كشفت مصادر عن تفاصيل خطة روسية لطرد إيران من سوريا، عبر إغواء قادة ميليشياتها من الأفغان والباكستانيين والعراقيين، وتزويدها بالسلاح والمال مقابل الابتعاد عن إيران.
وقالت مصادر إعلامية، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد ببساطة أن يأكل الأذرع الميليشياوية الإيرانية في سوريا وينهي نفوذ إيران بعد انتهاء الحرب السورية.
وأضافت "مع تقليص رقعة الجبهات على الساحة السورية، وانكفاء المعارضة السورية المسلحة في آخر معاقلها شمال غرب سوريا، وتحديدا محافظة إدلب، بات النفوذ الإيراني المتشعب في البلاد يشكل عبئا لموسكو التي تجد صعوبة في المواءمة بين المطالب التركية والطموحات الإيرانية في الميدان السوري".
وأبرمت موسكو عدة اتفاقات مع الجانب التركي بشأن الملف السوري، غير أن ذلك لم يلقَ قبولا تاما من إيران، التي تطمح للبقاء في سوريا، على اعتبار أنها جاءت بطلب رسمي من الحكومة السورية، على عكس تركيا مثلا التي تطالبها طهران ودمشق بمغادرة الأرض السورية.
وذكرت صحيفة "حرييت" التركية، أن أنقرة وجهت خلال الاجتماع الأخير لوزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران، تحذيرا إلى طهران بسبب "انتهاك ميليشياتها لوقف إطلاق النار بإدلب".
وأشارت إلى أن "النظام السوري خرق القرار بالتزامن مع المباحثات التي عقدت بين الدول الضامنة الثلاث عن بعد".
وأشارت الصحيفة التركية إلى أن المباحثات الثلاثية بين وزراء الخارجية، جاءت بعد تزايد هجمات النظام السوري في ريف إدلب الجنوبي، واستهداف المدنيين، في تحد لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين تركيا وروسيا.
والرسالة التركية لإيران، جاءت بعد أيام من زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى دمشق، واجتماعه برئيس النظام بشار الأسد، وبعد قرابة أسبوع من شن ميليشيات تابعة لإيران هجمات متفرقة على منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب، وتجريب صواريخ إيرانية جديدة عبر طائرة بدون طيار أيضا في إدلب.
شراء ولاءات
وترى المصادر أن موسكو بدأت تشعر بأن الوجود الإيراني يشكل عائقا أمام خططها السياسية لما بعد الحرب في سوريا، ومحاولات إعادة النظام السوري إلى الحظيرة الدولية، لكنها لا تقوى على إنهاء هذا الوجود "بوصفة سحرية"، فما يربط بين دمشق وطهران، من حلف وثيق يعود إلى بداية ما سمي بـ"الثورة الإسلامية" في إيران التي قادها الخميني عام 1979، يفوق قدرات الدب الروسي على تفكيكه وإنهائه.
وتضيف أن موسكو شرعت في البحث عن "خطط بلا أنياب" تقلص النفوذ الإيراني في البلاد تدريجيا، وتتيح لها تطبيق تصورها للحل السوري بحيث يلقى قبولا من الغرب، وخصوصا واشنطن، التي تشترط أي انخراط جدي لها في الملف السوري وإعادة الإعمار، وتأهيل النظام، بفك الارتباط بين دمشق وطهران.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة "ذا ناشيونال" في تقرير لها أعاد نشره موقع "إرم نيوز"، عن قبول قيادي في ميليشيا "فاطميون" التابعة للحرس الثوري الإيراني عرضاً من موسكو لتدريب وتسليح عناصر الميليشيا بشكل خاص، وقال التقرير: إن القيادي في ميليشيا "فاطميون" عبد الله صلاحي تلقى عرضا من ضابط روسي مقرب منه وهو العقيد ألكسندر دفورنيكوف لدعم عناصره عسكريا ولوجستيا.
وأظهر التقرير العلاقة القوية التي تربط بين صلاحي وقادة من الجيش الروسي، والتي يعود تاريخها إلى معارك البادية السورية ضد تنظيم داعش عام 2016، حيث برز القيادي الإيراني أثناء المعارك التي شنتها قوات النظام وحلفاؤه الروس على تنظيم "داعش" في منطقة تدمر وسط سوريا.
ويشير التقرير إلى أن صلاحي يقوم بزيارات متكررة للمقار الروسية في سوريا، ذلك أن الروس ليس لديهم إذن بدخول مقرات "لواء فاطميون"؛ لأن الإيرانيين لديهم مخبرون وجواسيس بين صفوف هذه الميليشيات وغيرها.
ووفقا للتقرير، فإن دوافع هذا العرض الروسي النادر هو رغبة موسكو بتقليص النفوذ الإيراني في سوريا بطريقة غير صدامية، من خلال جذب المجموعات المدعومة من قبل الحرس الثوري وضمها إلى القوات التي يدربها ويسلحها.
وأكد التقرير نجاح المساعي الروسية بضرب الشبكات الإيرانية في المنطقة من خلال علاقات خاصة مع قياديين من هذه الشبكات، الأمر الذي قد يغير من ديناميكيات الحرب في عامها العاشر ويشعل صراع النفوذ بين موسكو وطهران، لكن من المستبعد أن تصل للصراع العسكري المباشر.
