بدأت شرارة الاحتجاجات في لبنان، نهاية شهر أيلول/سبتمبر الماضي، عندما تظاهر المئات في العاصمة بيروت احتجاجا على تدهور الوضع المعيشي والأوضاع الاقتصادية، بعد تراجع قيمة الليرة اللبنانية للمرة الأولى منذ ما يزيد عن عقدين.
"حزب سبعة" وهو مجموعة من الناشطين المدنيين، دعا المتظاهرين الذين تجمعوا في ساحة الشهداء للتوجه نحو السراي، ورفع المحتجون شعارات تندد بالفساد والإهمال.
وهاجم بعض المحتجين ساسة لبنان وأنحوا عليهم باللائمة في الفساد المستشري في البلد، وذهب آخرون إلى المطالبة بإسقاط "الحكومة الفاشلة" وهتفوا "الشعب يريد إسقاط النظام"، فيما نادى آخرون بوضع جميع المسؤولين الحاليين في الإقامة الجبرية.
ويعاني لبنان من ديون من بين الأعلى في العالم، حيث بلغت 68 مليار دولار أو ما يزيد على 150% من إجمالي الناتج المحلي.
واقتحم ناشطون، يوم الجمعة 11 تشرين الأول/أكتوبر، قاعة مجلس النواب وسط بيروت في خطوة احتجاجية ثانية على الوضع الاقتصادي المتردي في لبنان.
وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو لناشطين من "حزب سبعة"، وهم يدخلون إلى قاعة مجلس النواب، حيث تدخل حرس المجلس، واعتقل بعضهم وأجبر آخرين على الخروج.
واغتنم الناشطون فرصة الدخول إلى البرلمان لإيصال رسالة إلى المسؤولين اللبنانيين، وقالت العضو في الهيئة التنفيذية في "حزب سبعة" بارعة الأحمر، إنه "تم خرق الدستور تحت قبة هذا البرلمان عشرات المرات عبر إقرار موازنات من دون قطع حساب، كما تم إخفاء أهم القوانين ومنها قانون استعادة الأموال المسروقة".
أزمات متراكمة
بعد أسبوعين من اندلاع أولى المظاهرات، وبعد أسبوع من اقتحام مبنى مجلس النواب، فجّرت الرسوم الضريبية الجديدة التي فرضتها وزارة الاتصالات على مكالمات واتسآب ثورة عارمة شملت كل المدن اللبنانية، مطالبة بإسقاط النظام.
ويعيش اللبنانيون هاجس الانهيار، ويشعرون بأن بلدهم يمشي بخطى ثابتة نحو المجهول في ظل أزمات غير مسبوقة تتفجر تباعا في كافة مناحي الحياة وعلى مختلف الأصعدة.
وبدأت الأزمات المتلاحقة مؤخرا من شحّ الدولار مرورا بالخبز والمحروقات وكارثة الحرائق التي فشلت أيضا السلطة اللبنانية بالسيطرة عليها، حالها حال الأزمات الأخرى..
حرائق لبنان
الحلقة السابقة في سلسلة الأزمات المتقدة عاشها لبنان يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، وتمثلت باندلاع أكثر من 140 حريقا في الغابات والأحراج، خلال 24 ساعة، وفقا لمدير وحدة إدارة الكوارث لدى رئاسة مجلس الوزراء اللبناني.
ونشبت حرائق في مناطق المشرف والدبية والناعمة والدامور في الشوف (ساحل جبل لبنان الجنوبي)، والمدينة الصناعية في ذوق مصبح، وكريت، ومزرعة يشوع، وقرنة الحمرا في قضاء المتن، والمنصورية في قضاء المتن (شمال بيروت)، وعكار شمالي البلاد.
والتهمت الحرائق مساحات واسعة من لبنان وهددت منازل المواطنين من الشمال إلى الجنوب جراء ارتفاع درجات الحرارة، في وقت أعلن فيه الصليب الأحمر اللبناني أن الحرائق التي تعرّضت لها البلاد "هي الأكبر والأخطر".
وتوفي المواطن سليم ابو مجاهد أثناء مساهمته في إخماد الحرائق في منطقة الشوف - جبل لبنان وأصيب 178 مواطنا آخرين.
واستعانت الحكومة اللبنانية بطوافات قبرصية ويونانية وأردنية، إضافة الى تكامل الجهود بين الجيش اللبناني والدفاع المدني و"اليونيفيل"، والأهالي.
رغيف الخبز
وشهدت لبنان إضرابا جزئيا لأصحاب المخابز والأفران، يوم الاثنين الماضي، وذلك نتيجة شح الدولار.
وقتها أوضحت نقابة أصحاب المخابز والأفران أن" المخابز تبيع بالليرة اللبنانية لكنها مضطرة لتسديد سعر القمح بالدولار الأمريكي، ما يفرض عليها خسائر كبيرة نتيجة تفاوت سعر صرف الدولار، وعدم وجود سعر صرف ثابت في الأسواق".
محطات الوقود
وسبق أن شهد لبنان أزمة محروقات متقطعة على مدار الأسابيع الماضية، تمثلت في إضراب محطات الوقود احتجاجا على شح الدولار المستعمل في عملية تأمين المحروقات للسوق اللبناني.
وانتهت سلسلة الإضرابات بعد التوصل إلى حل لأزمة استحصال قطاع المحروقات على الدولارات، نتيجة مساعي جانبية رعاها رئيس الحكومة سعد الحريري، وفق الآلية التي سبق وأقرها رياض سلامة حاكم مصرف لبنان (البنك المركزي) مطلع الشهر الجاري، لتخفيف الضغط على الدولار، وإعادة التوزان للعملة المحلية.
