بعد ست سنوات من الحرب غير المتكافئة، والمعارك بالوكالة، والاتهامات المتبادلة، عرضت المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع، الحوار على منافستها الإقليمية إيران.
ودعا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في مقابلة تلفزيونية، الثلاثاء، البلدين إلى تجاوز الخلافات التي قسمت المنطقة.
وقال ولي العهد الأمير محمد، الحاكم الفعلي للمملكة، في مقابلة استمرت 90 دقيقة على التلفزيون السعودي الرسمي، "إيران دولة مجاورة، وكل ما نطمح إليه هو علاقة جيدة، وخاصة مع إيران".
قد ينتقل التنافس السعودي الإيراني، الذي جعل الشرق الأوسط يعيش حربا غير باردة من المعارك بالوكالة، إلى سلام بارد حيث يكون التعاون ممكنا.
وأضاف ولي العهد "لا نريد ان يكون وضع ايران صعبا، على العكس من ذلك، نريد أن تنمو إيران وتزدهر"، مشيرا إلى "مصالحهما المشتركة" لدفع المنطقة والعالم نحو الازدهار.
كان في حديث بن سلمان تغييرا صارخا في اللهجة، من شخص أطلق قبل ثلاث سنوات على المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، "هتلر الجديد"، واستبعد الحوار والتعاون مع إيران باعتباره "استرضاء"، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "كريستشن ساينس مونيتور".
يقول البعض إن النغمة الجديدة تفوح منها رائحة يأس السعودية لتقليص ورطتها العسكرية، فيما يسميها آخرون قراءة ذكية للتعامل الدبلوماسي لإدارة بايدن مع إيران.
وبينما تدل المؤشرات إلى تحول سعودي بعيدا عن سياسة المواجهة تجاه إيران التي فشلت في تحقيق أهدافها، إلا أن اللهجة التصالحية والمحادثات تشير إلى شيء أعمق: فهم أن الخصمين يمكن أن يتواجدا جنبا إلى جنب، حتى لو لم يتفقا.
ورحب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، الخميس، بـ"نهج الحوار"، قائلا في تصريح لوسائل الإعلام الإيرانية، إن "إيران والسعودية يمكنهما الدخول في فصل جديد من التفاعل والتعاون، لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية الإقليمية من خلال التغلب على اختلافات".
وفي مقابلته، أشار ولي العهد الأمير محمد أيضا إلى "السلوك السلبي" لإيران، مثل دعمها للوكلاء المسلحين الحوثيين في اليمن.
ويأتي الحديث عن حوار مع إيران بعد أسابيع من عقد السعودية وإيران أول محادثات مباشرة بينهما منذ سنوات في العراق، حيث تتصادم مجالات نفوذهما.
كما يأتي بعد ست سنوات من قيام ولي العهد ووالده الملك سلمان بتحويل سياسة المملكة التي تتسم سياستها بالحذر والبطء تقليدي، إلى سياسة خارجية عدوانية تواجه إيران ووكلائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وبشكل حاسم، تضمن ذلك بدء تدخل عسكري في اليمن، والآن المملكة العربية السعودية تبحث بيأس عن وقف إطلاق النار هناك، بعد أن أصابتها عشرات الصواريخ والمسيرات التي أطلقتها ميليشيا الحوثي، واستهدفت مطارات وقواعد عسكرية وأحياء سكنية ومنشآت نفطية في عمق المملكة.
يقول غريغوري غوز، رئيس قسم الشؤون الدولية في جامعة تكساس "سياسة المواجهة مع إيران لم تنجح حقا، لم تنتصر في اليمن، ولم تنتصر في سوريا، ولم تنتصر في لبنان".
ويضيف "من المحتمل أن يؤدي فشل سياسة المواجهة هذه إلى إعادة التفكير في الرياض، لكن تواصل الإدارة الأمريكية الجديدة مع إيران هو عامل دافع في نهج الرياض الجديد".
ويقول التقرير، إنه من المرجح أن يركز الانفراج، على المجالات المباشرة ذات الاهتمام المشترك، مثل الأمن البحري، وفق المراقبين.
