وجه المرشد الإيراني علي خامنئي، خلال لقائه في طهران قبل أيام رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، عدة رسائل للأخير، أبرزها "دعم الحشد الشعبي"، و"إخراج القوات الأمريكية"، و"تعزيز العلاقات".
لم تأتِ هذه الرسائل من قبيل الصدفة، بل كان انعكاسا للانطباع الإيراني عن الكاظمي، وخشية طهران من أن يكون الرجل "حجر عثرة" أمام سياساتها التي رسختها في العراق على مدار ما يقرب من عقدين، منذ الإطاحة بحزب البعث وزعيمه صدام حسين عام 2003.
هذا الانطباع، استشفه مراقبون من الانتقادات التي لم تنقطع لسياسة الكاظمي خلال الأسابيع الأخيرة، وهي انتقادات لم تأت رسميا من القيادة الإيرانية، ولكن من قبل خبراء ودبلوماسيين سابقين وسياسيين مقربين منها، وذلك على الرغم من أن صعود الرجل لرأس الحكومة قبل أشهر، كان بموافقة ضمنية إيرانية.
بعض تصريحات بل وتصرفات الكاظمي، كانت سببا في هذه الانتقادات، لم لا وهو لم يكف عن الحديث عن تحييد العراق وعدم السماح بالتدخل في شؤونه، وهو أيضا الذي اتخذ قرارا بتوقيف عناصر من "حزب الله العراقي" التابع للحشد الشعبي، في سابقة من نوعها، أغضبت طهران كثيرا.
ولم يشفع للكاظمي اختياره إيران، لتكون وجهته في أول زيارة خارجية له، الأربعاء الماضي، والتقى خلالها خامنئي والرئيس حسن روحاني والنائب الأول للرئيس إسحاق جيهانغيري.
وخلال لقائه مع الكاظمي طلب روحاني، زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 20 مليار دولار سنويا.
لكن مطالب خامنئي السياسية والمتعلقة بـ"الحشد" و"القوات الأمريكية"، كانت هي المتصدرة لجدول أعمال الزيارة الرسمية أكثر من المطالب الاقتصادية للرئيس روحاني.
انتقادات لاذعة
ووجه بعض خبراء العلاقات الدولية في إيران خلال الأسابيع الأخيرة انتقادات شديدة للكاظمي الذي اتهموه بقربه من الولايات المتحدة الأمريكية، وقد استدعت هذه الانتقادات طرح سؤال "هل طموحات الزعيم الإيراني من العراق واقعية؟".
وعلاوة على ذلك نشر أمير موسوي، مدير المركز الإيراني للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، في الأول من يوليو/ تموز الجاري، مقالاً على موقع rahbordemoaser الإخباري بعنوان "البيدق الأمريكي في العراق: مصطفى الكاظمي" .
وفي مقاله ذكر موسوي عبارات من قبيل "يمكن تلخيص التطورات الأخيرة في العراق بأن الكاظمي يتصرف في العراق بما يتماشى مع أهداف الولايات المتحدة، بدءا من اعتقال أعضاء الحشد الشعبي ومرورا بمحادثات الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، ووصولا إلى الأشخاص المعينين في المراكز الحساسة بالعراق".
ومضى موسوي إلى أكثر من ذلك بالقول "كان الكاظمي شخصا في قوات البعث، له علاقات مع الولايات المتحدة وهو أحد المشتبه بهم في الهجوم الإرهابي على قاسم سليماني".
وفي يناير/ كانون الثاني 2020، اغتالت الولايات المتحدة، عبر ضربة جوية في العراق، قائد "فيلق القدس" بالحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، بالإضافة إلى نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.
كما تحدث حسن لاسجيردي، الخبير الإقليمي وعضو هيئة تحرير موقع خبر أونلاين، مع صحيفة "الشرق" المعروفة بقربها من الإصلاحيين، في قضية اعتقال أعضاء بمنظمة "كتائب حزب الله" التي تعتبر أحد أذرع "الحشد الشعبي".
وقال لاسجيردي "لقد كانت النقطة المهمة في هذا الحادث هي تعاون القوات الخاصة العراقية مع الولايات المتحدة".
