إيران تريد تحويل سوريا إلى دولة شيعية

بعد عشر سنوات من اندلاع الحرب في سوريا، تستخدم طهران الدين لتجعل نفوذها هناك دائما، هذا ما استخلصته الكاتبة "أنشال فوهرا" في تحليل لها بمجلة "فورين بوليسي".  

وكان نظام حزب البعث بقيادة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد أول من اعترف بثورة آية الله روح الله الخميني الإسلامية في إيران، وأقر بشرعيتها، لكنه كان حريصا على عدم السماح لإيران بتوسيع نفوذها في سوريا، كما فعل لاحقا في لبنان من خلال حزب الله.

وأعطى يأس نجله وخليفته بشار الأسد الفرصة أمام التوسعيين الإيرانيين، فدخلت القوات الإيرانية سوريا بعد فترة وجيزة من بدء الحرب، قبل عقد من الزمن، للمساعدة في الدفاع عن نظام الأسد الشاب ضد المتمردين.

ودعمت طهران النظام السوري في الحرب، إلى جانب وكيلها اللبناني حزب الله، وحتى أنها زجت بمقاتلين شيعة من أفغانستان والعراق وباكستان لمساعدتها في سوريا.

ومع مرور الوقت، جندت إيران مقاتلين سوريين محليين في ميليشيات لحراسة المزارات الشيعية، كما كثفت علاقاتها مع المستويات العليا في الجهاز العسكري السوري، لا سيما الفرقة الرابعة برئاسة ماهر الأسد شقيق بشار الأسد، الوحيد على قيد الحياة.

بعد عقد من الصراع، تسيطر الميليشيات المدعومة من إيران على ضواحي دمشق، وتقوم بدوريات في المدن الاستراتيجية على الحدود السورية اللبنانية، وهي موجودة بأعداد كبيرة جنوب سوريا بالقرب من إسرائيل، ولديها قواعد متعددة في حلب، ومنذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2018 أقامت أيضا معسكرات في البلدات والقرى على الحدود السورية العراقية.

ولم تستخدم إيران السلاح فحسب، بل تمكنت من تأمين قوس نفوذها من طهران عبر العراق وسوريا إلى لبنان، على مدى السنوات القليلة الماضية، عبر توسيع نفوذها الثقافي في الدولة التي مزقتها الحرب لتشجيع السنة على التحول إلى الشيعة أو على الأقل تليين مواقفهم تجاه منافسيهم الطائفيين.

وتحدثت فورين بوليسي إلى أشخاص اعتنقوا المذهب الشيعي في سوريا وإلى أصدقاء لهم، في مناطق تخضع لسيطرة نظام الأسد، والذين قالوا إن الانهيار الاقتصادي في سوريا جعل من الصعب تجاهل الامتيازات التي قدمتها إيران.

وتقوم إيران بتوزيع الأموال على السوريين المحتاجين، كما تقدم جرعة كبيرة من التلقين في المعاهد الدينية، وتقدم منحا دراسية للسوريين في الجامعات الإيرانية، وتغري الناس بالمال والمعونات الغذائية، كما تتودد للأطفال لتنشئهم كما يحلو لها.

ومثل هذه الإجراءات الصغيرة ليست باهظة التكلفة، ولكنها يمكن أن تقطع شوطا طويلا في التأثير على وجهة نظر إيران بين السوريين الفقراء.

وأعادت إيران ترميم الأضرحة القديمة وشيدت أضرحة جديدة، لشخصيات شيعية، كما لو كانت تحاول إعادة كتابة التاريخ الديني لسوريا، ذات الأغلبية السنية والتي كان بها عدد قليل جدا من الشيعة قبل الحرب.

وقال نحو 12 من السكان المحليين والنشطاء والمحللين السوريين لمجلة فورين بوليسي، إن إيران تحاول تقديم نفسها كقوة حميدة، لكسب دعم طويل الأمد بين السوريين السنة، بهدف نهائي هو الاحتفاظ بمجال نفوذها وممارسة السيطرة من خلال الوكلاء، في لبنان والعراق.

وحصلت الميليشيات الإيرانية على مساعدة نشطة من قبل النظام السوري، بموجب مرسومه السيئ السمعة رقم 10 لشراء منازل للسوريين الذين هاجروا إلى أماكن أخرى خلال الحرب، وبحسب ما ورد صادر بعض أعضاء الميليشيات ممتلكات، وجلبوا عائلاتهم من العراق ولبنان للاستقرار داخل سوريا.

