر علاقتنا بالرئيس بوتين".
زيارة نتنياهو جاءت بعد سلسلة تطورات في المنطقة، كان أبرزها قصف إسرائيل لمقر عسكري في بلدة عقربا جنوب دمشق، قالت إنها منعت من خلال الضربة استهدافها من قبل فيلق القدس عبر طائرات مسيرة، وقتلت عنصرين من ميليشيا حزب الله اللبناني. ومهاجمة إسرائيل لمقر في الضاحية الجنوبية –معقل حزب الله في بيروت- وإعلان الأخير إسقاط الطائرتين المسيرتين، وبعد سلسلة هجمات استهدفت مقرات عسكرية لميليشيات الحشد الشعبي في العراق، وإثر مناوشات استمرت لدقائق بعد استهداف حزب الله لعربة عسكرية إسرائيلية، والحدث الأبرز هو قصف القاعدة المركزية لإيران في مدينة البوكمال شرق سوريا على الحدود مع العراق.
ونفذت إسرائيل مئات الضربات في سوريا ضد أهداف إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله، لكنها نادرا ما تعترف بها، وتتم غالبية الضربات بعد تنسيق أمني وعسكري مع قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية.
اجتماع ثانٍ بالقدس
وكشفت مصادر، أن "اجتماعا أمنيا سيعقد في مدينة القدس، ويضم رؤساء مجالس الأمن الروسي والأمريكي والإسرائيلي، وسيناقش بالخصوص التواجد الإيراني في سوريا، والتطورات الأخيرة بهذا البلد".
وقالت المصادر "تعمل الدول الثلاث "روسيا وأمريكا وإسرائيل"، على عقد اجتماع أمني، ربما سيكون في مدينة القدس".
وتابعت المصادر "سيناقشون التواجد الإيراني في سوريا، وتطورات أخرى تحصل هناك".
وأوضحت أن "موعد الاجتماع قد يعلن عنه بعد لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو".
وعقد مستشارو الأمن القومي الأمريكي جون بولتون والروسي نيكولاي باتروشيف والإسرائيلي مائير بن شبات، اجتماعا أمنيا في القدس على مدار يومين في 24 و25 حزيران/يونيو الماضي، ونقلت صحيفة إسرائيلية عن مصدر مطلع حينها، قوله بعد انتهاء الاجتماع، أن "الدول الثلاث أجمعت على طرد إيران من سوريا، وأن روسيا -التي رفضت اعتبار إيران "تهديدا عالميا"- وافقت على إخراج القوات الإيرانية من سوريا.
مصالح متضاربة
وكان ولا يزال الوجود الإيراني في سوريا مثار جدل وخلاف بين موسكو وتل أبيب وواشنطن، حيث من الواضح أن موسكو ليست في وارد اتخاذ القرار الصعب بالتخلي عن حليفها الإيراني من دون مقابل يجعل منها شريكا لواشنطن في رسم الخرائط الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط.
ومنذ بدء الثورة السورية في عام 2011، بدأت إيران بالتدخل المباشر لصالح نظام بشار الأسد، الذي شرّع أبواب البلاد أمام آلاف المسلحين الطائفيين الذين أرسلتهم إيران إلى سوريا ضمن ميليشيات ترفع شعارات طائفية قتلت السوريين على الهوية حتى باتت جزءا من معادلة القوة.
ونشرت إيران هذه الميليشيات التي تضم مسلحين شيعة من كل الجنسيات في عموم البلاد، وخاصة في دمشق ومحيطها وفي حمص، وحلب وريفها وريف دير الزور الشرقي.
وخلقت إيران ميليشيات محلية تضم مسلحين سوريين وفلسطينيين ولبنانيين، باعوا ولاءهم للحرس الثوري الإيراني مقابل دعم عسكري ومادي، كما تغلغل الإيرانيون في المؤسستين العسكرية والأمنية التابعتين للنظام السوري إلى حد بعيد، حيث يدين بالولاء لإيران عدد كبير من ضباط جيش النظام، وفي مقدمتهم ماهر الأسد، الذي يقود الفرقة الرابعة في هذا الجيش الذي أدت الحرب إلى تهالكه.
وتنشط إيران لتغيير الهوية السورية من خلال نشر التشيع في البلاد ترهيبا وترغيبا، كما تحاول إيجاد موطئ قدم لها على الساحل السوري وإنشاء قواعد عسكرية إلى جانب القواعد الروسية.
وخلقت إيران وقائع في سوريا من الصعب تجاوزها من دون مساعدة روسية، من هنا تمارس واشنطن وتل أبيب ضغوطا على موسكو من أجل التخلي عن الإيرانيين في سوريا مقابل بقاء الروس في شرقي البحر المتوسط، ومنح بشار الأسد طوق نجاة سياسيا من خلال الاعتراف به والسماح له بالترشح في الانتخابات المقبلة.
مواجهة قريبة
تدرك إيران أن المواجهة مع روسيا، آتية من البوابة الإسرائيلية؛ فروسيا بحسب المسؤولين الإيرانيين لم تكن يوما إلى جانب إيران فيما يتعلق بإسرائيل.