وكانت قوات خاصة عراقية نفذت عملية أمنية جنوبي مدينة بغداد الشهر الماضي، اعتقلت خلالها نحو 50 من عناصر حزب الله العراقي، واستولت على منصة صواريخ كاتيوشا قالت السلطات إنه تم استخدامها لقصف مطار بغداد الدولي ومبان ومواقع حكومية.
مسافة واحدة
وفي حديثه لوكالة أنباء العمال الإيرانية (ILNA) بشأن الحشد الشعبي والوضع الأمريكي في العراق، كان لقاسم موحيبالي المدير العام السابق لقسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإيرانية رأي مختلف.
وقال موحيبالي "في فترة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، تمت الموافقة على مسودة الانسحاب الأمريكي من البلاد بعد استشهاد قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، لكن عبد المهدي لم يستطع تنفيذها بوضوح".
وأضاف "وكان من الضروري أن يكون رئيس الوزراء الجديد شخصية يتم التوافق عليها من قبل بغداد والقوى الأجنبية الفاعلة في العراق وفي النهاية أصبح هذا الشخص هو الكاظمي، وقد كان من الواجب على الكاظمي أن يرضي إيران والولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى السعودية وحتى الأكراد والسنة وذلك حتى لا تسقط حكومته الجديدة".
ورأى أن "احتمال تطبيق القرار الخاص بإخراج الأمريكان من العراق بعيد إلى حد كبير".
وفي مقابل الآراء السابقة، اعتبر بعض المراقبين أن القضايا التي أثارها خامنئي في اجتماعه مع الكاظمي بمثابة تدخل في الشؤون الداخلية للعراق أو تجاهل للمرحلة الجديدة في إدارة بغداد.
وفي التدوينة التي نشرها علي افشاري عضو حركة اتحاد الجمهوريين الإيرانيين على حسابه في تويتر، قال "خامنئي يقول لرئيس الوزراء العراقي إيران لا تستهدف التدخل في الشؤون العراقية الداخلية وبعدها يقول: لابد من حماية الحشد الشعبي".
مركز نفوذ إيران
وفي تصريحات أدلى بها مراد ويسي الكاتب والمحلل العسكري عبر حساباته على مواقع التواصل، قال "يتحدث خامنئي عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق في الجملة الأولى، وفي الجملة الأخرى يتدخل في شؤون العراق".
وأضاف "أن اختراق العراق مهم للغاية للحرس الثوري الإيراني ولخامنئي الذي يلعب دورا فعالا في منطقة الشرق الأوسط. والعراق هو مركز نفوذ إيران والحشد الشعبي في المنطقة".
وأكد بعض الخبراء في إيران، أن إدارة طهران يجب أن تخفض مستوى التوقعات من بغداد، وأن تقلل من تدخلها العسكري، وأن يكون الطرفان راضيين عن العلاقات الاقتصادية.
وفي سياق متصل، نشرت صحيفة Ferihtegan الإيرانية في 20 يونيو/ حزيران الماضي، آراء سفير إيران السابق في عمان، نصرة الله طاجيق، فيما يتعلق بهذا الموضوع.
وقال طاجيق "يجب أن نتبع نهجا مغايرا أو صيغة مختلفة بخصوص العراق، يجب أن نتعاون اقتصاديا مع الكاظمي بدلا من الوتيرة العسكرية وخاصة فيما بعد فترة داعش، كما ينبغي علينا أن نوقع مشاريع كبيرة بشراكات استراتيجية ضخمة".
وفي الوقت ذاته، قال كمال حرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية، على حسابه بتويتر "توقع غالبيتنا من عملية التقارب الإقليمي في المستقبل؛ هو التقارب بين الحكومات في أقل مستوى ممكن، وفي هذه الحالة يشكل التعاون الاقتصادي المحدود أساس الاستقرار".
وأضاف "تعمل كل حكومة إقليمية وفقا لمصالحها الوطنية، وإذا ما تمكن الكاظمي من خلق نوع من التعاون المحدود في هذا المستوى وتحقيق شيء من الفائدة، فيجب الاستمرار في دعم دوره".
المصدر: الأناضول