تُعتبر ميليشيات الحشد الشعبي، إحدى أهم القوات غير النظامية التي شاركت الجيش العراقي في محاربة تنظيم "داعش"، ومتهمة بارتكاب جرائم حرب عقب دخولها "تكريت".
وفي 13 حزيران/يونيو 2014؛ برزت ميليشيات الحشد الشعبي، بعد فتوى للمرجع الديني، آية الله علي السيستاني، بالجهاد الكفائي لتحرير العراق من تنظيم "داعش"، من خلال تشكيل ميليشيات من المتطوعين، فولدت ميليشيات "الحشد الشعبي"، وهي قوات شبه عسكرية تنتمي إلى المكون الشيعي في العراق.
وانتقدت المرجعية الدينية، في النجف، بما وصفته الحملة المسعورة ضد مقاتلي الحشد الشعبي.
ويبلغ عدد عناصر ميليشيات الحشد الشعبي نحو مئة ألف مقاتل، يتوزعون على 42 ميليشيا مسلّحة، 39 منها تتلقى دعما مباشرا من إيران، والأخرى من قبل الحكومة وشخصيات ومراجع دينية في البلاد.
وبحسب رئيس لجنة الأمن والدفاع في "مجلس محافظة بغداد"؛ فإن عدد أعضاء "الحشد الشعبي"، الملتزمة بالنظام العسكري، بلغ نحو 118 ألف متطوع.
وتنتشر تلك الميليشيات، وفقا للضابط العراقي، في مناطق متفرقة من العراق، وتذوب في كثير من الأحيان مع قوات الجيش العراقي، وترتدي ملابسه وتستخدم أسلحته ومعداته العسكرية والعربات الخاصة به.
ومن أبرز ميليشيات الحشد الشعبي: ميليشيا منظمة بدر؛ بقيادة، "هادي العامري"، وزير النقل السابق، وميليشيا عصائب أهل الحق؛ والتي يقودها، "قيس الخزعلي"، وميليشيا "جيش المختار"؛ بقيادة، "واثق البطاط"، وميليشيا حزب الله - العراق، وميليشيا حركة النجباء، وميليشيا سرايا السلام؛ بقيادة، "مقتدى الصدر"، وميليشيا كتائب سيد الشهداء؛ أمينها العام هو، "الحاج ولاء"، ومليشيا "سرايا الجهاد والبناء"؛ أمينها العام الحالي هو، "حسن الساري"، أحد قيادات "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي"، بقيادة "عمار الحكيم"، وكتائب التيار الرسالي؛ التي تأسست كجناح عسكري للتيار الرسالي العراقي، أمينها العام هو النائب الشيخ، "عدنان الشحماني".
وكذلك هناك الكثير من الفصائل الصغيرة، منها "فيلق الوعد الصادق"، و"لواء أسد الله الغالب"، و"كتائب أنصار الحجة"، و"لواء القارعة"، و"سرايا الزهراء"، و"سرايا أنصار العقيدة"، و"كتائب الغضب"، و"حركة الأبدال"، و"لواء المنتظر"، و"كتائب درع الشيعة"، و"حزب الله الثائرون".
ويتقاضى كل عنصر في "الحشد الشعبي"، راتبا شهريا بمقدار500 دولار أمريكي، تدفعها الحكومة العراقية التي اشترطت على كل فصيل، ليحظى بالدعم المالي، أن يكون بحجم لواء ويتمتع بهيكلية واضحة. كما تتلقى فصائلهم الكثير من الدعم من رجال الأعمال التابعين لإيران في العراق.
كما يستلم عناصر الحشد مرتبات شهرية وبدل طعام، أما الإجازات التي يتمتع بها العنصر؛ فتحدد حسب القطاعات العسكرية التي يتبع لها والوضع الأمني فيها.
ويتولى "أبو مهدي المهندس"، رئاسة ميليشيات الحشد الشعبي، اليد اليمنى لقائد "فيلق القدس"، "قاسم سليماني".