نفاد الدواء
وفي إطار أزمة الدواء المرتقبة، تشير المعلومات إلى أن كميات الأدوية المتوافرة في المستودعات اليوم في لبنان قد تنفد تدريجيا، ما لم تُحل أزمة تأمين الدولار لمستوردي الأدوية.
وفي التاسع من الشهر الجاري، أكد نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة "أن أكبر مستورد للأدوية لا يملك اليوم مخزونا لأكثر من ثلاثة أشهر، ولم يعد بالإمكان الاستمرار بتأمين الدولار من الصرافين بنحو 1600 و1650 ليرة".
نظام المحاصصة
الصراعات الطائفية والسياسية ونظام المحاصصة أوصلت لبنان إلى ما هو فيه اليوم، في الوقت الذي تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية هي الأقسى، تُترجم بالحياة اليومية من غلاء الأسعار وتأثر القدرة الشرائية للمواطن، وبطالة مستشرية وفساد معمم وأخيرا شح بالدولار في اقتصاد مدولر.
إسقاط الحكومة
وتتواصل المظاهرات في أكثر من 185 نقطة في لبنان منذ مساء يوم الخميس، واتسعت اليوم الجمعة، وسط محاولات من رئيس الحكومة الحالي سعد الحريري ورئيس الجمهورية ميشيل عون بهدف احتوائها.
وأكدت مصادر أنه تم إلغاء جلسة مجلس الوزراء اللبناني التي كانت مقررة اليوم الجمعة.
ودعا حزب القوات اللبنانية الذي يرأسه سمير جعجع، في بيان اليوم، الحريري إلى تقديم استقالته.
وكانت الوزيرة مي شدياق (من القوات اللبنانية) أكدت في وقت سابق أن وزراء القوات لن يشاركوا في جلسة مجلس الوزراء اليوم، موضحة أن القرار اتخذ منذ الأمس بانتظار أن يحددوا مصير وجودهم النهائي في الحكومة، لناحية الاستمرار فيها أو الانسحاب منها.
وزيرة الداخلية ريا الحسن قالت إن مسألة استقالة الحكومة غير مطروحة، مضيفة أن استقالة الحريري لن تحل الأزمة بل ستعقدها.
وقالت رئاسة الجمهورية اللبنانية، إن رئيس الحكومة سعد الحريري والرئيس ميشيل عون ناقشا الأوضاع العامة والإجراءات الواجب اتخاذها للمحافظة على الممتلكات.
لبنان ينتفض
ولا تزال الطرقات مقفلة بالإطارات المشتعلة على الرغم من محاولة القوى الأمنية فتح معظمها.
وتوافد آلاف المدنيين إلى الشوارع لمواصلة المظاهرات، وأقدموا على قطع عدد من الطرقات المؤدية إلى القصر الرئاسي في بعبدا.
واستمر قطع الطرقات، اليوم الجمعة، في بعض المناطق، وأوضحت الوكالة الوطنية للإعلام "أن أوتوستراد جبيل (الذي يصل بين بيروت والشمال) في الاتجاهين ما زال مقفلا بالإطارات المشتعلة في محلة سنتر صفير، ويشهد الأوتوستراد زحمة سير خانقة"، كما أنه تم قطع الطريق العام من بيروت باتجاه صيدا (جنوب لبنان) قبل أن تعيد القوى الأمنية فتحه من جديد.
وانطلقت المظاهرات مساء الخميس من ساحة الشهداء وسط بيروت وامتدت إلى ساحة رياض الصلح عند مدخل السرايا الحكومي واستمرت حتى ساعات الفجر الأولى، وأدت إلى وفاة عاملين سوريين قضيا خنقا من جراء دخان الحريق الذي أضرم في أحد الأبنية في بيروت، وإصابة 60 عنصرا من الأمن الداخلي.
وأعلن الصليب الأحمر اللبناني بأنه عالج سبعين مصابا ميدانيا ونقل 26 جريحا إلى المستشفيات.
وأعلنت جمعية مصارف لبنان إغلاق كافة البنوك في لبنان اليوم، كما أصدرت وزارة التربية والتعليم العالي أيضا بيانا بإقفال المدارس الرسمية والخاصة والجامعات بسبب الأوضاع الراهنة.
وأدت التظاهرات التي اشتعلت في البلاد مساء الخميس، إلى إصابة 70 شخصا معظمهم من القوى الأمنية بحسب ما أكدت قوى الأمن الداخلي، فيما اتهم وزير الاتصالات اللبناني ما أسماها بأيادٍ خفية بالوقوف وراء الاحتجاجات، متمنيا عدم اللجوء إلى أساليبَ تَقضي على ما تبقى من اقتصاد على حد قوله. وأضاف أن الموازنة لن تتضمن ضرائب جديدة أو رسوما جديدة، مشيرا إلى طلبه من رئيس الحكومة التصويتَ غدا على مشروع الموازنة كما تقدمَ بها.
وتظاهر العشرات في ضاحية بيروت الجنوبية موجهين اللوم لميليشيا حزب الله لعدم محاسبة الفاسدين.
وردد العشرات من المتظاهرين شعارات تطالب بإسقاط النظام، حيث قطع المتظاهرون جسرا رئيسيا في العاصمة "الرينغ" وانطلقوا بمسيرة من أمام مبنى مركز حزب الكتائب اللبنانية في "الصيفي" باتجاه أسواق بيروت.
ريتا مارالله – إيران إنسايدر