شهدت المناطق الخاضعة لسيطرة نظام بشار الأسد في 19 يوليو/تموز، انتخابات برلمانية فريدة من نوعها، تفوقت "كوميديا" على جميع الانتخابات النيابية التي سبقتها، حتى تلك التي فصلها حافظ الأسد على مقاس نظامه الدكتاتوري، منذ وصوله للسلطة مطلع سبعينيات القرن الماضي.
مشهد انتخابات عام 2020، لم يخرج عن سياق الانتخابات التي شهدتها سوريا إبان حكم عائلة الأسد، سواء من حيث النتائج التي لم تأت بأية مفاجآت تذكر، أو على صعيد سيطرة حزب البعث على مجلس الشعب بالأغلبية المطلقة، أو السردية الإعلامية التي ركزت على توجيه الرسائل للخارج.
إضافة إلى الخروقات والمخالفات التي تؤكد أن عملية تغيير الدستور عام 2012 لم تكن سوى مسرحية باهتة، إذ لا يزال حزب البعث ومرشحوه متميزين عن باقي الأحزاب والمرشحين، مما يؤكد مرة أخرى بأنه مازال قائدا للدولة والمجتمع، ولم يلغ الدستور هذا الامتياز له إلا شكليا.
في الجهة المقابلة، شكلت الانتخابات الأخيرة تحديا للنظام بمدى قدرته على إعادة إنتاج نفسه، وإظهار تماسكه الداخلي، واستعادة الشرعية التي فقدها، وكسب رضى الدول التي قاطعته على مدى سنوات.
غير أن المؤشرات تظهر أيضا أن النظام أخطأ تقدير الموقف، من خلال الإصرار على إتمام العملية الانتخابية، بعد تأجيلها مرتين، وعدم الإنصات لنصائح حلفائه وانتقادات خصومه، والمضي قدماً في انتخابات بدا أنها تفتقر إلى انسجام الداخل، ورفض الخارج.
نظام انتخابي يشرعن التلاعب
لا بد من الإشارة إلى أن العملية الانتخابية مصممة بحيث تسمح بالتلاعب، حيث يمكن لأي شخص أن يصوت في أي مكان، إذ لا توجد قائمة مسجلة بأسماء الناخبين في كل مركز تصويت، لذلك يمكن لأي شخص أن يصوت في أكثر من مركز وعدة مرات، لأنه لا توجد آلية للتحقق من الأسماء.
إضافة إلى أن كل حزب أو كل مرشح عليه أن يضع اسمه بعد أسماء قائمة البعث، أي على كل مرشح أن يروج بشكل تلقائي لأسماء قائمة البعث، ذلك أنه لا يسمح للمطابع، بأمر من المخابرات، أن تطبع أي قائمة دون أن تكون عليها أولا قائمة البعث، وعليه فإن كل المرشحين ملحقون بقائمة البعث.
أكثر من هذا، حتى لو فاز المرشحون، فلا يحق لهم اقتراح مشاريع قوانين بأنفسهم، لأن القانون يفرض وجود عشر نواب لاقتراح قانون، وهذا لن يتم لأن مندوبي البعث يشكلون 70% من البرلمان ويقفون في وجه أي اقتراحات مستقلة، وهذا مؤداه أن البرلمان لا يمكنه أن يناقش سوى مقترحات الحكومة.
أرقام ونتائج
وأعلن وزير عدل النظام هشام الشعار، أن عدد من يحق لهم الاقتراع وفق سجلات وزارتي الداخلية والعدل، نحو 19 مليوناً فيما بلغ عدد الذين مارسوا حقهم الانتخابي 6 ملايين و224 ألفا و687 ناخبا، ما يعني أن نسبة المشاركة بلغت حوالي 33.17 بالمئة.
مقابل ذلك، ووفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لا يزال هناك أكثر من 6 ملايين و700 ألف لاجئ سوري في العالم (حتى يونيو/حزيران 2019)، وأكثر من 6 ملايين ومئتي ألف سوري من النازحين داخليا (حتى أغسطس/آب 2019).
وهذا يدل أن عدد المواطنين السوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام لا تتعدى نسبة 40% في أحسن الأحوال، وعليه يكون من المستحيل أن يصل عدد من يحق لهم الانتخاب الى الأرقام الذي يدعيها وزير عدل النظام!.
الظروف والملابسات
أولا: تمت الانتخابات في ظل تنامي حالة الصراع بين أقطاب النظام، حيث يسعى أغلبهم لترجمة نفوذهم على الأرض على شكل مكاسب سياسية، وبدا ذلك جليا في اندفاع قادة وممولي، الميليشيا المسلحة على ترشيح أنفسهم من جهة، ووضع قوائم مستقلة مع أشخاص تابعين لهم كإجراء احتياطي.
ثانيا: حرص مسؤولون في النظام على ترشيح أقاربهم من أبناء وأصهار، في محاولة للاستحواذ عبر إيصال هؤلاء لمقاعد البرلمان.
ثالثا: تم اعتماد أسلوب الترشيحات الداخلية بشأن مرشحي حزب البعث الذي يملك حصة الأسد، في محاولة لإيصال أشخاص مقبولين شعبيا حسب اعتقادهم، لكن النزاع حول المرشحين، والتزييف وبيع المقاعد، دفعت إلى تأخر اعتماد الأسماء، وإلغاء بعضها بعد تدخل مستويات متنفذة في السلطة.