وليس لـ "الحشد الشعبي" زي عسكري موحد؛ بل كل ميليشيا لها زيها العسكري الخاص، وهو ما يوضح أن كل قوى تدير عملياتها وفقًا لرؤيتها الميدانية، كما ليس لها شعار موحد؛ بل كل ميليشيا ترفع شعارها الخاص بها، وإن يغلب عليها الشعارات الخاصة بـ"الطائفة الشيعية"، "يا زهراء، يا حسين، يا كرار، يا زينب"، وغيرها من الشعارات التي تعتبر رمزا لطائفة بذاتها.
وتلعب المرجعية الدينية لكل فصيل سياسي دورا في تشكيله وتمويله وأيضا مدى جاهزيته العسكرية والقتالية، فأغلب الميليشيات في الحشد تدين بالولاء للمرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي.
كما هناك ميليشيات تدين بالولاء للمرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي، وهناك من يدين للمرجع الديني، "صادق الحسيني الشيرازي"، وهو ما يؤدي إلى اختلاف في الولاءات ما بين الوطنية والفارسية.
ومن الجرائم التي ارتكبتها ميليشيات "الحشد الشعبي"، وصورت بالفيديو، هي إعدام طفل بالرصاص في محافظة "ديالى" العراقية، وتظهر اللقطات كيف أعدم الطفل -الذي لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره- وهو موثوق اليدين وفي مكان مجهول بعد تعذيبه والسخرية منه من قِبل عدد كبير من عناصر ميليشيات الحشد.
وحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في أحدث تقرير لها، تصاعدت انتهاكات الميليشيات المتحالفة مع قوات الأمن العراقية في المناطق التي تقطنها غالبية سنية في الشهور الأخيرة، حيث تم إجبار السكان على ترك منازلهم، أو خطفهم، أو إعدامهم ميدانيا في كثير من الأحيان.
وتصنف الولايات المتحدة بعضا من الفصائل المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي بالعراق إرهابية من بينها حركة النجباء.
منظمة بدر
تعتبر منظمة بدر، أو فيلق بدر، واحدة من أكبر الميليشيات التي تتألف منها قوات الحشد الشعبي، تشكلت المنظمة الإيرانية في الأصل من المنشقين الشيعة عام 1982 رداً على الحرب العراقية الإيرانية. وأصبح لديها حزبها السياسي لاحقا.
وبعد وفاة صدام حسين، عاد أعضاء منظمة بدر السابقون من المنفى وانضموا إلى صفوف الحكومة والشرطة العراقية، وأشعلوا حالات عنف طائفية متطرفة، منها "استخدام مثقاب آلي لخرق جماجم.. الخصوم"، وفقاً لإحدى برقيات وزارة الخارجية الأمريكية عام 2009.
وقالت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات غير الحزبية في دراسة، "منظمة بدر شديدة الالتزام بالمذهب الثوري الشيعي في إيران". وقال رئيس المنظمة، هادي العامري، عام 2015 إن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي "هو زعيم الأمة الإسلامية وليس إيران فحسب".
وشاركت المنظمة، التي ما تزال موالية لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، في مناوشات ضد القوات الأمريكية في البلاد خلال حرب العراق. وكثيراً ما أعلن أعضاء المنظمة عن استخدامهم أسلحة أمريكية الصنع، مثل دبابات إم 1 أبرامز والمركبات المدرعة المضادة للكمائن والألغام.
كتائب "حزب الله"
في أبريل/نيسان عام 2007، تشكلت كتائب حزب الله، وهو لواء آخر تابع لقوات الحشد الشعبي بدعم من إيران، من خمس مجموعات شيعية صغيرة ظهرت بعد الغزو الأمريكي للعراق، وهي لواء أبو الفضل العباس، كتائب كربلاء، كتائب زيد بن علي، كتائب علي الأكبر، كتائب السُّجاد.
