تزامناً مع سُحب الدخان التي جابت سماء بيروت عقب انفجار المرفأ، الأسبوع الماضي، تصاعدت تساؤلات وأحاديث كثيرة في لبنان، حول علاقة محتملة لمنظمة "حزب الله".
إذ يلقي لبنانيون باللوم على الحزب، سواء كان الانفجار ناتجا عن عمل أمني أو غارة إسرائيلية استهدفت مخازنه أو حتى عن تعمد الإبقاء على هذه المواد في الميناء لاستخدامها لاحقا ضد إسرائيل، في ظل الأزمات التي تعيشها البلاد منذ أشهر، ويربطها البعض بعقوبات أمريكية لتحجيم دور حزب الله في لبنان والمنطقة.
تسوية لـ"حزب الله"
في إطار السيناريوهات التي رافقت استقالة حكومة حسان دياب، عقب الانفجار، يتخوف مراقبون من تسوية إقليمية قد تلوح في الأفق، تهدف إلى خروج "حزب الله" من سوريا والمنطقة وعودته إلى لبنان بدور أكبر.
يتزامن ذلك مع الحديث عن "قرب الانتهاء" من ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، في حين تبرز تخوفات من أن يكون هدف الحزب بعد انسحابه من سوريا، يتمثل في إحداث دور أكبر بلبنان.
فيما يرى مراقبون آخرون أن عودة "حزب الله" إلى الداخل يجب أن تكون في إطار دور مشابه لباقي القوى السياسية الأخرى، لا ليتمدد أكثر في البلاد.
دور سياسي أكبر
الكاتب الصحفي قاسم قصير (مقرب من حزب الله) تحدث لوكالة الأناضول الإخبارية عن احتمال عقد تسوية "تجعل حزب الله يعود إلى الداخل اللبناني مقابل أن يكون له دور أكبر في النظام السياسي".
إذ قال قصير: "الأولوية الآن لتشكيل الحكومة، وحزب الله يفضل حكومة وحدة وطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري"، لكن "المفاوضات مستمرة بانتظار بلورة موقف موحد مع باقي القوى".
على حد قوله، فإن الحزب "يعطي أولوية لترتيب الوضع السياسي اللبناني ومعالجة آثار الكارثة (انفجار بيروت)"، معتبراً أن استقالة حكومة دياب تعطي فرصة جديدة لمعالجة الوضع.
قصير أشار كذلك إلى أن حزب الله يتعاطى بشكل إيجابي مع الرؤية التي قدمها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، من خلال الدعوة لمؤتمر وطني وتشكيل حكومة وحدة وطنية، "وقد يتطلب هذا الأمر أداء جديدا من حزب الله".
أما حول انفجار المرفأ، فقال الكاتب المقرب من الحزب إنه "حذر بالتعاطي مع التطورات المتعلقة بالتحقيقات"، معتبرا أن "تحميل الحزب المسؤولية فيه تجنّ عليه، لأنه لا يستخدم المرفأ"، على حد قوله.
"دور أكبر في لبنان"
وحول ما يتم تناقله حول تسوية تعطي "حزب الله" دورا أكبر في لبنان، استبعد الكاتب الصحفي اللبناني جوني منير أن يكون هناك نية لتحجيمه سياسيا في لبنان.
إذ قال الكاتب: "أما إقليمياً فنعم، خاصة في قضية ترسيم الحدود البحرية والبرية (مع إسرائيل) والتي تعتبر مسألة مهمة، بالإضافة إلى تطبيق قانون (عقوبات) قيصر الأمريكي (ضد نظام بشار الأسد)".
في حال حدث ذلك، برأي منير، فإن سلاح "حزب الله" الذي يقاتل إلى جانب نظام الأسد، لن يعود له دور كبير إقليمياً، لافتاً إلى "مشروع كبير يُحضر" لكنه لم يوضحه.
أفصح عن مخاوفه من أن يكون لحزب الله بديل سياسي، لكنه أكد أن "الحكومة الجديدة التي يتم تشكيلها الآن لن تكون خارج موافقته"، مشيراً إلى زيارة الرئيس الفرنسي إلى لبنان عقب الانفجار، ولقائه النائب محمد رعد، رئيس كتلة حزب الله في البرلمان.
ترسيم الحدود البحرية
منير اعتبر أن فرنسا لا تجد مشكلة مع الحزب، الذي تقول إنه منتخب من الشعب اللبناني، طالما أنه ملتزم معهم بموضوع ترسيم الحدود البحرية ومن ثم البرية.
كما لفت إلى أن زيارة وكيل وزارة الخارجية الأمريكية ديفيد هيل إلى بيروت غداً الجمعة، فيما يتعلق بمسألة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، تتزامن مع كلمة الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، ليؤكد موافقته على الأمر.
يشار إلى أن لبنان يخوض نزاعاً مع إسرائيل على منطقة في البحر المتوسط، تبلغ نحو 860 كم مربعاً، تعرف بالمنطقة رقم 9، والأخيرة غنية بالنفط والغاز، وأعلنت بيروت، في يناير/كانون الثاني 2016، إطلاق أول جولة تراخيص للتنقيب فيها.
بدوره، اعتبر المحلل السياسي بشارة خيرالله أن "الحديث عن تسوية أمريكية إيرانية تعود بالفائدة على حزب الله، فهو بذلك سيحصل على امتيازات في لبنان".
إذ قال خيرالله: "انسحاب حزب الله من سوريا يجب أن يكون بعيداً عن أخذ حصة أكبر في لبنان، وإلا فنحن أمام مشكلة كبيرة".
تفجير المرفأ
من جهته، قال المحلل السياسي أسعد بشارة إن "جزءا كبيرا من الرأي العام اللبناني يحمل حزب الله مسؤولية الانفجار، من زاوية أنه يرعى هذه المنظومة، ومن زاوية أخرى أنه لا يولي اهتماما لأمن وسلامة اللبنانيين"، معتبرا أن "المعادلة الأكثر مدعاة للخجل تتمثل في أن يكون الانفجار ناتجاً عن عمل إسرائيلي، وما أعقبه من صمت لحزب الله".
أضاف بشارة قائلاً: "إن كانت هذه المعادلة حقيقية، فهي تطبق على جثة لبنان واقتصاده (..) وهذه أكبر نكبة يتعرض لها لبنان في تاريخه، ومن الخطورة أن تمر من دون تحديد المسؤوليات".
كما أكد بشارة أن "لبنان لا يتحمل أي مشروع أكبر من حجمه وموقعه وقدرته (..)، والمجال مفتوح أمام القوى السياسية للعودة إلى لبنان لاستعادة استقرار البلاد، وسوى ذلك سيكون مساراً يؤدي إلى الانتحار الجماعي".
كارثة الانفجار
يشار إلى أنه في 4 أغسطس/آب الجاري، قضت بيروت ليلة دامية، جراء انفجار ضخم في مرفأ المدينة، خلف 171 قتيلاً وأكثر من 6 آلاف جريح، وعشرات المفقودين، بجانب دمار مادي هائل، بخسائر تُقدر بنحو 15 مليار دولار، وفقاً لأرقام رسمية غير نهائية.
ووفق تحقيقات أولية، وقع الانفجار في عنبر 12 من المرفأ، الذي قالت السلطات إنه كان يحوي نحو 2750 طناً من "نترات الأمونيوم" شديدة الانفجار، كانت مصادرة ومخزنة منذ عام 2014.
المصدر: الأناضول