اغتال مسلحون مجهولون، الناشط حسن هادي مهلهل، من محافظة ذي قار جنوبي العراق، بأربع رصاصات استقرت في جسده، وقبله بأيام قتل الصحفيان أحمد عبد الصمد وصفاء غالي في البصرة وهما يعملان في محطة فضائية عراقية.
ومنذ انطلاق التظاهرات في العراق في مطلع تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، تعرض العديد من الصحفيين والقنوات الفضائية للمضايقة والاعتداء والحرق من قبل من سمتهم الحكومة العراقية "الطرف الثالث"، لكن ناشطين يؤكدون أن هذه الاعتداءات تنفذها ميليشيات مرتبطة بإيران.
واغتال مسلحون، يوم الثلاثاء 31 كانون الأول/ديسمبر، الناشط علي خالد الخفاجي في محافظة ذي قار (جنوب العراق).
اغتيال النشطاء
وكان اغتال مسلحون مجهولون، ليلة الثلاثاء/الأربعاء 18 كانون الأول/ديسمبر، الناشط وأستاذ اللغة الإنكليزية المتقاعد علي جابر، أمام منزله في الحي العصري بناحية مندلي في محافظة ديالى.
وجاء اغتيال جابر أيام قليلة على اغتيال الناشط، حقي العزاوي، في بغداد بالإضافة إلى الناشط المدني محمد جاسم الدجيلي، الذي قتل في منطقة شارع فلسطين شرق العاصمة العراقية، خلال عودته إلى منزله من ساحة التحرير.
تقرير حقوقي
ودعت منظمة العفو الدولية، السلطات العراقية، يوم الاثنين 16 كانون الأول/ديسمبر، إلى النهوض بمسؤولياتها واتخاذ خطوات فورية وفعالة لوضع حد لحملة فتاكة ومتنامية من المضايقة والترهيب والاختطاف والقتل المتعمد للنشطاء والمتظاهرين في بغداد وغيرها من المدن العراقية.
وجمعت المنظمة إفادات تسعة من النشطاء والمتظاهرين وأقارب النشطاء المفقودين في بغداد وكربلاء والديوانية، وصفوا فيها ما يجري حاليا بأنه "حملة إرهاب" و "لا مأمن لأحد منها"، بعد أن قُتل عدد من المتظاهرين والنشطاء، أو اختُطفوا واختفوا قسرا على مدى الأسبوعين الماضيين، بينما كان معظمهم في طريق عودتهم إلى بيوتهم في أعقاب مشاركتهم في المظاهرات. وتمكن البعض الآخر من الفرار في أعقاب محاولات لإطلاق النار عليهم.
وقالت لين معلوف، مديرة البحوث للشرق الأوسط بمنظمة العفو الدولية، "إن تقاعس السلطات المطلق عن اتخاذ أي إجراء خلال الأسابيع الماضية قد مهد السبيل لهذه المرحلة الجديدة المروعة من محاولة سافرة ومكتملة الأركان لسحق مظاهرات الاحتجاج في العراق عن طريق بث الرعب في نفوس الأهالي، كما أن هذا التقاعس من جانب الحكومة يشي، على أقل تقدير، بقبولها الضمني للاختفاء القسري والتعذيب والقتل غير المشروع للمتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم الإنسانية، بل وتواطئها في بعض الحالات".
وأضافت معلوف "أن استقالة الحكومة لا تعني أن بمقدورها التخلي عن مسؤولياتها؛ بل لا تزال هي السلطة الأولى المسؤولة عن حماية كل فرد في البلاد، بما في ذلك المتظاهرون الذين ينبغي السماح لهم بحرية التجمع السلمي دون خوف من القمع، فضلا عن إرهابهم بالاختطاف أو حتى إطلاق النار عليهم".
