قال علي العبودي، وهو عضو لجنة النفط والطاقة النيابية، يوم الجمعة، إن جهات سياسية متنفذة -لم يسمها- تواصل تهريب النفط العراقي دون تمكن أي سلطة سياسية في البلاد مواجهتها.
وأضاف العبودي، أن وزارة النفط لا تسيطر على أي نشاط يجري في كردستان، فضلا عن السطوة الواضحة لتلك الجهات في جزء من محافظتي كركوك ونينوى وانتشار ثقافة السلاح في مواقع كثيرة.
وألمح عضو لجنة النفط إلى أنه لا توجد إرادة سياسية لإعطاء الضوء الأخضر من أجل إيقاف تهريب النفط إلى خارج البلاد، خاصة أن الجهات السياسية التي تسيطر على عملية تهريب النفط تدعي "الوطنية"، وهي في الوقت نفسه بعيدة عن أي ملاحقات قانونية أو أمنية.
وقال إن الكميات المهربة لا أحد يعلم بكمياتها غير الله، خاصة أن الجهات التي وصفها بالسياسية المتنفذة تتحدث بنبرة الوطنية طوال الوقت، ولا يستطيع أحد الاقتراب منها؛ لأن الجهات الرقابية تقف عاجزة مشلولة أمام الانحرافات التي تمارسها تلك الجهات.
مليارات الدولارات
وتفقد الخزينة العامة العراقية -التي تعتمد بنسبة 90% في ميزانيتها على النفط الخام- مليارات الدولارات، بفعل تهريبه من قِبل متنفذين في الوزارات الحكومية والأحزاب، إلى دول أخرى باستخدام قوارب صيد، وشاحنات.
وكان طرح رئيس الحكومة العراقية، عادل عبد المهدي، ملف تهريب النفط، الذي تسبب في إهدار الموارد وتراجع الخدمات، وهو ما أثار سلسلة احتجاجات شعبية كادت تطيح بالنظام خلال الصيف الماضي.
ومن أبرز الوثائق الرسمية التي تحدثت عن هذه القضية، تقرير الشفافية الصادر في 2006 عن مكتب المفتش العام بوزارة النفط العراقية، وحمل عنوان "تهريب النفط الخام والمنتجات النفطية".
ولم يستمر عمر الملف طويلا، إذ أُتلفت الوثائق المرتبطة به في حريق شب بالوزارة مباشرة بعد نشره للرأي العام، ولم يصدر تقرير بعده إلى يومنا هذا.
التقرير تحدث بالأرقام عن عمليات التهريب التي تمت في 2005 وتداعياتها الاقتصادية، مقدرا الأموال التي تم الاستيلاء عليها بما قيمته مليار دولار، مشيرا إلى أن التهريب يجري عن طريق الموانئ الجنوبية في البصرة باتجاه الإمارات، ودول أخرى.
وبحسب التقرير، فإن عمليات التهريب تتم باشتراك من بعض الدول المجاورة وبمشاركة مسؤولين في الدولة ومشرفين على القطاع النفطي، وبتواطؤ من عناصر بالشرطة والجمارك العراقية.
تمويل مليشيات
ورغم عدم إصدار مكتب المفتش العام العراقي التقرير الذي أتى عليه الحريق، بعد أن خلصت التحقيقات الحكومية إلى أن الحريق "قضاء وقدر"، فإن المخابرات الأمريكية قدمت للجانب العراقي، نهاية مارس الماضي، تقارير عن تهريب النفط.
ووصلت المخابرات الأمريكية إلى أن 56 جهة عراقية تشارك في عمليات التهريب، والأموال المحصلة تقدر بنحو 4 مليارات دولار سنوياً، بحسب مصدر في وزارة الداخلية العراقية.
وقال مصدر مطلع إن "الجانب الأمريكي وفر معلومات تفصيلية لحكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، ورئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي، عن حجم عمليات التهريب، والجهات المستفيدة من هذه العمليات".
وأضاف "المعلومات تشير إلى أن 10 أحزاب سياسية مشاركة في الحكومة الحالية متورطة بعمليات التهريب، عن طريق موظفين في الدرجات العليا، هي من عينتهم، ويدينون لها بالولاء في وزارات النفط والداخلية والجمارك، ويهرب هؤلاء النفط من خلال المنافذ بالتعاون مع موظفين فاسدين".
وأردف "وبحسب المعلومات، فإن 40 فصيلا مسلحا متورط في عمليات التهريب، من خلال مناطق نفوذها باستخدام أساليب مختلفة، وتمول هذه المليشيات أنشطتها من خلال ملايين الدولارات من العائدات اليومية".