وتتبنى هذه المنظمة القادة الإيرانيين وأيديولوجيتهم، وتعهدت بتشكيل حكومة مماثلة لحكومة طهران. وقُتل قائد كتائب حزب الله ونائب قائد قوات الحشد الشعبي، أبومهدي المهندس، في الغارة الجوية نفسها التي قتل فيها قائد فيلق القدس قاسم سليماني يوم الخميس. وسبق أن وصف المهندس سليماني بأنه "شهيد حي".
وقال المهندس عام 2018، وفقا لوسائل إعلام عراقية "لن أخجل من الإشارة إلى دعم جمهورية إيران الإسلامية لنا بالأسلحة وتقديم المشورة والتخطيط".
وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول، التقى سليماني سرا مع قادة الميليشيا وأمر كتائب حزب الله بالإشراف على حملة هجمات صاروخية ضد القوات الأمريكية في القواعد العراقية.
وبحسب رويترز، قال مسؤولون أمريكيون إن الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية، قبل الهجوم، كان لديها أسبابها للاعتقاد بأن سليماني منخرط في "المراحل الأخيرة" من التخطيط لاستهداف الأمريكيين، حيث قال مسؤول أمريكي كبير إن سليماني زوَّد "كتائب حزب الله" بأسلحة متطورة. إذ قال أحد قادة الميليشيات، لرويترز، إنَّ سليماني أخبرهم أنَّ مثل هذه المجموعة "سيصعُب على الأمريكيين رصدها".
وصنفت وزارة الخارجية الأمريكية كتائب حزب الله منظمة إرهابية أجنبية عام 2009. إلا أن الجماعة استمرت في استعداء الولايات المتحدة وتهديدها بمحاربة "المحتلين الأمريكيين" في العراق.
يُشار إلى أن عملاء كتائب حزب الله قتلوا خمسة جنود أمريكيين خلال هجوم صاروخي في بغداد عام 2011. ووفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية، صورت المجموعة كمائنها ضد أهداف أمريكية وعراقية، ومن ذلك هجمات القنص والهجمات بالعبوات الناسفة.
ويُقدر عدد مسلحي الكتائب بسبعة آلاف عنصر، وفقاً لأرقام غير رسمية. ويُعتبر أسلوب عملها شبيهاً بأسلوب حزب الله اللبناني، كما أشرفت على تدريبها قيادات إيرانية ولبنانية أبرزهم عماد مغنية الذي قُتل في سوريا 2015، بحسب مصادر أمريكية.
سرايا الخراساني
"سرايا الخراساني" أو "سرايا طليعة الخرساني" هو فصيل عراقي مسلح، يرتبط بشكل مباشر بإيران، وله نفس شعار الحرس الثوري الإيراني. يقدر عدد هذه الميليشيات بأكثر من 7 آلاف وتعتبر حالياً جزءاً من تشكيلات الحشد الشعبي. لديها ارتباطات تمويل كبيرة، منها عمليات الاختطاف والمساومة والمقاولات، إضافة إلى التعاون مع ميليشيات أخرى هي "كتائب الإمام علي" التي تعتمد في تمويلها على "الإتاوات" من شركات الاتصالات والإنترنت المنتشرة في العراق.
عصائب أهل الحق
هو فصيل مسلح شُكل بعد سيطرة "داعش" على مساحات من الأراضي العراقية عام 2014. تعمل عصائب أهل الحق داخل العراق ولها تواجد في سوريا.
شبكة الميليشيات
وأظهر تحقيق نشره مؤخرا مركز أبحاث مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأميركية في وست بوينت بنيويورك، أن الميليشيات التي تدعمها إيران في العراق وصلت لأوج قوتها بعد أن تمكنت أولا من السيطرة على مكتب رئيس الوزراء بواسطة مديره أبو جهاد الهاشمي القيادي في منظمة بدر والذي تربطه علاقات وثيقة بقائد فيلق القدس قاسم سليماني.
