أثارت التعزيزات العسكرية للميليشيات الإيرانية وتلك التابعة لقوات نظام الأسد، بذريعة الهجوم الذي تعرضت له حواجز قوات النظام في محافظة درعا من مسلحين مجهولين الأسبوع الماضي، جدلاً واسعاً بشأن تلك الحوادث وتوقيتها وهوية الفاعل، وارتباط ذلك بأطراف الصراع المسلح (إسرائيل وإيران وروسيا) والتي تدور في مناطق مشاطرة للجولان السوري المحتل والأردن، في محاولة من إيران لتدعيم وجودها العسكري في ريف درعا الغربي لاستعادة السيطرة على كامل الجنوب السوري.
فأبعاد عودة التهديدات العسكرية والأمنية الإيرانية في محافظة درعا، بعد تراجع ذلك خلال السنتين الماضيتين، لن تفسّر في إطار الرد على حادثة مخفر بلدة مزيريب والتي قُتل فيها تسعة عناصر من الشرطة المدنية في البلدة المذكورة بريف درعا الغربي يوم الاثنين 5 مايو/أيار2020، بل وفي أطر أخرى، سياسية، وجيوسياسية، يتعلق جزء كبير منها بالصراع الدائر الآن، جنوب غرب سوريا بين (إيران وإسرائيل).
ملفت للنظر أن توقيت النشاط العسكري الإيراني في الجنوب السوري جاء بعد تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي المنصرف نفتالي بينيت، "إن الإيرانيين يبدؤون بالانسحاب من سوريا".
وهذا ما أكده رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت لوسائل إعلام إسرائيلية، "إن أعمال الجيش الإسرائيلي منعت بالفعل النية الإيرانية للتموضع في سوريا ولفتح جبهة ضد إسرائيل من هناك".
ومثلت الفرقة الرابعة المدعومة إيرانياً، واجهة لانتشار الميليشيات الإيرانية في ريف درعا الغربي، وكشف الناشط الإعلامي في ريف درعا الغربي فلاح الأحمد لـ"بلدي نيوز"، عن وصول تعزيزات عسكرية كبيرة، من المليشيات الإيرانية و"حزب الله" اللبناني، مزودة بمدافع ودبابات وأسلحة ثقيلة، من الفرقة الرابعة، والفرقة الخامسة، والفرقة الخامسة عشرة قوات خاصة، والمخابرات الجوية، الموالية لإيران داخل قوات نظام الأسد وأجهزته الأمنية.
وأضاف الأحمد "تأتي التعزيزات الإيرانية وفق مخططاتها المتصلة بالجنوب السوري والتي تجسدت بتدعيم تلك الميليشيات في المنطقة الغربية من درعا متخفين تحت غطاء المخابرات الجوية والفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد"، وبحسب مصدر عسكري في فصائل التسوية غرب درعا، فإن هدف إيران من هذه التعزيزات هو "تدعيم ميليشياتها المتواجدة في منطقة حوض اليرموك، للضغط على (إسرائيل)".
وتابع المصدر، أن إيران "تحاول استخدام ريف درعا الغربي للضغط على دول الجوار (الأردن - إسرائيل) مستفيدة من طبيعة المنطقة الجغرافية، إذ تحتوي المنطقة على تلال مرتفعة كـ"تل الجموع والجابية وتل الحارة" تكشف منطقة الجولان المحتل، فضلاً عن الوديان السحيقة والأحراش الكثيفة التي تفصل سوريا عن الأردن".
من هنا، سارعت إيران لاستثمار حادثة مزيريب في أوائل شهر مايو/أيار الجاري بهدف محاولة إحكام السيطرة على المنطقة المحاذية لإسرائيل والأردن، في إطار تنفيذ مشروعها التوسعي، فضلاً عن تحكّمها في قاعدة اللجاة العسكرية التي يناط بها، القيام بمهمات أمنية وعسكرية في محافظة درعا.
تفسير التعزيزات العسكرية الإيرانية الأخيرة، لها أبعادها السياسية والجيوسياسية، ولا صلة لها بمقتل شرطة مزيريب، ولعل ما يقود إلى هذا التفسير الحرب الكلامية الدائرة منذ أيام بين المرشد الإيراني علي خامنئي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد نشر "خامنئي تغريدة في حسابه الرسمي على تويتر بالفارسية والإنجليزية والعربية مرفوقة بصورة كاريكاتيرية تتنبأ بتحرير القدس من الاحتلال الإسرائيلي".