واستدرك المصدر بالقول إن "الأحزاب والفصائل المسلحة آنفة الذكر تستخدم المنافذ الجنوبية والغربية لتهريب النفط باتجاه الإمارات. أما المنافذ الشمالية فتستخدمها 6 جهات كردية في تهريب النفط من آبار الشمال بكركوك وفي إقليم كردستان باتجاه إيران".
المصدر أشار إلى أن "المخابرات العراقية توصلت إلى أن معظم النفط المهرب عبر الجنوب يذهب إلى الإمارات، ومن جهة الشمال يذهب إلى إيران وتركيا، حيث يباع برميل النفط بأقل من 36 دولارا للبرميل".
وبين المصدر أن عمليات التحري أوصلت المحققين العراقيين إلى وثائق تظهر عليها أختام موانئ وشركات إماراتية على النفط العراقي المهرب.
وكشف أن "معظم الأموال المحصلة من التهريب تودع في بنوك بإمارة دبي، وحكومة عبد المهدي بدأت بالتواصل مع الجانب الإماراتي بهذا الخصوص دون إعلان ذلك، لعدم إثارة الجهات السياسية والمليشيات التي يمكن أن تضغط لوقف جهود التحقيق كما فعلت في السنوات الماضية".
صراع دامٍ
وتشهد مدينة البصرة صراعا داميا بين الأحزاب والمليشيات المتنفذة بين الفينة والأخرى، في إطار سعيها للحصول على حصة أكبر من موارد التهريب.
وأدى تهريب النفط في المدينة إلى نشوء مافيات تضم المهربين والوسطاء والمتعاونين ضمن وزارة النفط والجمارك. كما تؤدي بعض العشائر دورا محوريا في الوساطة بين مختلف الأطراف، بحكم مناطق نفوذها التي تمر منها الخامات المستخرجة من الآبار.
وبات معروفا لدى أهالي المنطقة ما هي الجهات المتورطة في عمليات التهريب، فبموجب المحاصصة في الوظائف والمناصب، يسيطر حزب الفضيلة على قوة حماية النفط، وحزب الله العراقي على شرطة الجمارك.
وتوجد للمجلس الأعلى الإسلامي هيمنة على المخابرات، أما التيار الصدري فيسيطر على الشرطة المحلية وعلى قوات حماية المنشآت.
ويتنافس الجميع على الموانئ، حيث يسيطر الصدريون على ميناء أبو فلوس الذي يعد مركزا رئيسا للتهريب، في حين يسيطر الفضيلة على ميناء أبو الخصيب العميق الذي ترسو فيه السفن الكبيرة.
وشهدت البصرة في السنوات الماضية اشتباكات أكثر من مرة بين هذه القوى، إثر خلافات تتعلق بمناطق النفوذ والسيطرة.
طرق تهريب النفط
وتتم عمليات تهريب النفط في الغالب باستخدام زوارق خشبية لصيد الأسماك توجد في مياه شط العرب، وتكون وجهتها المياه الدولية في الخليج العربي، ومن هناك تتجه الشحنات إلى أحد الموانئ في الخليج العربي.
كما يعتمد المهربون على طريقة أخرى في الحصول على الخام، من خلال تتبع الشبكات الناقلة للنفط، حيث يحصلون على خرائطها التفصيلية من موظفين من داخل وزارة النفط، وفي الأماكن النائية تثقب الأنابيب ويحصر الخام في أحواض من الرمل على شكل آبار اصطناعية، ومنها تأتي السيارات الحوضية لنقل الخام.
وينفذ عمليات التهريب الكبرى "حيتان التهريب" المرتبطون بالمليشيات والأحزاب المتنفذة، حيث يتم التحايل على العدادات التابعة لوزارة النفط بالتعاون مع كبار الموظفين، حيث تتم تعبئة زوارق محلية، حمولتها لا تتجاوز 20 طنا، وهذه بدورها تذهب بالنفط إلى باخرة خارج المياه الإقليمية العراقية، حيث يباع الخام لها، ويتم تسلُّم المال إما مباشرة وإما بإيداعه في حسابات بنكية.
وغالبا ما تكون البواخر التي تنقل النفط المهرب لا تملك أوراقا رسمية بحمولتها، وتحمل نفطا غير شرعي بحسب القانون الدولي، لذلك يعد استقبال الموانئ الرسمية إياها مخالفة قانونية، وشكلا من أشكال القرصنة.
المصدر: إيران إنسايدر + الخليج اونلاين + وكالات