ويضيف التحقيق -الذي أعده الكاتب الأميركي مايكل نايتس- أن هذه الميليشيات، التي كان يقودها نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي وزعيم كتائب حزب الله أبو مهدي المهندس، تمكنت أيضا خلال فترة عبد المهدي من السيطرة على عمليات اختيار الوزراء الأمنيين.
وهيمنت الميليشيات المدعومة من إيران على الشؤون التجارية في العراق، وقامت بتحويل مبالغ العديد من المشاريع الاقتصادية الرئيسية إلى حساباتها وحسابات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، وفقا للكاتب.
ويورد الكاتب اسم قائد ميليشيا كتائب الإمام علي شبل الزيدي المصنف على لائحة الإرهاب الأمريكية منذ عام 2018.
ووفقا لنايتس، أصبح هذا الشخص من أغنى الرجال في العراق لما يمتلكه من إمبراطورية تجارية مترامية الأطراف، وأيضا من خلال سيطرته على وزارة الاتصالات.
واستفاد قادة الميليشيات الرئيسية من سطوتهم لبناء قوة عقارية كبيرة، وكذلك استغل حزب الله اللبناني من هيمنة هذه الميليشيات على المشهد الاقتصادي في العراق للحصول على عقود وهمية مستغلا العلاقات الوثيقة التي تربط محمد كوثراني وشقيقه عدنان كوثراني مع القادة العراقيين الموالين لإيران، بحسب ما ترجم موقع قناة "الحرة".
مصدر آخر يدر ملايين الدولارات يوميا على الميليشيات العراقية الإيرانية، ويتمثل في سيطرة رجال أعمال مرتبطين بإيران على أربعة بنوك خاصة تستغل مزاد بيع الدولار لتأمين العملة الصعبة لإيران، وفقا للكاتب الذي لم يذكر أسماء هذه البنوك.
ويتابع أن الميليشيات الموالية لإيران تمكنت أيضا من اختراق نظام "كي كارد" المخصص لدفع الرواتب الحكومية، عبر زج أسماء موظفين وهميين في النظام الإلكتروني للحصول على أموال تبلغ قيمتها عشرات ملايين الدولارات شهريا.
كذلك سيطرت هذه الميليشيات على حقول نفطية صغيرة في مناطق سنية مثل علاس والقيارة ونجمة، وقامت أيضا بالاستفادة من شركات نقل وإمداد وشحن تسيطر عليها ميليشيات في البصرة لتهريب النفط المسروق من هذه الحقول.
كما تعمل هذه الميليشيات، حسب الكاتب، على توفير الغطاء لتهريب النفط الإيراني الخاضع للعقوبات الأميركية عبر منافذ حدودية منتشرة على طول الحدود مع العراق ومن ثم إعادة تعبئته وتصديره كنفط عراقي، لكن الموارد المتحصلة عن ذلك كانت تذهب لإيران.
وثبتت الميليشيات الرئيسية الموالية لإيران موطئ قدم لها في الموانئ ومناطق التجارة الحرة في العراق، لضمان تصدير تصدر النفط الخام العراقي والمنتجات النفطية المسروقة من الصناعات المحلية، وضمان هيمنتها على عمليات التهرب الجمركي وفرض ضرائب على البضائع القادمة إلى البلاد.
كذلك تمكنت الميليشيات العراقية المدعومة من إيران من الاستحواذ على الكثير من العقود المهمة في مطار بغداد الدولي وخاصة بعد تعيين القيادي في منظمة بدر علي تقي مديرا للمطار، وفقا لمايكل نايتس، الذي أشار إلى أنه منح عقدا ضخما لشركة خاصة مرتبطة بميليشيا كتائب حزب الله للسيطرة على عمليات نقل الأمتعة.