وجاءت تصريحات خامنئي تزامناً مع يوم القدس الذي تحييه إيران دعما للفلسطينيين. وأضاف خامنئي في منشوره على تويتر "سنساعد وندعم أي دولة أو أي جماعة في أي مكان تعارض وتقاتل الكيان الصهيوني ولن نتردد في قول ذلك". واعتبر خامنئي في تدوينته أن "القضاء على حكومة إسرائيل لا يعني القضاء على اليهود. ليست لدينا مشكلة مع اليهود"، متابعا "القضاء على إسرائيل يعني أن يختار سكان فلسطين المسلمين والمسيحيين واليهود حكومتهم بأنفسهم ويطردوا الأجانب والبلطجية مثل (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو)". فجاء رد رئيس الوزراء الإسرائيلي على تغريدة المرشد الإيراني، على حسابه الرسمي بتويتر قائلاً: "إن العبارات التي استخدمها خامنئي، "مستنسخة من العبارات التي استخدمها النظام النازي"، قبل أن يضيف "تهديدات روحاني بتنفيذ الحل النهائي تذكرنا بخطة الحل النهائي للنظام النازي بإبادة الشعب اليهودي. يجب أن يدرك أن أي نظام يهدد بإبادة إسرائيل يواجه التهديد نفسه".
بدورها دخلت الولايات المتحدة على خط الحرب الكلامية إذ شنّ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو هجوماً حاداً عبر "تويتر" على خامنئي.
وقال إن تصريحات خامنئي "معادية للسامية" و"مثيرة للاشمئزاز" و"تمثل خطاب الكراهية"، وتابع: "نعرف أن الخطاب الدنيء الذي يتبعه خامنئي لا يمثل تقليد التسامح الذي يعتمده الشعب الإيراني". ووصف بومبيو إيران بـ"أكبر دولة راعية للإرهاب ومعادية للسامية"، متهماً إيران بتمويل وتسليح "إرهابيين مناهضين لإسرائيل" و"إعادة إحياء الدعوة النازية إلى الحل النهائي".
يبدو أن التحركات العسكرية الإيرانية في الجنوب السوري مرتبطة بالظروف السيئة التي تعيشها إيران على كل الأصعدة، فهي تمر بحالة من التخبط على وقع الضغوط الأميركية المتصاعدة والمقترنة بحالة من السخط الشعبي الإيراني في ظل الانهيار الاقتصادي والوضع الصحي الصعب بسبب تفشي فايروس كورونا بالبلاد خاصة وأن إيران هي الأكثر تضررا بين دول الشرق الأوسط. وهذا ما عكسه نائب وزير الخارجية الروسي أندريه فيدوروف الذي قال: "إن الشهر المقبل سيشهد اضطرابات جدّية في إيران وأفغانستان"، وأن "الجهات التي أتواصل معها في إيران تفيد أنهم يدخلون لربما المرحلة الأخيرة من الاستقرار الجزئي في البلاد. فالوضع الاقتصادي رديء، وأجواء المواطنين تزداد سلبية وهذا يؤدي بالقيادة الإيرانية إلى الاستنتاج أنه لا مجال للخروج من ذلك الوضع الداخلي سوى من خلال اختلاق أزمة خارجية، الأرجح مع الولايات المتحدة"، وتوقّع حدوث ذلك أواخر مايو أو أوائل يونيو. وبطبيعة الحال، قدرات إيران العسكرية في الجنوب السوري، تجعل من تورّطها مباشرة عبر ميليشياتها الشيعية المتعددة الجنسيات محل شك؛ إذ لا يمكن لها مواجهة الفاعلين الإقليميين والدوليين المرتبطين بالصراع السوري، خصوصاً الولايات المتحدة وإسرائيل.
في هذا السياق، يُذكر أن إيران التي تمثل الداعم الرئيس للفرقة الرابعة والمخابرات الجوية الذين يقاتلون، طوال تسع سنوات، لتثبيت نفوذها في الجنوب السوري فضلا عن ميليشياتها، التي تعد الحاضر الأبرز في هذه المنطقة المحاذية للحدود مع (إسرائيل) والأردن، ومع ما يثار عن انسحاب الميليشيات الإيرانية من الجنوب، فإيران لا تزال تحتفظ بوجودها العسكري في أغلب مناطق ريف درعا، وتقيد حتى الدور العسكري والأمني لروسيا. وليس من المعقول أن تترك درعا لتضيف إلى روسيا مركز نفوذ آخر، على حساب أجندتها، سيما أنها ثابرت كثيراً في بناء شبكة ولاءات داخل الجنوب السوري، وتشعر بالقلق إزاء الوجود العسكري الروسي في هذه المنطقة الحيوية، في ظل الإفصاح الإسرائيلي عن تعاون مع روسيا لإبعاد الميليشيات الإيرانية من محافظة درعا.
أمام هذه التفاعلات المتناقضة، فالمنطقة تدخل الفصل الأخير من العبث الذي تقوده إيران وإسرائيل باتجاه ترتيبٍ جديدٍ يُدفع فيه بأذرع مسلحة إلى واجهة المشهد، وقد بدت علامات ذلك في النشاط العسكري الإيراني المتصاعد، ليس في الجنوب السوري فحسب بل وحتى في جنوب لبنان، في إطار توسيع رقعة الحرب في المنطقة، في سياق تنافس متجدد بين إيران وإسرائيل على الأرض السورية.
المصدر: بلدي نيوز