ويقول حسين إيبش، الباحث البارز في معهد دول الخليج العربية ومقره واشنطن "إذا بدأوا الدخول في حوار عملي، فإن أوضح مكان للبدء هو المكان الذي بدأت فيه دول الخليج الأخرى بالفعل مناقشات مع إيران: الأمن البحري".
وأصبح الخليج العربي ومضيق هرمز، الذي يتم من خلاله شحن 25٪ من نفط العالم، بؤرة توترات من 2018 إلى 2020 في ظل حملة الضغط القصوى التي شنها الرئيس السابق دونالد ترامب ضد إيران.
وشهدت المياه "حرب ظل" من أعمال التخريب والتجاوزات التي كان من الممكن أن تؤدي إلى تصعيد عسكري.
ومن المرجح أن تتوسع المحادثات الإيرانية السعودية لتشمل مكافحة الإرهاب الإقليمي، وتحديداً ضد تنظيم القاعدة، الذي نما نفوذه مؤخراً في اليمن، وتنظيم الدولة الإسلامية، الذي هدد كلاً من السعودية والجماعات المدعومة من إيران في العراق وسوريا.
كما أن الحوار مفيد حول اليمن موطن أسوأ كارثة إنسانية في العالم، حيث تحتفظ إيران بصلات مع جماعة الحوثيين التي واصلت هجومها الدموي على الرغم من عرض السلام المدعوم من السعودية والأمم المتحدة.
وبحسب مصادر دبلوماسية خليجية، فإن موضوع اليمن كان من بين الموضوعات الرئيسية التي ناقشتها السعودية وإيران في بغداد هذا الشهر.
ويُعتقد أن تطلب الرياض من طهران سحب دعمها من الحوثيين، ودفعها للموافقة على وقف إطلاق النار والمفاوضات.
بعد أقل من 24 ساعة من الرسالة التصالحية التي وجهها ولي العهد السعودي، شدد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على دعم بلاده لوقف إطلاق النار في اليمن والعودة، إلى المحادثات خلال لقائه المتحدث باسم الحوثيين في سلطنة عمان.
وعلى الرغم من أن إيران دعمت الحوثيين لجر المملكة العربية السعودية إلى مستنقع عسكري أعمق، إلا أن المراقبين والمحللين يتفقون على أن لها حصصا قليلة في اليمن، على بعد أكثر من 1000 ميل من طهران وتفصل بينها حدود برية وبحرية متعددة، ويرون أن القضية "تنازل مقبول".
يقول البروفيسور غوز "سيكون اليمن مقياسا إذا كان هناك أي انفراج جاد بين إيران والسعودية".
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت طهران تتمتع بنفوذ كافٍ على الحوثيين، وهم جماعة عرقية يمنية ذات نزعة استقلالية شرسة.
وبعد اليمن، ستكون الموضوعات الأكثر صعوبة هي العراق ولبنان وسوريا، ثلاث دول عربية بها عدد كبير من السكان الشيعة حيث رعت إيران بشكل منهجي عناصر مسلحة غير حكومية موالية لطهران.
قد يكون هناك مجال للتقدم في العراق، فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، تراجعت العائلة المالكة السعودية عن مقاطعتها لعراق ما بعد صدام حسين، وأقامت علاقات مع القادة السياسيين الشيعة الذين اعتبرتهم الرياض أكثر استقلالية عن طهران.
وساعد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي يقيم علاقات مع كل من الرياض وطهران، في التوسط في المحادثات الأخيرة.
ويأمل المسؤولون في بغداد والعواصم العربية الأخرى أنه من خلال الحوار السعودي الإيراني، إلى جانب المحادثات الأمريكية الإيرانية، سيتم استخدام العراق بشكل أقل كميدان معركة بالوكالة.
ولا يزال من غير الواضح كيف يمكن أن يحدث الوفاق في سوريا، حيث دعمت إيران نظام بشار الأسد مع وكيلها حزب الله، وتدخل تركيا أيضا على الخط بسيطرتها على أجزاء هامة شمال سوريا.
إيران إنسايدر – (ترجمة فتحية عبدالله)