بعد أيام من الذكرى الأولى لموجة الاحتجاجات التي عرفت بـ "ثورة تشرين 2019"، والتي طالبت بإسقاط النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية، يتجه لبنان إلى اختيار سعد الحريري، رئيسا مكلفا لتشكيل الحكومة الجديدة، وهو الذي استقال بعد فترة وجيزة من انطلاق التظاهرات، في 17 أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، التي حملّته، والطبقة السياسية مجتمعة، مسؤولية الفساد المالي والإداري، الذي وضع البلاد في أضخم أزمة مالية بتاريخه.
وبدأت، صباح اليوم الخميس، استشارات نيابية داخل القصر الجمهوري، من المتوقع أن تفضي نتيجتها إلى تسمية الحريري، لقاء إبقاء رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، في الحكومة، وفقاً لما تتناقله مصادر لبنانية.
ووافق الرئيس المكلف المرتقب، على منح حقيبة وزارة المالية للثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل، على أنّ يقدّم له قائمة بالأسماء الشيعية المقترحة، ويبقى عليه مهمة الاختيار فقط، علماً أنّه متمسك بحكومة تكنوقراط تجمع اخصائيين، بحسب وسائل إعلام لبنانية.
ويأتي كل ذلك، ضمن مبادرة فرنسية يشرف عليها الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي زار لبنان مرتبين بأقل من شهر، عقب انفجار مرفأ بيروت، 4 أغسطس/آب الماضي، والذي وعد اللبنانيين حينها بمساعدتهم على تحقيق مطالبهم من خلال حكومة "المُهمة" المناطة بها مسؤولية إنقاذ البلد من أزمة الاقتصادية.
وفي هذا السياق، قال مصدر فرنسي رفيع متابع للملف اللبناني لصحيفة "نداء الوطن"، انّ "فرنسا ستستمرّ في الضغط على المسؤولين اللبنانيين لتشكيل الحكومة القادرة على تنفيذ الاصلاحات، وإن باريس لن تتخلّى عن الضغط وتتراجع عن مبادرتها لإنقاذ لبنان، والحلّ الوحيد هو أن تشكّل الحكومة وتتوقف العرقلات والمماطلة لأن لبنان لم يعد يحتمل ذلك"
ثورة لبنان
عام واحد على 17 أكتوبر 2019، التاريخ الذي غيّر المشهد اللبناني رأساً على عقب، إذ تجمع عشرات، مئات، ومن ثم آلاف من الشبان رافعين علما واحدا، على جسر الرينغ في العاصمة بيروت، محطمين الانقسام الطائفي - الحزبي، قاطعين الطريق متجولين في الأحياء السكنية لساعات، تحولت إلى أيام وأشهر، مشكلين ما عرف بثورة "17 تشرين"، التي امتدت على كافة الأراضي اللبنانية.
ويعتبر الرئيس اللبناني، ميشال عون، من المتمسكين بضرورة إنجاح المبادرة الفرنسية، إلا أنّه أعلن، بالأمس، أنّ تشكيل الحكومة تمرّ عن طريقه، وهو الحليف الأول لحزب الله، قائلاً "أنا الشريك في التكليف والتأليف".
وقالت مصادر سياسية لصحيفة "الجمهورية" اللبنانية: "بعد التكليف ستصبح الامور أكثر صعوبة، ويجب ألّا نَستهين بموقف رئيس الجمهورية و"التيار الوطني الحر" وحلفائه. وانّ التقديرات والقراءات للمشهد الداخلي والخارجي في آن معاً، لا تؤشّر الى ولادة سريعة للحكومة، بل انّ هذه الولادة قد تكون مؤجّلة الى السنة الجديدة. وفي أحسن الاحوال، وتِبعاً للتطورات الدولية، وكذلك الانتخابات الرئاسية الاميركية تحديدا، يمكن أن يعايدونا بحكومة قبل عيدي الميلاد ورأس السنة".
من جهته، قال المحلل السياسي، سامي نادر، في حديث لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إنّ "استراتيجية الحريري تتمثل في استخدام الدعم الفرنسي لتشكيل مجلس الوزراء ثم انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية، إذ يعتقد أنّ فوز جو بايدن، قد يساعده في الاستحصال على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، إذا كان المرشح الديمقراطي أكثر ليونة مع إيران".
في المقابل، اعتبرت الصحفية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، حنين غدار، أنّه "لا يوجد سبب يدعو بايدن للاستسلام لإيران، إذ أنّه عندما عقد الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، صفقة مع إيران كان في ولايته الثانية وكان في عجلة من أمره".
وأضافت غدار أنّ "الإيرانيين في عجلة من أمرهم هذه المرة، ولكن بايدن ليس كذلك، وعلى إيران وحزب الله تقديم تنازلات في ظل اقتصادهما المنهار".