ويعتقد الكثيرون في واشنطن أن طهران لا تزال تواصل تمويل الميليشيات العراقية الموالية لها على الرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها نتيجة العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة.
لكن الكاتب في مجلة "واشنطن إكزامينر" مايكل روبن يرى أن المعادلة باتت معكوسة الآن حيث تستغل هذه الميليشيات نفوذها داخل مؤسسات الدولة العراقية لتقديم الدعم لإيران وللحرس الثوري الذي يدير هذه الميليشيات.
واستقى الكاتب، وهو مسؤول سابق في البنتاغون، معلوماته هذه بعد زيارة قام بها مؤخرا للعراق والتقى خلالها بمسؤولين عراقيين.
يقول روبن إن إيران وبدلا من دعم ميليشياتها في العراق، باتت هذه الميليشيات تستخدم الشركات التي أنشأتها في العراق لدعم طهران وقوات الحرس الثوري، بعد أن شلت العقوبات قدرات الحرس الثوري الاقتصادية في طهران.
ويضيف "في الواقع، فإن مجموعات مثل فيلق بدر وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق يقومون في بعض الحالات برشوة وإفساد العملية السياسية للفوز بعقود وفي حالات أخرى يستخدمون ببساطة التهديد العسكري للحصول على ما يريدون".
وبالإضافة لذلك تقوم هذه الميليشيات، وفقا للكاتب، "بنهب المساعدات الأميركية والدولية والموارد العراقية وتحويلها إلى إيران".
ويعيد روبن التذكير بما قامت به الولايات المتحدة للحد من النفوذ الاقتصادي للجماعات الموالية لإيران في العراق، ويشير إلى أن واشنطن فرضت قبل أكثر من عقد من الزمان عقوبات على كتائب حزب الله وصنفته منظمة إرهابية، وفعلت ذات الشيء مؤخرا مع عصائب أهل الحق.
لكن المشكلة الآن، بحسب روبن، لا تتعلق فقط بقيام هذه الجماعات بانتهاك حقوق الإنسان أو الاستثمارات التي قد تمر عبر النظام المصرفي الدولي، بل تتمثل في قيامها بالتمكين المباشر للحرس الثوري خارج الآليات المالية العادية.
ويختتم الكاتب بالقول "إنها مشكلة صعبة، لكن إذا كانت الولايات المتحدة تريد وقف الاستعمار الإيراني في العراق وإنهاء الدعم الذي تقدمه طهران للإرهاب في الخارج، فعليها إعادة النظر في إجراءاتها من خلال توسيع العقوبات المفروضة على الميليشيات العراقية التي تنفذ أوامر إيران".
تهريب النفط
وكان قال علي العبودي، وهو عضو لجنة النفط والطاقة النيابية، إن جهات سياسية متنفذة -لم يسمها- تواصل تهريب النفط العراقي دون تمكن أي سلطة سياسية في البلاد مواجهتها.
وأضاف العبودي، أن وزارة النفط لا تسيطر على أي نشاط يجري في كردستان، فضلا عن السطوة الواضحة لتلك الجهات في جزء من محافظتي كركوك ونينوى وانتشار ثقافة السلاح في مواقع كثيرة.
وألمح عضو لجنة النفط إلى أنه لا توجد إرادة سياسية لإعطاء الضوء الأخضر من أجل إيقاف تهريب النفط إلى خارج البلاد، خاصة أن الجهات السياسية التي تسيطر على عملية تهريب النفط تدعي "الوطنية"، وهي في الوقت نفسه بعيدة عن أي ملاحقات قانونية أو أمنية.
وقال إن الكميات المهربة لا أحد يعلم بكمياتها غير الله، خاصة أن الجهات التي وصفها بالسياسية المتنفذة تتحدث بنبرة الوطنية طوال الوقت، ولا يستطيع أحد الاقتراب منها؛ لأن الجهات الرقابية تقف عاجزة مشلولة أمام الانحرافات التي تمارسها تلك الجهات.