واستشهد التقرير بالصور التي نشرت لوحدة "فيصل العباس" التابعة للقيادي عبد الله صلاحي جنباً إلى جنب مع القوات الخاصة الروسية وهي تحمل سلاحاً روسياً، واعتبرتها دليلاً على نجاح السياسة الروسية في زعزعة كيان القوات الإيرانية من جهة، وفشلاً إيرانياً في المحافظة على نفوذها وحلفائها في المنطقة من جهة أخرى.
ويقود صلاحي، بحسب التقرير، مجموعة باسم "فيصل العباس" تابعة للواء "فاطميون"، وتضم نحو (500) عنصر وتتخذ من مدينة دير الزور مقراً لها.
وهذه المحاولة الروسية في استقطاب قادة الميليشيات الإيرانية تمثل واحدة من أولى الحالات الناجحة الموثقة لروسيا التي تجذب مجموعة من القوات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني إلى مدارها منذ التدخل في الصراع في أيلول/سبتمبر 2015 .
وكان الحرس الثوري الإيراني استقدم ميليشيا "لواء فاطميون" إلى سوريا إلى جانب ميليشيات عراقية وباكستانية، ويقدر عدد عناصر الميليشيا في سوريا بـ(3000) عنصر، معظمهم متمركزون في مناطق سيطرة النظام بمحافظة دير الزور، إضافة إلى مدينتي تدمر والسخنة ومواقع أخرى في بادية الشام.
ويتألف "لواء فاطميون" من مجموعة من اللاجئين الشيعة الأفغان في إيران من طائفة الهزارة، وقد لعبت دورا متزايدا في استراتيجية الحرس الثوري الإيراني في سوريا، إذ انضم الآلاف من الهزارة إلى القتال في الحرب إلى جانب الأسد في البلاد، غالبًا بوعد بإقامة دائمة في إيران، واتبع آخرون ببساطة الدعوة للمساعدة في الدفاع عن الأضرحة الشيعية في سوريا.
الممر البري
في سياق آخر، توقف تقرير آخر أمام محاولات إيرانية مضادة للاحتفاظ بأماكنها في سوريا عبر خطط شتى، انتقلت خطط إيران في دير الزور إلى مرحلة متقدمة لإقامة "منطقة نفوذ" شمال شرقي سوريا، تضمنت مواكبة ترسيخ الوجود العسكري بنشاطات في المجالات الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، ذلك بهدف إقامة "ممر بري" يصل البلاد بلبنان عبر العراق وسوريا، بعد قطع أميركا الطريق التقليدي لدى إقامة قاعدة في التنف في زاوية الحدود السورية - العراقية - الأردنية، حسب ورقة أعدها حميد رضا عزيزي في "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية".
وكانت قوات النظام السوري استعادت بالتعاون مع إيران وميليشياتها في نوفمبر 2017 منطقة البوكمال الواقعة على الحدود السورية - العراقية من أيدي تنظيم "داعش"، بعد قيام وحدات الحشد الشعبي، المدعومة من إيران، بالسيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي العراقية من قبضة "داعش"، واستعادت السيطرة على مدينة القائم التي تقع على الجانب الآخر من الحدود.
كانت تلك التطورات كبيرة ومهمة بالنسبة إلى إيران في ظل سيطرة القوات الأميركية أو حلفائها المحليين على المعبرين أو المعابر الثلاثة الرئيسية التي تربط العراق بسوريا، فقد حوّلت الولايات المتحدة الأميركية المناطق القريبة من معبر التنف في جنوب شرقي سوريا إلى قاعدة عسكرية رئيسية لها في البلاد.
في حين تسيطر "قوات سوريا الديمقراطية"، التي يهيمن عليها العنصر الكردي، على معبر اليعربية. وتمركزت القوات الإيرانية وتلك المدعومة من إيران خلال العامين الماضيين في عدة مناطق، في النصف الجنوبي من دير الزور، وأنشأت إيران من خلال تجنيدها قوات محلية جماعات شبه عسكرية جديدة في المنطقة، مثل ما يُسمى بـ"جيش القرى"، الذي يتكون من أكثر 2500 مقاتل عربي من القرى الموجودة في المنطقة.
كذلك أنشأت إيران قاعدتين عسكريتين على الأقل في الضواحي الغربية لمدينة الميادين وفي البوكمال، حسب الدراسة.
في المقابل، أقامت إيران مركزين ثقافيين، في دير الزور، لنشر آيديولوجيتها. ولمنظمة "جهاد البناء" الإيرانية نشاط كبير في مشروعات إعادة الإعمار والبنية التحتية في المنطقة.
كذلك سعت إيران وراء إقامة شبكة من القوات الموالية لها في المنطقة، من خلال التعاون مع شيوخ قبائل دير الزور.
وبعيدا عن محاولة الاستفادة من الحوافز المالية الإيرانية، ومشروعات إعادة الإعمار، ترى بعض القبائل المحلية أن إيران شريك يمكن الاعتماد عليه أكثر من النظام السوري. كل تلك الإجراءات تدل على تبني إيران استراتيجية طويلة الأمد تجاه المنطقة.
ويشير خبراء أنه بالرغم من هذه الخطط الطموحة لإيران في سوريا إلا أن مقتل سليماني الذي كان اليد الكبرى في التواصل مع قادة هذه الميليشيات ويوجهها اصبحت تواجه مشكلة انشقاقات ميليشياتها وابتعادها عن هيمنتها وسيخضع الوجود الايراني في سوريا لاختبار كبير خلال الفترة المقبلة.
إيران إنسايدر – (أ ي)