خامسا: عدم تدخل روسيا لوقف الانتخابات رغم الانزعاج الأمريكي الواضح منها، والاكتفاء بمحاولة تصويبها أو الحد من تقدم مرشحين خاضعين لعقوبات دولية أو أمريكية، أو مدعومين من إيران.
سادسا: حرص النظام من خلال العملية الانتخابية، على تحسين صورته والحد من الأضرار التي أصابته بعد ظهور الخلافات بين بشــار الأسد وابن خاله رامـي مخلوف للعلن، وما صاحبها من تراشق إعلامي وتبادل للاتهامات.
آثار داخلية
تسببت نتائج الانتخابات في تنامي النزاع بين مكونات النظام المسلحة، حيث حصل بعضها على مقاعد تحت تأثير السلاح والنفوذ الذي بحوزته، فيما خرج البعض خالي الوفاض، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع خصومات حادة وطويلة المدى وذات طابع عنيف، بسبب حالة التشنج التي واكبت الانتخابات وانعكست على تصريحات الأطراف المتنازعة وكتاباتها في وسائل التواصل الاجتماعي.
كما أخفقت الانتخابات في تقديم وجوه يمكنها مساعدة النظام على تحسين صورته داخليا، وتسويق نفسه خارجيا، لأن غالبية من حازوا على مقاعد في البرلمان، إما أنهم معروفون بسمعتهم السيئة، أو أنهم مجهولون، أو خاضعون لعقوبات خارجية بتهم الفساد والانتهاكات والتورط بدعم الإرهاب.
ثمة توقعات باندلاع نزاعات مناطقية بسبب النتائج الإقصائية، في حلب واللاذقية على سبيل المثال، ما لم يتدخل النظام لاستيعاب التداعيات، حيث أن مختلف الأطراف المتنازعة تملك السلاح ولديها القابلية لاستخدامه للدفاع عن نفوذها.
انعكاسات خارجية
أبدت الولايات المتحدة الأمريكية رفضها للانتخابات، واعتبرتها غير شرعية، وتوعد السفير جيمس جيفري المسؤول عن الملف السوري في الخارجية الأمريكية بفرض عقوبات جديدة، مؤكدا أن النظام بات يشكل خطراً، ليس على شعبه فقط، بل على المنطقة والولايات المتحدة أيضا.
أما روسيا، فقد بعثت برسائل تنمُّ عن عدم الرضى، فيما التزمت الصمت على المستوى الرسمي بعد مضي أيام على انتهاء الاستحقاق الانتخابي، وهو مؤشر على أن موسكو ربما ليست بصدد توفير غطاء للانتخابات وما رافقها من تجاوزات، وتحديها للموقف الدولي الذي يربطها بالعملية الدستورية.
الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص، التزما الصمت، مرجحين عدم الإعلان عن موقف واضح ومحدد، تفاديا لتأثير ذلك سلبياً على مسار اللجنة الدستورية المقرر اجتماعها في 24 أغسطس/آب المقبل، وربما خشية من زيادة تشدد النظام.
من جانبها وكما هو منتظر ومتوقع، رفضت المعارضة السورية الانتخابات ونتائجها، واعتبرتها مؤشراً على رفض النظام لمقتضيات القرار الأممي 2254. وعدم جديته في التعامل مع متطلبات مسار الدستور، الذي تبنى الانتخابات بناء على مخرجاته، بحسب ما صرح به رئيس الائتلاف نصر الحريري لوكالة الأناضول.
خلاصة
إصرار النظام على إجراء الانتخابات، وتجاهله انتقادات خصومه ونصائح حلفائه، والمضي قدما في انتخابات لا مصلحة لأحد في إجرائها سوى طهران، ستكون له عواقب سلبية وخيمة ليس فقط على مصير نظام الأسد، بل على مستقبل الحياة السياسية في سوريا، لأنها فتحت الطريق أمام تطبيق النموذج (الموديل) الإيراني في سوريا.
"الموديل" الذي نرى آثاره المدمرة في كل من لبنان والعراق، حيث تمر الشهور الطوال والحياة السياسية في حالة شلل تام، إلى أن تأتي الإشارة من طهران فيتم تشكيل الحكومة.
واشنطن التي عارضت إجراء الانتخابات بشدة، قد تتجه نحو تفعيل قانون "قيصر"، من خلال وجبة جديدة من العقوبات تطال شخصيات أساسية في بنية النظام، سياسية وعسكرية واقتصادية يعتمد عليها في استمراره وديمومته.
في الجهة المقابلة، ثمة فرصة كبيرة أمام المعارضة السورية، تستطيع استثمارها من خلال تنظيم حملات سياسية وقانونية وإعلامية، تؤكد على حقيقة النظام الدكتاتورية التسلطية، ورفضه التغيير السلمي، ودعوة المجتمع الدولي لزيادة الضغوط العقوبات عليه، ومحاصرته وملاحقة رموزه، بهدف تحقيق انتقال سياسي ناجز في سوريا.
المصدر: وكالة الأناضول