مليارات الدولارات
وتفقد الخزينة العامة العراقية -التي تعتمد بنسبة 90% في ميزانيتها على النفط الخام- مليارات الدولارات، بفعل تهريبه من قِبل متنفذين في الوزارات الحكومية والأحزاب، إلى دول أخرى باستخدام قوارب صيد، وشاحنات.
وكان طرح رئيس الحكومة العراقية السابق، عادل عبد المهدي، ملف تهريب النفط، الذي تسبب في إهدار الموارد وتراجع الخدمات، وهو ما أثار سلسلة احتجاجات شعبية كادت تطيح بالنظام خلال الصيف الماضي.
ومن أبرز الوثائق الرسمية التي تحدثت عن هذه القضية، تقرير الشفافية الصادر في 2006 عن مكتب المفتش العام بوزارة النفط العراقية، وحمل عنوان "تهريب النفط الخام والمنتجات النفطية".
ولم يستمر عمر الملف طويلا، إذ أُتلفت الوثائق المرتبطة به في حريق شب بالوزارة مباشرة بعد نشره للرأي العام، ولم يصدر تقرير بعده إلى يومنا هذا.
التقرير تحدث بالأرقام عن عمليات التهريب التي تمت في 2005 وتداعياتها الاقتصادية، مقدرا الأموال التي تم الاستيلاء عليها بما قيمته مليار دولار، مشيرا إلى أن التهريب يجري عن طريق الموانئ الجنوبية في البصرة باتجاه الإمارات، ودول أخرى.
وبحسب التقرير، فإن عمليات التهريب تتم باشتراك من بعض الدول المجاورة وبمشاركة مسؤولين في الدولة ومشرفين على القطاع النفطي، وبتواطؤ من عناصر بالشرطة والجمارك العراقية.
تمويل مليشيات
ورغم عدم إصدار مكتب المفتش العام العراقي التقرير الذي أتى عليه الحريق، بعد أن خلصت التحقيقات الحكومية إلى أن الحريق "قضاء وقدر"، فإن المخابرات الأمريكية قدمت للجانب العراقي، نهاية مارس الماضي، تقارير عن تهريب النفط.
ووصلت المخابرات الأمريكية إلى أن 56 جهة عراقية تشارك في عمليات التهريب، والأموال المحصلة تقدر بنحو 4 مليارات دولار سنوياً، بحسب مصدر في وزارة الداخلية العراقية.
وقال مصدر مطلع إن "الجانب الأمريكي وفر معلومات تفصيلية لحكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، ورئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، عن حجم عمليات التهريب، والجهات المستفيدة من هذه العمليات".
وأضاف "المعلومات تشير إلى أن 10 أحزاب سياسية مشاركة في الحكومة الحالية متورطة بعمليات التهريب، عن طريق موظفين في الدرجات العليا، هي من عينتهم، ويدينون لها بالولاء في وزارات النفط والداخلية والجمارك، ويهرب هؤلاء النفط من خلال المنافذ بالتعاون مع موظفين فاسدين".
وأردف "وبحسب المعلومات، فإن 40 فصيلا مسلحا متورط في عمليات التهريب، من خلال مناطق نفوذها باستخدام أساليب مختلفة، وتمول هذه المليشيات أنشطتها من خلال ملايين الدولارات من العائدات اليومية".
واستدرك المصدر، بالقول إن "الأحزاب والفصائل المسلحة آنفة الذكر تستخدم المنافذ الجنوبية والغربية لتهريب النفط باتجاه الإمارات. أما المنافذ الشمالية فتستخدمها 6 جهات كردية في تهريب النفط من آبار الشمال بكركوك وفي إقليم كردستان باتجاه إيران".
المصدر أشار إلى أن "المخابرات العراقية توصلت إلى أن معظم النفط المهرب عبر الجنوب يذهب إلى الإمارات، ومن جهة الشمال يذهب إلى إيران وتركيا، حيث يباع برميل النفط بأقل من 36 دولارا للبرميل".
