منذ أكتوبر 2019، شهد لبنان احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد مكونات الطبقة السياسية برمتها، ترافقت مع أزمات متتالية من انهيار اقتصادي إلى انتشار وباء كوفيد-19 وصولا إلى انفجار دام ومدمر هز العاصمة بيروت.
ففي 17 أكتوبر، أعلنت الحكومة اللبنانية عزمها فرض رسم مالي على الاتصالات المجانية عبر تطبيقات المراسلة الإلكترونية مثل واتساب.
وقد فجّر ذلك غضب لبنانيين كانوا بدأوا قبل أسابيع تلمس مؤشرات أزمة اقتصادية حادة، فنزلوا إلى الشوارع تعبيراً عن رفضهم القرار، مرددين شعار "الشعب يريد إسقاط النظام".
إلى ذلك تراجعت الحكومة برئاسة سعد الحريري عن فرض الرسم المالي، غير أن الاحتجاجات الشعبية استمرت. وفي 18 أكتوبر، أغلقت المدارس والجامعات والمصارف والمؤسسات العامة أبوابها. وفي 20 منه، بلغ الحراك الشعبي ذروته مع تظاهر مئات الآلاف في كل أنحاء البلاد. وطالبت التظاهرات برحيل الطبقة الحاكمة التي لم يمسها تغيير جوهري منذ عقود والمتهمة بالفساد وبعدم الكفاءة.
استقالة الحريري
في 29 أكتوبر، وعلى وقع غضب الشارع، أعلن الحريري استقالة حكومته. وفي 12 نوفمبر، اقترح الرئيس اللبناني ميشال عون تشكيل حكومة من اختصاصيين وسياسيين، ما رفضه المحتجون الذين كانوا يصرون على تشكيل حكومة مستقلين من خارج الأحزاب السياسية التقليدية.
كما أثار عون غضبهم أكثر عبر قوله في مقابلة تلفزيونية "إذا لم يجدوا (المتظاهرون) "أوادم" (أي أشخاصاً صالحين) في هذه الدولة، فليهاجروا".
تكليف حسان دياب
واشترطت مجموعة الدعم الدولية للبنان التي اجتمعت بباريس، في 11 ديسمبر، تشكيل حكومة "فاعلة وذات صدقية" تجري إصلاحات "عاجلة" لتقديم أي مساعدة مالية.
وفي 19 ديسمبر، كلف حسان دياب وهو وزير سابق وأستاذ جامعي، تشكيل حكومة بدعم من عون وحزب الله، وسط رفض أحزاب سياسية أخرى على رأسها الحريري.
مواجهات عنيفة في بيروت
في 11 يناير 2020، استأنف المتظاهرون، الذين رأوا أن دياب يمثل طرفاً سياسياً واحداً، احتجاجاتهم بعدما تراجعت بفترة الأعياد. وفي 14 و15 من الشهر نفسه، شهدت العاصمة مواجهات ليلية عنيفة بين القوى الأمنية ومتظاهرين حطموا واجهات عدة مصارف، ورشقوا الحجارة باتجاه القوى الأمنية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة.
وفي 18، جُرح في بيروت ما لا يقل عن 546 شخصاً، هم متظاهرون وعناصر من القوى الأمنية، في صدامات كانت الأعنف منذ بدء الحراك الشعبي.
في 21 يناير، ولدت الحكومة الجديدة مؤلفة من اختصاصيين سماهم حزب الله وحلفاؤه الذين يشكلون غالبية في البرلمان.
وحازت الحكومة ثقة البرلمان في 11 فبراير، واندلعت صدامات بين متظاهرين وقوات الأمن أسفرت عن أكثر من 370 جريحاً، وفق أرقام الصليب الأحمر اللبناني.
تخلف عن السداد
إلى ذلك أعلن دياب في 7 مارس أن لبنان "سيعلق" سداد دين بقيمة 1,2 مليار دولار يستحق في التاسع منه، مؤكداً أن "الدولة اللبنانية ستسعى الى إعادة هيكلة ديونها".
وفي 23 منه، أعلنت وزارة المالية "التوقف عن دفع جميع سندات اليوروبوند المستحقة بالدولار". كما أعلنت الحكومة في 30 أبريل خطة إنعاش اقتصادي وطلبت مساعدة صندوق النقد الدولي. وفي 13 مايو، انطلقت مفاوضات لبنان مع الصندوق.
انهيار قيمة الليرة
وفي منتصف يونيو، اندلعت احتجاجات جديدة في البلاد عقب تراجع قيمة الليرة اللبنانية إلى حدود غير مسبوقة. وترافق التراجع مع إغلاق متاجر أبوابها وصرف العديد من العمال والموظفين عقب أزمة تفشي كوفيد-19.
كما عُقدت آخر جلسة مع صندوق النقد الدولي في 10 يوليو قبل أن تعلق المفاوضات بانتظار توحيد المفاوضين اللبنانيين تقديراتهم لحجم الخسائر وكيفية وضع الإصلاحات قيد التنفيذ.
وفي 23 و24 يوليو، زار وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لبنان، وطالب بإصلاحات منتظرة "منذ وقت طويل".
انفجار بيروت
في الرابع من أغسطس، وقع انفجار ضخم في مرفأ بيروت طالت أضراره الجسيمة أحياء عدة في العاصمة، وأسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص، وإصابة أكثر من 6500 آخرين.
وزار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيروت في السادس من أغسطس، داعياً إلى "تغيير" في النظام، معلناً عن مؤتمر دولي لدعم لبنان بعد الانفجار على أن يزور لبنان مجدداً في الأول من سبتمبر.
كما تعهد المجتمع الدولي بعد ثلاثة أيام تقديم مساعدة طارئة للبنان بقيمة 300 مليون دولار على ألا تمر عبر مؤسسات الدولة.
استقالة جديدة
في الثامن من أغسطس، تظاهر آلاف اللبنانيين ضد المسؤولين السياسيين الذين يحمّلونهم مسؤولية المأساة، التي تبين أنها ناتجة عن انفجار مئات الأطنان من مادة نيترات الأمونيوم المخزنة منذ سنوات في المرفأ من دون أي إجراءات وقاية.
وشهدت التظاهرات مواجهات عنيفة بين محتجين غاضبين والقوى الأمنية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة والرصاص المطاط. وفي العاشر من أغسطس، استقالت حكومة حسان دياب.
لا حكومة
في 31 أغسطس، استبق السياسيون اللبنانيون زيارة ماكرون الثانية بالاتفاق على تكليف سفير لبنان في ألمانيا مصطفى أديب تشكيل الحكومة الجديدة.
وعاد ماكرون إلى لبنان في الأول من سبتمبر ليعلن عن مبادرة فرنسية والتزام السياسيين اللبنانيين تشكيل حكومة في مدة أقصاها أسبوعان.
إلى ذلك اعتذر أديب في 26 سبتمبر عن تشكيل الحكومة بعدما اصطدم بشروط سياسية. وفي اليوم التالي، استهجن ماكرون خلال مؤتمر صحافي في باريس "خيانة" الطبقة السياسية اللبنانية بعد إخفاقها في تشكيل الحكومة، وأعلن عن مهلة ثانية تراوح بين أربعة إلى ستة أسابيع.
وفي الثامن من أكتوبر، أعلن سعد الحريري أنه مرشح محتمل لتشكيل الحكومة ثم أطلق مشاورات مع الكتل السياسية البارزة للتأكد من استمرار التزامها الورقة الفرنسية وموقفها من تشكيله للحكومة.
المصدر: فرانس برس