ويقول خبراء سوريون إن هذا الاختراق الديموغرافي والثقافي، موجه إلى زيادة أعداد الشيعة في سوريا، لتمكين إيران من المطالبة بالسلطة السياسية نيابة عنهم.

إذا كان هناك عدد كبير من الشيعة في البلاد، فيمكن لإيران أن تدعي تمثيل مصالحها عند مناقشة حل سياسي نهائي للأزمة السورية، ويمكنها أن تطلب منحهم مناصب في الحكومة والقوات المسلحة و مؤسسات أخرى.

ويخشى الكثيرون من أن إيران تريد ممارسة نفوذها من خلال مؤيدين داخل النظام وليس فقط من خلال رئيس مدين بالفضل، يمكن أن يتراجع دعمه اعتمادًا على الصفقات التي يبرمها مع روسيا والإمارات العربية المتحدة، التي تحاول إعادته إلى الحظيرة العربية.

وعلى عكس لبنان والعراق، فإن سوريا ذات أغلبية سنية، وهذا يجعلها مهمة شاقة للنظام الإيراني، على الرغم من التحديات، يبدو أن ذلك لا يشكل رادعا لإيران.

أحمد، يبلغ من العمر 24 عاما، أحد الذين غيروا مذهبهم الديني إلى المذهب الشيعي، قال للمجلة، رافضا الكشف عن هويته الحقيقية "كنت أعيش في الميادين، وهي تابعة لمحافظة ديرالزور، وقريبة من حدود العراق، هربت مع عائلتي إلى مدينة الباب التابعة لمحافظة حلب، قرب تركيا، أثناء الصراع، وعدت في عام 2018 إلى منطقتي، عندما أعلمني صديقي  أن كل مخاوفي ستنتهي إذا انضممت للميليشيات الإيرانية"، مبينا أنه عاد وانضم إلى كتائب السيدة زينب التي سميت على اسم حفيدة النبي محمد وابنة الإمام علي.

وانتقل أحمد إلى بلدة الست زينب في ريف دمشق، وهي تضم ضريح السيدة زينب يؤمه الحجاج الشيعة باستمرار، حيث يعمل أحمد حارسا في الضريح ويتقاضى راتبه 100 ألف ليرة سورية (أقل من 25 دولار) شهريا ، لكنه يحتاج إلى مزيد من النقود لدفع تكاليف غسيل الكلى لوالده مرتين في الشهر.

وفي فبراير/ شباط ، عرض زعيم الميليشيا التابع لها مضاعفة راتبه إذا اعتنق المذهب الشيعي بنفسه، فوافق أحمد على الفور. وقال "عقدنا مؤخرا اجتماعا مع زعيم الميليشيا الذي قال إنه سيتم ترقيتنا وسنحصل على أموال، إذا غيرنا مذهبنا إلى المذهب الشيعي، واستمعنا إلى بعض المحاضرات في السيدة زينب".

 وأشار أحمد إلى أنه وافق على العرض مع عشرين رجل آخرين نظرا لحاجتهم إلى المال، وقال "إذا كنت شيعيا سيدفع لي 200 ألف ليرة سورية، أنا حقا بحاجة إلى المال بسبب علاج والدي، أنا لا أهتم بالدين".

وروى تيم الأحمد، وهو من محافظة درعا، جنوب غرب سوريا بالقرب من الأردن، قصة مماثلة لصديق له انضم لأول مرة إلى ميليشيا مدعومة من إيران ثم تحول لاحقا إلى المذهب الشيعي، فقال "زوّجوه وأعطوه شقة، ويحصل على خدمات طبية مجانية واسطوانة غاز شهريا رغم الأزمة الاقتصادية في سوريا".

وأشار الأحمد إلى أن صديقه حصل فجأة على مزايا محروم منها آلاف السوريين، بما في ذلك تصريح أمني من المخابرات السورية للسفر إلى أي مكان في البلاد "دون التعرض للمضايقات".

ربما تكون محافظة ديرالزور هي المنطقة الرئيسية لهذه العمليات، حيث شهدت مدينة أبو كمال، التي تقع على نقطة العبور الرئيسية للمحافظة مع العراق عبر معبر القائم، الكثير من الأنشطة الإيرانية.