وبين المصدر أن عمليات التحري أوصلت المحققين العراقيين إلى وثائق تظهر عليها أختام موانئ وشركات إماراتية على النفط العراقي المهرب.
وكشف أن "معظم الأموال المحصلة من التهريب تودع في بنوك بإمارة دبي، وحكومة عبد المهدي بدأت بالتواصل مع الجانب الإماراتي بهذا الخصوص دون إعلان ذلك، لعدم إثارة الجهات السياسية والمليشيات التي يمكن أن تضغط لوقف جهود التحقيق كما فعلت في السنوات الماضية".
صراع دامٍ
وتشهد مدينة البصرة صراعا داميا بين الأحزاب والمليشيات المتنفذة بين الفينة والأخرى، في إطار سعيها للحصول على حصة أكبر من موارد التهريب.
وأدى تهريب النفط في المدينة إلى نشوء مافيات تضم المهربين والوسطاء والمتعاونين ضمن وزارة النفط والجمارك. كما تؤدي بعض العشائر دورا محوريا في الوساطة بين مختلف الأطراف، بحكم مناطق نفوذها التي تمر منها الخامات المستخرجة من الآبار.
وبات معروفا لدى أهالي المنطقة ما هي الجهات المتورطة في عمليات التهريب، فبموجب المحاصصة في الوظائف والمناصب، يسيطر حزب الفضيلة على قوة حماية النفط، وحزب الله العراقي على شرطة الجمارك.
وتوجد للمجلس الأعلى الإسلامي هيمنة على المخابرات، أما التيار الصدري فيسيطر على الشرطة المحلية وعلى قوات حماية المنشآت.
ويتنافس الجميع على الموانئ، حيث يسيطر الصدريون على ميناء أبو فلوس الذي يعد مركزا رئيسا للتهريب، في حين يسيطر الفضيلة على ميناء أبو الخصيب العميق الذي ترسو فيه السفن الكبيرة.
وشهدت البصرة في السنوات الماضية اشتباكات أكثر من مرة بين هذه القوى، إثر خلافات تتعلق بمناطق النفوذ والسيطرة.
طرق تهريب النفط
وتتم عمليات تهريب النفط في الغالب باستخدام زوارق خشبية لصيد الأسماك توجد في مياه شط العرب، وتكون وجهتها المياه الدولية في الخليج العربي، ومن هناك تتجه الشحنات إلى أحد الموانئ في الخليج العربي.
كما يعتمد المهربون على طريقة أخرى في الحصول على الخام، من خلال تتبع الشبكات الناقلة للنفط، حيث يحصلون على خرائطها التفصيلية من موظفين من داخل وزارة النفط، وفي الأماكن النائية تثقب الأنابيب ويحصر الخام في أحواض من الرمل على شكل آبار اصطناعية، ومنها تأتي السيارات الحوضية لنقل الخام.
وينفذ عمليات التهريب الكبرى "حيتان التهريب" المرتبطون بالمليشيات والأحزاب المتنفذة، حيث يتم التحايل على العدادات التابعة لوزارة النفط بالتعاون مع كبار الموظفين، حيث تتم تعبئة زوارق محلية، حمولتها لا تتجاوز 20 طنا، وهذه بدورها تذهب بالنفط إلى باخرة خارج المياه الإقليمية العراقية، حيث يباع الخام لها، ويتم تسلُّم المال إما مباشرة وإما بإيداعه في حسابات بنكية.
وغالبا ما تكون البواخر التي تنقل النفط المهرب لا تملك أوراقا رسمية بحمولتها، وتحمل نفطا غير شرعي بحسب القانون الدولي، لذلك يعد استقبال الموانئ الرسمية إياها مخالفة قانونية، وشكلا من أشكال القرصنة.
إسراء الحسن – إيران إنسايدر