قتل ممنهج
وأفاد الناشطون والمتظاهرون بوقوع سلسلة من محاولات الاغتيال التي استهدفت المتظاهرين، ولا سيما أثناء عودتهم إلى بيوتهم من مناطق التظاهر خلال الأسبوع الماضي. وقال بعض المتظاهرين إن الاستهداف العشوائي للنشطاء والمتظاهرين قد خلق مناخا من الرعب؛ وأوضح أحد المتظاهرين ذلك، بقوله "نحن جميعا نحاول أن نفهم هذا النمط؛ ولكن حينما يُستهدف متظاهر عادي وناشط بارز على حد سواء، لا نرى سوى نمط واحد: إرهاب الجميع، واستهداف الجميع".
وفي 8 ديسمبر/كانون الأول، ورد أن الناشط فاهم الطائي قُتل بأعيرة نارية في مدينة كربلاء جنوبي العراق، بينما عُثر على جثة ناشط آخر يدعى علي نجم اللامي في بغداد في ساعة مبكرة من صباح يوم 11 ديسمبر/كانون الأول، وقد أصيب في رأسه بجروح ناجمة عن أعيرة نارية. وقال الناشطون والشهود الذين تحدثت إليهم منظمة العفو الدولية إن علىّ – وهو أصلاً من سكان محافظة واسط – كان آنذاك في طريقه لمنزل أقاربه عائداً من المظاهرات التي شهدتها ساحة التحرير.
وقال شاهد عيان آخر للمنظمة إن رجالا ملثمين في سيارة أطلقوا النار على ثلاثة متظاهرين في وقت سابق من الأسبوع، أثناء عودتهم من ساحة التحرير إلى منازلهم في شرقي العاصمة بغداد؛ وأصيب اثنان منهم بجروح.
وقال متظاهر آخر من بغداد "أطلقوا النار علينا؛ قنصونا، والآن يتربصون بنا في الأزقة وبالقرب من بيوتنا... قبل بدء حوادث إطلاق النار هذه، مر علينا أسبوع سمَّيناه "ليالي السكاكين". كنا نرى رجالا وصبيانا يرتدون ملابس عادية، يأتون إلى المظاهرات، وكأنهم متظاهرون، ثم يبدؤون المشاجرات. رأيت أحدهم يحاول التحرش جنسيا بإحدى المتظاهرات، وعندما تدخل بعض الشبان المتظاهرين لمنعه، تشاجر معهم. وفجأة اعتدى آخرون بالضرب على المتظاهرين، وأثناء تلك الفوضى أصيب ثلاثة متظاهرين بطعنات، ولا يعرف أحد من فعل ذلك."
ووصف أحد المتظاهرين من الديوانية كيف تمكن هو ومتظاهر آخر من الفرار بعد أن أطلق رجال مسلحون ست أو سبع طلقات نارية على سيارتهم، بعد أن استوقفوا السيارة وطلبوا من ركابها الخروج منها. وقال إنه أبلغ السلطات المحلية بالحادث، مشيرا إلى الكاميرات التليفزيونية الأمنية في موقع الحادث، ولكن قيل له إن هذه الكاميرات معطلة. وأكد المسؤولون للشهود لاحقا أن هؤلاء المسلحين هم من أفراد الشرطة المحلية.
حوادث الاختطاف والاختفاء
في إطار نمط من حوادث الاختفاء والاختطاف، تعرض المتظاهر سلمان خير الله، ومتظاهر آخر، للاختفاء القسري في حي الكاظمية ببغداد في11 ديسمبر/كانون الأول الذي توجها إليه لشراء خيام للمتظاهرين في ساحة التحرير؛ وقال أقارب سلمان إن الرجلين لم يردا على هواتفهما بعد الظهر، وفي حوالي الثالثة عصرا بدت هواتفهما وكأنها مغلقة. ولم يتلقوا أي أخبار عنهما منذ ذلك الحين بالرغم من مراجعتهم للسلطات المحلية للاستفسار عنهم. وقالوا إن سلمان "تلقى تهديدات غير مباشرة قبل حوالي أسبوعين تفيد بأنه تحت المراقبة... ولكنه تجاهلها." وأعرب الأقارب لمنظمة العفو الدولية عن اعتقادهم بأن الرجلين محتجزان في منشأة للاعتقال بمطار المثنى للتحقيق معهما.