على سبيل المثال، أعادت إيران ترميم حديقة القراميش في البوكمال، التي دمرها تنظيم الدولة الإسلامية، وأطلق عليها اسم "حديقة الأصدقاء"، (يقول النظام السوري عن إيران إنها "صديقة للبلاد")، وبشكل أسبوعي، تنظم الميليشيات الإيرانية أنشطة ترفيهية في الحديقة لإطلاع الناس، وخاصة الأطفال، على الأئمة الشيعة والإعلان عن إيران كقوة صالحة تتحدى إسرائيل والإمبريالية العالمية.

صياح أبو وليد، ناشط من البوكمال، قال "كل المرح والألعاب خدعة للعب في عقول الأطفال وأولياء أمورهم، وإغرائهم بالتحول إلى المذهب الشيعي".

وتحول النادي الرياضي في المدينة إلى مطبخ ومطعم للمليشيات الإيرانية، وأشار أبو وليد إلى أن ملعب كرة القدم بأكمله أصبح الآن بالفعل قاعدة لاستيلاء إيران على أرضه.

ودعت إيران مؤخرًا أهالي الميادين إلى "مركز نور الإيراني الثقافي"، لحضور دورة حول مبادئ ومذاهب الدين الشيعي، وفي نهاية الدورة يحصل كل من ينجح على نقود ونحو 100 ألف ليرة سورية وسلة طعام.

 

وقال بسام بربندي، الدبلوماسي السوري السابق المقيم حاليا في المنفى في الولايات المتحدة، إن "الوجود والأنشطة الإيرانية قد زرعت بذور تمرد مستقبلي في سوريا"، مضيفا "لا بد أن تكون هناك اشتباكات لمعارضة الغزو الفارسي".

وأشار بربندي إلى أن الإيرانيين ذهبوا إلى اللاذقية التي يهيمن عليها العلويون، لكن العلويين مجتمع منفتح، عندما يتعلق الأمر بالدين والأعراف الاجتماعية، فعلى سبيل المثال، يحبون شرب المشروبات الروحية، لذا قالوا للإيرانيين، وداعا ونتمنى لهم التوفيق، فوجد الإيرانيون أنه من الأسهل التلاعب بالسوريين الأكثر تضررا من الحرب، فتوجهوا للمناطق التي كانت تحت سيطرة الدولة الإسلامية سابقا.

وقال نافار سابان، خبير النزاعات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية والمتخصص في العلاقات السورية الإيرانية، إن إيران أقامت ببطء ولكن بثبات علاقات مع السوريين من جميع الخلفيات، وأضاف "اشترت إيران عقارات في ديرالزور وفي المناطق التي يسيطر عليها الأكراد من خلال السكان المحليين، لقد نسجوا شبكة عنكبوت في سوريا ولديهم أفراد في كل مكان، في الجيش والحكومة، وحتى بين رجال الأعمال السنة والمسيحيين".

وفرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عقوبات منهكة على النظام الإيراني في ظل حملة "الضغط الأقصى"، لكن خط الائتمان الإيراني غير المعلن لنظام الأسد استمر في تمويل أنشطته في سوريا.

ويشعر المراقبون بالقلق من أن إيران، التي لم تكبح أبدا خلال تدخلها في سوريا على الرغم من عقوبات ترامب، سوف تغدق الأموال لميليشياتها المسلحة وجمعياتها الخيرية التي تشجع التحول في سوريا، بمجرد عودة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إلى الاتفاق النووي.

لا توجد بيانات حول عدد السوريين الذين تمكنت إيران من تحويلهم إلى المذهب الشيعي، لكن توسعها العسكري والثقافي والاقتصادي يخلق خطوط صدع جديدة في بلد هش بالفعل على جميع الجبهات، ومن السهل أن نرى كيف يمكن أن يؤدي توسع إيران إلى تفاقم التوترات الطائفية في المنطقة.

إيران إنسايدر – (ترجمة فتحية عبدالله)

سوريا ايران علي خامنئي فيلق القدس الحرس الثوري الايراني السيدة زينب النظام السوري نشر التشيع بشار الاسد حزب البعث روح الله الخميني حافظ الاسد