يعاني الشعب الإيراني من تردي الأوضاع المعيشية؛ فمن الفقر والغلاء، إلى البطالة التي بلغت أرقاما قياسية وخاصة لدى شريحة الشبان وخريجي الجامعات، وانتهاء بالفساد الذي أصاب معظم مفاصل الدولة.
وشهدت مدن إيرانية عدة احتجاجات منتصف ليل الخميس/الجمعة، بعد تطبيق قرار رفع أسعار البنزين، حيث اصطفت طوابير سيارات المواطنين الذين امتنعوا عن تعبئة الوقود بالأسعار الجديدة، مطالبين بإلغاء القرار، في الوقت الذي قال فيه الرئيس الإيراني حسن روحاني إن قرار رفع أسعار البنزين "لمصلحة الشعب وطبقات المجتمع الفقيرة"!.
ووفقا للقرار الصادر عن المجلس الاقتصادي الأعلى في إيران والشركة الوطنية للمنتجات النفطية، أصبح سعر ليتر البنزين 3 آلاف تومان ( حوالي 36 سنتا) لليتر الواحد بعد ما كان 1000 تومان فقط (أي حوالي 12 سنتا).
وناقش البرلمان الإيراني والحكومة الإيرانية منذ عدة شهور موضوع ارتفاع أسعار البنزين، حيث تسعى الحكومة إلى تعويض العجز في ميزانيتها من خلال رفع أسعار البنزين، ولكن البرلمان حاول منع هذا الإجراء، بسبب "عدم استعداد الشعب" وخشية "ردود أفعال المجتمع".
ويُنذر القرار الجديد بفرض تضخم جديد على الاقتصاد والتأثير على شرائح المجتمع الضعيفة في إيران.
وقال الخبير الاقتصادي والأستاذ في جامعة طهران، علي أكبر نيكو إقبال، "إن سعر البنزين في بلدنا تحول إلى مصيبة كبرى".
خريجو الجامعات بلا عمل
وكشف مسؤول إيراني، إن 42 بالمئة من إجمالي العاطلين عن العمل في البلاد هم من خريجي الجامعات، مضيفا أن أكثر من مليون و400 ألف خريج جامعي لا يجدون عملا.
وقال علاء الدين أزوجي، مدير تطوير العمالة في وزارة التعاون والعمل، "في الوقت الحالي، هناك مليون وأربعمائة ألف خريج جامعي عاطل عن العمل".
وفي وقت سابق، من نهاية شهر آب/أغسطس من العام الجاري، أعلن علي رضا حاتم زاده، نائب مدير التعليم في منظمة التعليم والتدريب المهني أن "نسبة البطالة لخريجي الجامعات هي ضعف الأميين".
فقر وبطالة
ويعيش نصف السكان في إيران تحت خط الفقر، باعتراف النائب رسول خضري عضو اللجنة الاجتماعية في البرلمان الإيراني، الذي قال إن حوالي 40 مليون شخص في إيران دون خط الفقر.
ورغم أن إيران كانت تعد قبل تصفير صادراتها من النفط بسبب العقوبات الأمريكية، ثاني أكبر مصدر للغاز بعد روسيا، كما تعد من أهم منتجي النفط في أوبك، إلا أن الحديث عن شمول خط الفقر نسبة كبيرة من السكان يتكرر بين الحين والآخر.
ويبدو أن حكومة روحاني رغم وعودها الانتخابية لم تستطع إحداث أي تغيير يذكر على هذا الصعيد، لذا ليس من المستغرب أن تتم الإشارة إلى خط الفقر في إيران بين الحين والآخر.
وأشار تقرير سابق في مطلع 2018، استنادا إلى أرقام رسمية إيرانية، إلى أن نسبة البطالة في مدن إيرانية وصلت إلى 60%، ورغم أن البطالة كمتوسط تصل إلى 12%، كما أعلنها وزير الداخلية، عبد الرضا فضلي، فإن الفقر ينهش نحو نصف السكان، أي 40 مليون شخص، وفق لجنة الخميني للإغاثة الحكومية، 11 مليونا منهم يعيشون في مناطق التهميش، فضلا عن 1.5 مليون مدمن مخدرات، ونحو 600 ألف سجين بجرائم جنائية معظمها سرقة ونهب.
ومن أسباب الفقر في إيران تفشي الفساد والمحسوبية والاقتصاد الموازي لمؤسسات اقتصادية عملاقة تابعة للمرشد والحرس الثوري من جهة، ولأسباب خارجية ناتجة عن العقوبات الأميركية بسبب أنشطة إيران النووية وتدخلاتها الإقليمية من جهة أخرى.
ووصل معدل البطالة بين الفئة الشبابية إلى 28.1 في المائة، كما أعلن مركز الإحصاء أن معدل البطالة بين الأشخاص الحاصلين على الشهادات الجامعية وصل إلى 17.4 في المائة.
نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، نفسه وصف البطالة بالمشكلة الصعبة، وقال مؤخرا إنّ كلّ عائلة إيرانية تضم ثلاثة أفراد بلا وظائف، مؤكدا على أن إجمالي عدد العاطلين من العمل يبلغ ثلاثة ملايين شخص، ومن هؤلاء من يحملون شهادات الماجستير والدكتوراه، فقد ازداد عدد هؤلاء بالذات أربعة أضعاف خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، بحسب تأكيده. لكن البعض يعتبر أن العدد الذي تحدث عنه جهانغيري ليس دقيقا، وبأن الرقم الحقيقي يتجاوز أربعة ملايين شخص.