روسيا بدورها لم تنف أنها تعارض الأجندة الإيرانية تجاه إسرائيل من الأراضي السورية وهو ما دفع نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريباكوف للقول إن طهران ليست حليفة لموسكو، وأن بلاده لا تستخف بأي طريقة بأهمية التدابير التي من شأنها ضمان أمن قوي لإسرائيل، وهي من أهم أولويات روسيا.
صراع داخل الجبهة
حصر الصراع الروسي الإيراني، بالملف الإسرائيلي قد لا يشرح المشهد بأكمله، ولكي يكتمل المشهد يجب وصف التنافس بين طرفي حلف الأسد في سوريا بأنه صراع داخل الجبهة الواحدة، إذ أن كلا البلدين حتى اللحظة لم ينجح برغم كل التناقضات التي تحيط بهما في إيجاد شريك آخر ومناسب بذات الأهداف يمكنه استبدال الآخر به.
هو ائتلاف أكثر منه تحالف، فرضت الظروف والخصوم المشتركين عليه أن يتطور إلى تعاون استراتيجي بالإكراه، لكنه أمر واقع لا يمكن لكلا الطرفين التخلي عنه، على الأقل حتى تغيّر أسبابه.
كل ما سلف يعزز تضاد المصالح الذي ينعكس صراع نفوذ على الساحة السورية الداخلية، فيتجلى تسابقا على التأثير داخل النظام، من رأسه إلى القواعد الشعبية وحرب التأثير عليها من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
التزاحم يتجلى على مستوى التعيينات داخل قوات النظام والقوى الأمنية، وفي التسابق على قطع الطرقات أمام الطرف المقابل لتثبيت النفوذ داخل مؤسسات الدولة بشكل خاص، بل وحتى إلى قيام إيران بما يشبه تهريب الأسد إليها بعيدا عن أي تسريب مسبق في زيارة رسمية كي تنجح بالتقاط صور له مع القادة الإيرانيين في طهران دون أن يؤدي تدخل روسي إلى إفشالها.
نقطتان خلافيتان
وتقول مصادر إن رأس جبل جليد الخلاف يتمحور حاليا حول نقطتين. الأولى، مشروع سكة الحديد الواصل بين إيران وسوريا عبر العراق والذي يمر في محافظة دير الزور، التي تلقت فيها قاعدة إيران المركزية (مجمع الإمام علي) ضربة جوية إسرائيلية أدت لتدمير 8 مستودعات أسلحة، والثانية، استلام إيران لمرفأ اللاذقية الذي سيكون المحطة الأخيرة في مسار السكة الحديدية.
وكان قال مدير السكك الحديدية الإيراني "سعيد رسولي"، أنه سيتم قريبا بدء مشروع ربط "ميناء الإمام الخميني" في الخليج العربي مع ميناء اللاذقية على ساحل البحر المتوسط غرب سوريا.
واجتمع "رسولي"، مع مديري السكك الحديدية التابعين للنظامين السوري والعراقي، لمناقشة المرحلة الأولى من المشروع والمتمثلة في ربط مدينتي "شلمجة" الإيرانية و"البصرة" العراقية بطول 32 كيلومتر.
وتبدأ المرحلة الأولى من المشروع بعد ثلاثة أشهر بتنفيذ وتمويل من شركة "بنياد المستضعفين" التابعة للحرس الثوري الإيراني.
وبدأت الحكومة الإيرانية إنجاز خط سكة حديدية "كرمانشاه – بيستون - حميل" الذي يشكل جزءا مهما في مشروع ربطها بالعراق وسوريا لتسهيل الترانزيت بين الدول الثلاث، في مسعى جديد للهيمنة الاقتصادية الإيرانية في سوريا، واعتباره جزءا من سلسلة مشاريع تهدف إلى زيادة التعاون في مختلف المجالات بين النظام السوري والعراق وإيران.
ونقلت صحيفة "تشرين" الموالية للنظام السوري أن وزير الطرق وبناء المدن الإيراني "محمد إسلامي" أوضح خلال مراسم البدء بإنجاز هذا الخط السريع أن طول المشروع 1041 كيلومترا، ويشارك فيه القطاع الخاص بنسبة 70 بالمئة، وأعرب إسلامي عن أمله بإنجاز هذا الجزء بشكل أسرع بمساعدة القطاع الخاص وموافقة البنوك في منح المزيد من التسهيلات المالية، حسب وصفه.
ويعتبر الوجود الإيراني على البحر المتوسط مصدر قلق بالنسبة لروسيا التي تريد أن تكون صاحبة القوة الرئيسية على الساحل الشرقي للمتوسط وهو ما يضمنه لها مرفأ طرطوس الذي استأجرته لمدة 49 عاما.
ورغم أن إيران حصلت على حق التشغيل التجاري حصرا لمرفأ اللاذقية أواخر العام 2018، إلا أن مجرد وجود إيران هناك يشكل قلقا لروسيا التي تملك قاعدة عسكرية قريبة من المرفأ في حميميم، وهو ما قد يعرّض قواتها للخطر في حال حدوث أي توتر كبير بين إيران وإسرائيل أو بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.
نقطة ثالثة قد تكون أيضا جزءا من مسببات التوتر مرتبطة بالحضور العسكري العضوي الإيراني من خلال فصائل سورية دربتها طهران وهي تعوّل أن تكرر بها تجربة حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق.
عبدالرحمن عمر - إيران إنسايدر