يشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، أدت إلى ارتفاع معدّل التضخّم وجعل قرابة نصف السكّان يعيشون تحت خط الفقر، وفقد عشرات الآلاف أعمالهم أو جزءا من دخلهم مع إغلاق معظم المحال التجارية أبوابها وموجة الغلاء غير المسبوقة في بلد يكاد يكون خاليا من الموارد الأولية ويستورد معظم منتجاته بالدولار من الخارج.
وتراجع سعر الدولار في لبنان مع بداية فتح التعاملات صباح السبت، إلى ما يتراوح بين 8000 و8100 ليرة في السوق الموازية (السوداء)، بعدما لامس عتبة 10 آلاف ليرة في بعض المناطق الخميس الماضي.
وحدّدت مديرية العمليات النقدية في مصرف لبنان المركزي في نشرة السبت 4 يوليو 2020، سعر صرف الدولار عند دفع الحوالات النقدية الواردة من خارج لبنان عند مستوى 3800 ليرة لبنانية.
واستقر السعر في السوق الرسمية وفق ما أعلنه مصرف لبنان "تم تحديد سعر التداول في العملات بين الدولار الأمريكي والليرة اللبنانية لدى الصرافين عبر التطبيق الإلكتروني (Sayrafa) على سعر 3850 - 3900 ليرة للدولار الواحد".
ومنذ أشهر، لا يتمكن اللبنانيون من السحب من حساباتهم بالدولار، بينما يمكنهم السحب منها بالليرة اللبنانية فقط على وقع أزمة سيولة حادة وشحّ الدولار.
تدهور مستوى معيشة اللبنانيين بشكل غير مسبوق، مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية بشكل جنوني وانهيار قيمة العملة اللبنانية حيال الدولار، وتخطت الزيادة على أسعار السلع الـ100 في المائة خلال الأسبوعين الأخيرين، ونحو 500 في المائة مع بعض السلع منذ بدء الأزمة المالية نهاية العام الماضي.
ارتفاع الأسعار
ومنذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تضاعفت أسعار السلع الغذائية يومياً مع ارتفاع سعر الدولار، وبات المستهلك في سباق مع الزمن، يحاول شراء ما يستطيع شراءه خوفا من ارتفاع سعره في اليوم التالي، ولا سيّما أن ارتفاع الأسعار يقابله ثبات في الرواتب التي تخسر قيمتها يوما بعد يوم.
وارتفع سعر الأجبان والزيت النباتي والشاي والحليب، ثلاثة أضعاف عما كان عليه في السابق، فيما ارتفع سعر الخبز بنسبة 25 في المائة، بينما سعر الحبوب مثل الفاصولياء والعدس ارتفع ضعفين.
حوادث الانتحار
ووسط تردّي الوضع الاقتصادي في ظل حكومة حسان دياب، سجلت ثالث عملية انتحار في لبنان في غضون يومين، إذ أقدم مواطن في صور على الانتحار بإطلاق النار على نفسه بسبب ظروفه المعيشية الصعبة.
وسجلت حالتا انتحار في يوم واحد بسبب تدهور الأحوال المعيشية، ما يزيد من تحذيرات "سخط الجياع" في البلاد.
"أنا مش كافر"، هي ثاني عبارة متداولة في وسوم تويتر بلبنان، والسبب ليس ذكرى جماعية للأغنية التي كتبها زياد الرحباني، بل بسبب انتحار رجل في العاصمة اللبنانية بيروت، بعد إطلاقه النار على نفسه، في شارع الحمراء.
وحسب مصادر فالراحل "اسمه الشخصي علي محمد" وكان يعمل في الإمارات، لكنه عاد إلى لبنان قبل مدة، وقرّر أن يستثمر ما لديه من أموال في متجر للمأكولات، غير أن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان منذ مدة، والتي زادت حدتها مع جائحة كورونا، أدت إلى تدهور مشروعه، ما أدى به إلى اتخاذ قرار الانتحار.
وارتبطت عبارة «أنا مش كافر» بالراحل نظرًا لتركه في مكان انتحاره ورقة كَتب فيها هذه العبارة، ووضع إلى جانبها علم لبنان ونسخة من سجله العدلي النظيف تماما من أي حكم قضائي ضده. وقال شاهد عيان: إن "الرجل بقي تقريبا 20 دقيقة وهو مصاب قبل وصول قوات الإسعاف، وإنه لم يترّدد سابقا على المكان (انتحر قرب مقهى معروف في بيروت)". وأظهرت لقطات تلفزيونية نقل الرجل لاحقا من المكان في تابوت بعد تأكد وفاته.
وفي مدينة صيدا، انتحر رجل آخر، كان يعمل سائق أجرة. وحسب مصادر فالرجل كان يعاني ظروفًا مالية صعبة للغاية، أجبرته على ترك منزله لعدم تمكنه من دفع الإيجار، ما جعله ينتقل رفقة أسرته إلى مكان آخر.
وتقول المصادر إن الراحل، صادف قبل يوم من انتحاره سيدة تطعم ابنتها من حاوية النفايات، ما جعله يجلب لها بعض الأكل من بيته.
ووفق موقع "جنوبية"، انتحر الرجل مشنوقا في منزله بمنطقة وادي الزينة، وهو متزوج ولديه ابنة. وكان يبلغ من العمر 36 عامًا.
وأدت واقعتا الانتحار إلى موجة تنديد واسعة، بدأت بوقفة أمام مكان واقعة بيروت، رفع خلالها متظاهرون شعارات من قبيل "دمهم برقبتكم"، و"علي لم ينتحر.. بل أنتم قتلتموه"، و"علي قُتل بدماء باردة".
وعلى موقع تويتر كان الغضب كبيرا، وكتب المدون محمد دنكر "الحقيقة أنّ البلد بحكومته وعهده كافر.. والجوع والذل الذي نعيشه يوميًا أيضًا كافر"، بينما كتبت المغنية الشهيرة نوال الزغبي: "الويل لكلّ زعيم جوّع شعبه".
وانتشر مقطع لرجل قدم نفسه على أنه قريب للمنتحر في بيروت وهو يصرخ: "لقد قتل نفسه بسبب الجوع".
وكتب الناشط إيلي فارس: "لا تصفوا ما حدث اليوم في لبنان بأنه انتحار، بل هو جريمة. قُتل علي والقاتل هم السياسيون الذين يجلسون شعبهم وهو يتضور جوعًا ويموت امام أعينهم"، فيما طالب حساب "فلافل" الساخر بتحويل العبارة في السجل العدلي للراحل من "لا حكم عليه" إلى "مجني عليه".
إيران إنسايدر