وتزيد البطالة في إيران من نسبة هجرة العقول إلى الخارج، والتي ترتبط بالنخبة العلمية والحاصلين على شهادات أكاديمية متقدمة، فيتراوح عدد هؤلاء بين 150 ألفا و180 ألفا سنويا.
ارتفاع الأسعار
ويعاني الشعب الإيراني من الغلاء الفاحش لأسعار المواد الغذائية والمساكن، ويعيش حالة من الاحتقان نتيجة تضررهم من فساد النظام وإهدار ثروات البلاد لتمويل ميليشيات إرهابية في الخارج بمليارات الدولارات.
واندلعت أكثر من مرة خلال السنوات الماضية مظاهرات تندد بالغلاء والفساد وسياسات الحكومة الداخلية والخارجية وتردي الأوضاع الاقتصادية في عهد الرئيس حسن روحاني.
ورفع المتظاهرون شعارات ولافتات من ضمنها "الموت لروحاني" و"الموت للدكتاتور".
وأظهرت بيانات نظام تسجيل المعاملات العقارية الإيرانية، أن أسعار المساكن في طهران ارتفعت بنسبة 47.7 في المائة، في شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، كما ارتفع إيجار المساكن بنسبة 33.2 في المائة.
وبحسب البيانات، بلغ متوسط سعر المتر المربع للمبنى السكني في طهران، مليوني تومان و127 ألف ريال.
وأدى ارتفاع أسعار السكن إلى انخفاض عدد المعاملات التجارية على الشقق السكنية في طهران بنسبة 63.7 في المائة، خلال نفس الفترة.
ومن حيث عمر المباني التي تم تداولها، فإن نسبة شراء وبيع المنازل القديمة (أكثر من 15 عاما)، زادت على نسبة بيع وشراء المنازل الجديدة.
عدوى المظاهرات
ويخشى النظام الإيراني من انتقال عدوى المظاهرات التي تندلع في كل من لبنان والعراق ضد النظامين القائمين على المحاصصة الطائفية، والمطالبة بإسقاطهما، ومحاسبة الفاسدين- إلى داخل أراضيها.
وقال البروفيسور بجامعة جورج واشنطن، تشارلز دون، إنهم جميعا (أي الإيرانيين) على دراية بإمكانية أن تؤدي المظاهرات الجماهيرية في العراق إلى إلهام انتفاضة شعبية مماثلة في بلدهم نفسه، التي شهدت مظاهرات حاشدة لـ"الحركة الخضراء" في عام 2009، فضلا عن الاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد، في أوائل العام الماضي، ضد سياسات الحكومة الاقتصادية والحكم الثيوقراطي القمعي.
ويرى الكاتب أنه ولهذا السبب، نصح مسؤولو الأمن الإيرانيون نظراءهم العراقيين بالتشدد مع المحتجين. ويُشتبه في تورط قوات الميليشيات المتحالفة مع إيران في قتل المتظاهرين، وكانت هناك مزاعم بأن الإيرانيين شاركوا في أعمال القتل. كما تشير تقارير جديدة إلى أن إيران قد تستعد للتدخل على نطاق أوسع.
مظاهرات العراق
ويشهد العراق احتجاجات شعبية عنيفة بدأت من بغداد للمطالبة بتحسين الخدمات العامة وتوفير فرص العمل ومحاربة الفساد، قبل أن تمتد إلى محافظات في الجنوب ذات أكثرية شيعية.
ورفع المتظاهرون سقف مطالبهم وباتوا يدعون لإقالة الحكومة التي يقودها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، إثر لجوء قوات الأمن للعنف لوأد الاحتجاجات.
ويطالبون بإسقاط النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية ومحاسبة الفاسدين.
وقالت مصادر طبية لمراسل إيران إنسايدر، إن أكثر من 340 متظاهرا قتلوا، وأصيب 15000 آخرين منذ اندلاع الاحتجاجات في العراق.
وأضافت أن غالبية القتلى لقوا حتفهم برصاص قناصة.
ويتهم نشطاء عراقيون، قناصة إيرانيين بقتل المتظاهرين السلميين، وقال مسؤول عراقي، إن هناك غرفة عمليات يقودها مساعد قاسم سليماني، ويدعى "حاج حامد"، ويتبعه القناصون الذين يستهدفون المتظاهرين، ويأتمرون بأمره بهدف قتل المحتجين السلميين.
مظاهرات لبنان
ويصر اللبنانيون على إسقاط النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والسياسية، ويتهمونه بتكريس الفساد على مدار عقود، وسط إجماع شعبي من الحراك على مواصلة المظاهرات حتى تنفيذ مطالبهم بالكامل.
ويطالبون ببدء استشارات نيابية فورية من أجل تشكيل حكومة مصغرة مؤقتة ذات مهام محددة، من خارج مكونات الطبقة الحاكمة، وحددوا مهامها بما يلي: "إدارة الأزمة المالية وتخفيف عبء الدين العام، وإقرار قانون يحقق العدالة الضريبية، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة تنتج سلطة تمثل الشعب، والقيام بحملة جدية لمناهضة الفساد ضمنها إقرار قوانين استقلالية القضاء واستعادة الأموال العامة المنهوبة".
ويشددون على أن "الحكومة المصغرة يجب أن تشكل من خارج كل قوى وأحزاب السلطة برئيسها/رئيستها وكامل أعضاءها"، مؤكدين أنه هذا هو مطلب الشارع، وأي بحث في حكومة لا تتطابق مع هذه المعايير وتخالف إرادة ومطالب الناس سيرتد بتصعيد في الشارع.
أيمن محمد – إيران إنسايدر