وقالت معتقلة أخرى في كربلاء لمنظمة العفو الدولية إنه في 8 ديسمبر/كانون الأول حاول رجال ملثمون يركبون دراجة نارية إجبارها على ركوب سيارة سوداء رباعية الدفع بينما كانت تهم بمغادرة المظاهرات قرب ساحة التربية في المدينة. وأشارت إلى أن إحدى السائقات استجوبتها في وقت سابق من الأسبوع عما تقوم به من أنشطة لجمع التبرعات وتقديم المساعدة الطبية للمتظاهرين في المدينة.
وقال أحد المتظاهرين في بغداد لمنظمة العفو الدولية "لا يمكنك أن تتصور مدى الخوف الذي نشعر به الآن؛ ولكن لا جدوى من الفرار، فمن الواضح أنهم يعرفون أين يسكن النشطاء؛ ويعرفون أين تسكن عائلاتنا".
وقال متظاهر آخر من بغداد لمنظمة العفو الدولية "إنهم (أي المسلحين) في كل مكان، ولكننا لا نراهم؛ هناك شوارع (في بغداد) يتجنبها المتظاهرون تماماً لأن ثمة أشخاصاً اختفوا في أزقتها؛ وهناك متظاهرون لم يغادروا ساحة التحرير منذ أسابيع خشية أن يتعرضوا لأي مكروه أثناء عودتهم إلى منازلهم".
وفي 11 ديسمبر/كانون الأول، أطلق سراح عدد من المتظاهرين الذين كانوا قد اختفوا قسرا في السادس من ديسمبر/كانون الأول في منطقة السنك بالعاصمة بغداد عقب وصولهم إلى المدينة من كربلاء. وأظهرت التسجيلات المصورة التي التقطت للمتظاهرين المفرج عنهم لدى وصولهم إلى كربلاء إصابتهم بكدمات، وعدم قدرتهم على المشي بدون مساندة. ووصفت شاهدة عيان أحد المتظاهرين المفرج عنهم بقوله: "كان وجهه مزرقا، وبدا من الواضح أنه تعرض للضرب".
واستنكر المتظاهرون صمت السلطات إزاء حوادث الاختطاف، ومحاولات قتل المتظاهرين. وأضاف أحدهم قائلا "من غير المعقول أن كل هذه التسجيلات المصورة التي التقطتها الكاميرات التليفزيونية الأمنية لم تؤدِّ إلى اعتقال أحد؛ لقد استقالت الحكومة ونست فيما يبدو أنه لا يزال من واجبها حماية الناس".
واختتمت معلوف حديثها، بالقول "يجب على المجتمع الدولي أن يرفع صوته معربا عن استيائه من الأوضاع المثيرة للقلق في العراق، ويسعى لمعالجتها على الفور، وهي تتخذ منعطفا جديدا ينذر بمزيد من التفاقم والتصعيد. لقد عانى الشعب العراقي أطول وأكثر مما ينبغي من دوامات العنف المتلاحقة؛ ولا بد من وضع حد لها".
وما برحت منظمة العفو الدولية تحث السلطات العراقية على وضع حد لحملة الترهيب المستمرة بلا هوادة ضد المتظاهرين في مختلف أنحاء البلاد منذ اندلاع المظاهرات في أكتوبر/تشرين الأول. ووثقت المنظمة لجوء قوات الأمن لاستخدام القوة المميتة، بما في ذلك الذخيرة الحية، ضد المتظاهرين السلميين، واستخدام عبوات الغاز المسيل للدموع المخصصة للاستخدام الحربي التي تسبب إصابات مميتة ومروعة، فضلا عن أعمال الاختطاف والاختفاء القسري، منذ اندلاع المظاهرات في الأول من أكتوبر/تشرين الأول.
إسراء الحسن - إيران إنسايدر